المشهد الأمني في ليبيا يثير الكثير من الأسئلة في ظل حالة الانقسام السياسي
المشهد الأمني في ليبيا يثير الكثير من الأسئلة في ظل حالة الانقسام السياسي

أعادت واقعة اختفاء المدير التنفيذي للشركة الوطنية العامة للنقل البحري في ليبيا، خالد التواتي، إلى الأذهان شبح الاختطافات التي لم تتوقف في هذا البلد المغاربي منذ 2011 وهو ما يثير الكثير من التساؤلات بشأن تأثير تلك الممارسات على العملية السياسية في البلاد.

ويزداد الغموض حول مصير التواتي، بعد أكثر من أسبوع على اختفائه، فقد أصدرت الشركة بيانا تنديدياً ضد ما وصفته بـ"استمرار جريمة الاختطاف والإخفاء القسري للمدير التنفيذي"، منذ الـ 31 من يناير الماضي، داعية المنظمات الحقوقية للتحرك من أجل ضمان سلامة التواتي. 

وتأتي هذه التطورات بعد سلسلة اختطافات واعتقالات لشخصيات عامة في الأشهر الماضية، وسط تحذيرات من تداعيات هذه الظاهرة على الاستقرار السياسي الهش أصلا. 

"اختطافات" شرقا وغربا

وفي هذا الصدد، يقول مؤسس المرصد الليبي لحقوق الانسان، والرئيس الحالي لمنظمة "ضحايا لحقوق الإنسان"، ناصر الهواري، إن "الاعتقالات مستمرة في المنطقتين الشرقية والغربية، وإن كان وقعها في بنغازي (شرق) أشد".  

ويضيف الهواري، في حديث مع "أصوات مغاربية"، أن "السفير الليبي السابق والأستاذ الجامعي، فتحي البعجة، تعرض للاحتجاز رفقة أربعة أشخاص آخرين في مقر جهاز الأمن الداخلي في بنغازي منذ أكتوبر الماضي".

ويشير إلى أن المسؤول السابق "ما يزال قيد الاعتقال بلا محاكمة"، كما تم "احتجاز وكيل النيابة، أحمد زين العابدين الفاخري، منذ شهر رمضان الماضي"، مشددا على أن "عمليات الاختطاف بغرض تكميم الأفواه لم تتوقف، وضحاياها نشطاء حقوقيون وإعلاميون معارضون (للمشير) خليفة حفتر وأبنائه". 

ويؤكد ناصر الهواري أن "خالد التواتي معتقل بالمنطقة الغربية"، مشيرا إلى أن "العديد من الأشخاص معتقلين لدى جهاز الردع، وهي ميليشيا مُشرعنة"، على حد قوله.

وذكر المتحدث عددا من الشخصيات المحتجزة والمختطفة في غرب ليبيا، و"أبرزهم عضو مجلس النواب، حسن جاب الله، بالإضافة إلى نور الدين دعوب، رئيس نيابة مكافحة الإرهاب بمكتب المدعي العام العسكري، بالإضافة إلى شخصيات أخرى"، مرجحا أن "يصل عدد المعتقلين لدى جهاز الردع وحده نحو أربعة آلاف معتقل أو أكثر". 

ويشدد ناصر الهواري على أن "الميليشيات المختلفة في الشرق والغرب تقوم بعمليات اختطاف واعتقال خارج القانون"، لافتا إلى أنه "لا يتم اتباع أي إجراءات قانونية مثل الاستدعاء والتحقيق".

وأعرب عن أسفه لكون النائب العام الليبي "لا يستطيع أن يبسط سلطته على هذه الجماعات المسلحة، خاصة قوة الردع بالغرب والقوة العسكرية بالشرق، وبالتالي فإن المجتمع المدني والصحافيين والسياسيين المعارضين يعانون بشدة".

ويحذر من أن تداعيات عودة الاختطافات إلى المشهد "ستكون وخيمة جدة على المصالحة والسلام والاستقرار السياسي والحريات العامة"، مردفا "حينما نتحدث عن اعتقال شخصيات مؤثرة سياسيا وقبليا، فإن النتيجة هي زعزعة الأمن والاستقرار والتشكيك في قدرة السلطات القائمة على فرض القانون، بالإضافة إلى رفض المكونات التي ينتمي إليها المختطفون في التعامل مع السلطات مستقبلا".

اعتقال أم اختطاف؟

في المقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، محمد السلاك، أن "الاعتقالات في الغرب أكبر من الشرق"، لافتا إلى أن السبب هو "انتشار الميليشيات المسلحة ذات الأجندة المختلفة في طرابلس والمناطق التابعة لها سياسيا". 

ويضيف السلاك، في تصريحات لـ"أصوات مغاربية"، أن "الخطف والاختفاء القسري تمارسه التشكيلات المسلحة خارج سلطة المؤسسة القضائية"، مشيرا إلى أن هذا الوضع "يُصعب من إمكانية الوصول إلى دولة مُستقرة سياسيا، ودولة قادرة على حل مشاكلها بآليات الحوار وتقبل الآراء المختلفة". 

ويوضح أن "الاختطاف كأسلوب لتصفية الحسابات سيظل خيارا لدى الميليشيات طالما ليبيا لا تتمتع بسلطة سياسية وعسكرية موحدة"، مشيرا إلى أن "انتشار السلاح والتشكيلات العسكرية المختلفة هو السبب الرئيسي في الوضع الحالي، ما يعني أن المشكل سياسي"، وأن "وقائع الاختطاف ستبقى تتكرر إلى أن يتم الاتفاق على جهاز تنفيذي واحد يضع السلاح بيد الدولة". 

ويرى السلاك أن "ظاهرة الاختطاف كانت نتيجة لغياب الاستقرار السياسي، لكنها أصبحت اليوم تُعمق الهشاشة الأمنية وتؤثر على كل الجهود الرامية إلى التقارب وحل الخلافات، ما يعني أننا ندور في حلقة مفرغة". 

ويوضح المتحدث نفسه أن "الاختطاف أسلوب المافيات للضغط والابتزاز وتحقيق المكاسب، ويُستخدم في ليبيا ضمن هذا النطاق أيضا، لكن الأسوأ من ذلك هو وجود سلاح فتاك لدى الضالعين في اعتقال المعارضين"، متسائلا باستنكار "كيف يمكن بدء حوار مجتمعي في ظل هذه الظروف؟" 

وتحدث عن "ضبابية" حالات الاختطاف والاعتقال، قائلا إن "أوامر الضبط والإحضار والاعتقال من صلاحيات النائب العام، وكل عملية اعتقال لا تحترم هذه المساطر القضائية فهي اختطاف"، لافتا إلى أن "معظم الاعتقالات خارج القانون تستهدف السياسيين والشخصيات العامة بهدف إخضاعهم للتوقيع على قرارات معينة". 

وخُلص إلى أن "ما يحدث الآن ينسجم مع حالة الفوضى في البلاد نتيجة الانقسام المؤسساتي والعسكري، وبالتالي أصبح الجميع يتخاطب بلغة السلاح عوض الإذعان للقانون في مشهد معتاد منذ 2011". 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

أمطار فيضان زاكوة المغرب
مناطق جنوب وجنوب شرق المغرب شهدت عواصف وفيضانات غير مسبوقة خلفت 18 قتيلا على الأقل

تستفيد العديد من الواحات المغربية من الأمطار الغزيرة الاستثنائية التي هطلت نهاية الأسبوع الماضي في الجنوب مع ارتفاع مستوى تعبئة السدود وتغذية المياه الجوفية، لكن الجفاف متواصل في باقي أنحاء البلاد، وفق خبراء.

وشهدت مناطق جنوب وجنوب شرق المغرب عواصف وفيضانات عنيفة غير مسبوقة خلفت 18 قتيلا على الأقل، بحسب أحدث حصيلة نشرت مساء الاثنين.

وهي مناطق صحراوية وشبه قاحلة تأثرت بظاهرة مناخية "استثنائية" مرتبطة بصعود للجبهة المدارية التي تتميز بكتلة هوائية حارة ممطرة للغاية وتلاقيها مع كتل أخرى باردة قادمة من الشمال.

يوضح الخبير في شؤون المناخ والموارد المائية محمد جليل لوكالة فرانس برس أن "هذه الأحداث تذكرنا بمظهر تم تجاهله لتغير المناخ، إذ إنه لا يؤدي فقط إلى قلة الأمطار بل أيضا إلى ارتفاع كبير في معدلات هطول الأمطار".

ويحذّر المهندس الزراعي محمد الطاهر السرايري من أن "هذه الأمطار ستعطي متنفسا للواحات وزراعتها المعيشية، لكنها لم تهطل في أي مكان آخر. لا تزال البلاد تعاني من جفاف هيكلي شديد".

يواجه المغرب أسوأ موجة جفاف خلال قرابة 40 عاما، وهي مستمرة منذ ست سنوات وتهدد القطاع الزراعي الهام (11 إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من ثلث السكان العاملين)، ما يؤدي إلى تفاقم إجهاده المائي.

ووفق خبراء، تحتاج المياه الجوفية إلى هطول أمطار مستدامة حتى تعود إلى مستوياتها الطبيعية بعد فترة جفاف طويلة.

ولكن على المستوى المحلي، مكنت هذه الأمطار النادرة من رفع منسوب بعض السدود، وستساهم على تجديد المياه الجوفية التي قاربت على النضوب وتبشر بمحصول زراعي أفضل.

يقول يوسف بن حمو مدير وكالة الحوض المائي لهذه المنطقة لفرانس برس إن الخزانات الأربعة لحوض درعة واد نون التي تغطي عدة مناطق متضررة من سوء الأحوال الجوية، "شهدت ارتفاعا في مناسيبها، من 23 أغسطس إلى 9 سبتمبر، من 101 مليون متر مكعب إلى 191 مليون مكعب، أي بنسبة امتلاء 19 بالمئة".

في هذه المنطقة، استحوذ سد ورزازات الكبير على بعد 500 كلم جنوب الرباط، وحده على 70% من التساقطات بمعدل 69 مليون متر مكعب، حسب ما أفاد بن حمو، موضحا أن سد فاصك الجديد الذي بدأ تشغيله منذ مارس 2024، حصل على 10 ملايين متر مكعب من المياه في غضون أربع وعشرين ساعة.

"أمل"
يؤكد يوسف بن حمو أن "هذه الأمطار تعتبر نعمة للمنطقة لأن هذه الاحتياطيات ستكون قادرة على ضمان أمن إمدادات مياه الشرب التي تظل أولوية".

كما ستعيد تغذية منسوب المياه الجوفية في المناطق المتضررة من الفيضانات جزئيا على الأقل، الأمر الذي من شأنه أن ينعش النشاط الزراعي المحلي.

بدوره، يؤكد الخبير محمد جليل أن "هذه المناطق تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية، وستعمل الأمطار الغزيرة على تجديد طبقات المياه الجوفية وتحسينها، ما سيعطي متنفسا للواحات، خاصة بالنسبة للزراعة".

ورغم الظروف المناخية الصعبة، تنتشر الزراعة (أشجار النخيل، البستنة، الحبوب) على نطاق واسع في المنطقة.

يشير جليل إلى أن "التأثير النفسي مهم. فهذه الأمطار الأولى تعطي الأمل، ولكن الموسم قد بدأ للتو، ولن نتمكن من إجراء تقييم إلا بحلول مارس".

من جانبه، أعلن وزير الفلاحة محمد صديقي الثلاثاء، خلال زيارة إلى ورزازات، أنه سيتم تعبئة ميزانية تزيد على 3.7 مليون يورو من أجل "إنعاش الأنشطة الفلاحية وفك العزلة عن الساكنة المتضررة" وإعادة تأهيل البنى التحتية المائية المتضررة بسبب الفيضانات.

وفي المستقبل القريب، لا تتوقع مصالح الأرصاد الجوية المغربية فترات ذروة جديدة من الأمطار الغزيرة في الجنوب. لكن أستاذ علم المناخ محمد سعيد كروك حثّ على "الاستعداد لظواهر جديدة لا يعرف تواترها وعنفها، مع الأخذ في الاعتبار تأثيرات التغير المناخي".

المصدر: فرانس برس