French Foreign Minister Stephane Sejourne Stephane Sejourne, left, meets with his Moroccan counterpart Nasser Bourita, during…
من لقاء وزيري خارجية المغرب وفرنسا

بينما أعادت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب، الدفء إلى العلاقات بين الرباط وباريس، قد يثير تصريحه هناك، بخصوص ملف الصحراء الغربية، الجارة، الجزائر، التي تساند جبهة البوليساريو، الطامحة لاستقلال الإقليم.

والاثنين، جدد الوزير الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، دعم باريس "الواضح والمستمر" لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب لحل النزاع، وهو ما قد يضع علاقات بلاده بالجزائر على المحك.

ويطرح المغرب التفاوض حول خطته للحكم الذاتي حلا وحيدا للنزاع، بينما تطالب جبهة البوليساريو باستفتاء لتقرير المصير، فيما تحث الأمم المتحدة الطرفين إلى جانب الجزائر وموريتانيا على استئناف مفاوضات متوقفة منذ العام 2019، لإيجاد حل سياسي متوافق عليه "دون شروط مسبقة".

وتعد فرنسا والمغرب، حليفين تقليديين لكن علاقاتهما الدبلوماسية شهدت توترات قوية في السنوات الأخيرة تزامنت مع سعي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون إلى التقارب مع الجزائر، في حين قطعت الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021.

وتضغط الرباط على باريس لكي تتخذ موقفا مماثلا لذلك الذي أعلنته الولايات المتحدة أواخر العام 2020 حين اعترفت بسيادة المملكة على إقليم الصحراء الغربية، في مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
 

"لا تغيير"

يرى المحلل الجزائري، فيصل مطاوي، أن تصريح الوزير الفرنسي بخصوص موقف بلاده من ملف الصحراء الغربية ليس بجديد، وأنه من هذا المنظور "لن يغير أي شيء في العلاقات الجزائرية الفرنسية".

وفي اتصال مع موقع "الحرة"، أوضح مطاوي أن تصريح سيجورنيه "مجرد تشديد على موقف معروف".

في المقابل، يرى المحلل المغربي، أشرف طريبق، بأن التقارب بين باريس والرباط في حد ذاته "يمكن أن يؤثر في العلاقات بين فرنسا والجزائر" على اعتبار التنافس المرير بين الغريمين.

وقال طريبق لموقع "الحرة" إن "العلاقة بين الجزائر والمغرب لم تعد علاقة جوار طبيعية، بل أصبحت علاقة تنافس في العديد من الملفات".

يذكر أن موقف باريس من مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل لقضية الصحراء الغربية ليس جديدا، لكن وهجه انطفأ خلال السنوات الأخيرة، وفق طريبق.

من هذا المنظور، يمكن أن يعيد تأكيد الوزير الفرنسي على موقف بلاده الداعم لكفة المغرب على حساب كفة البوليساريو المدعومة من الجزائر، علاقة الأخيرة المتأرجحة مع فرنسا إلى المربع الأول.

يشار في هذا السياق، إلى أن باريس لا تزال عازمة على مواصلة جهودها لتحسين علاقاتها مع الجزائر، ويُرتقب أن تلتقي السكرتيرة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، آن ماري دوكوت، الثلاثاء، كلا من نظيرها الجزائري ووزير الخارجية أحمد عطاف في العاصمة الجزائر.

قضايا تقنية

رئيس المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي، فرانسوا جيري، يرى، أنه بالإضافة إلى التقارب بين باريس والجزائر، كان التوتر بين المغرب وفرنسا، سببه قضايا تقنية، أبرزها، ملف التأشيرات.

وفي اتصال مع موقع "الحرة"، شدد جيري على أن عودة الدفء لعلاقات باريس والرباط، والتأكيد على موقف فرنسا من قضية الصحراء الغربية "لن يؤثر بشكل كبير في علاقات باريس والجزائر على اعتبار أن الموقف ليس بجديد".

من أبرز محطات التوتر بين البلدين في الأعوام الأخيرة قرار فرنسا في سبتمبر 2021 بخفض عدد التأشيرات للمغاربة إلى النصف، وقد قوبل بانتقادات حادة في المغرب.

وفي الجانب الفرنسي، أبدت السلطات امتعاضها بعدما كشف تحقيق صحفي استقصائي استهداف المغرب أرقام هواتف ماكرون ووزراء في عام 2019 ببرنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس"، وهي اتهامات نفتها الرباط.

كما أدت إدانة البرلمان الأوروبي في يناير 2023 ما وصفته بتدهور حرية الصحافة في المغرب إلى زيادة التوترات الدبلوماسية، بعدما اعتبر مسؤولون مغاربة أن فرنسا تقف وراء القرار. 

وفي سبتمبر، نشأ جدل جديد بعدما تجاهلت الرباط عرض فرنسا تقديم المساعدة إثر زلزال مدم، ضرب أجزاء من المغرب.

بعد ذلك، بدت العلاقات كأنها وصلت إلى طريق مسدود قبل أن يقر السفير الفرنسي في المغرب في نوفمبر الماضي بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ، وليتم بعد ذلك، تعيين سفيرة مغربية في فرنسا بعد أشهر من الشغور.

وبينما يرى طريبق أن التقارب الفرنسي المغربي سيؤثر في علاقات الجزائر وباريس، يؤكد مطاوي أن الجزائر لا ترى علاقتها مع فرنسا من هذا المنظور.

جيري، من جانبه، يؤكد أن المشهد بالكامل، ربما يؤكد الحاجة لتوسط فرنسا بين الجزائر والمغرب "طالما أن علاقة الثلاثة، مرهونة ببعض، تاريخيا، سياسيا، وواقعيا".

يذكر أن الرئيس ماكرون سعى منذ عدة أشهر لتحقيق تقارب مع الجزائر على شكل مصالحة تاريخية، كان من المقرّر أن تتحقّق في ربيع 2023 بزيارة دولة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون إلى باريس، لكنّ هذه الزيارة لم تتم "ما يشير إلى استمرار الخلافات بين البلدين" وفق وكالة فرانس برس.

في هذا الصدد، يقول مطاوي إن "فرنسا هي من تحتاج للجزائر أكثر من حاجة الأخيرة لها" مبرزا الدور المحوري الذي أضحت تلعبه بلاده في ظل أزمة الطاقة التي ولّدتها الحرب الروسية على أوكرانيا، و"استغناء" عدة دول أوروبية، عن الغاز الروسي.

تنافس؟

قال مطاوي "لا أحد في الجزائر ينتظر من فرنسا أن تغير موقفها المعروف أصلا، ليتلاءم مع ما تدافع عنه هي"، مشيرا إلى كون بلاده مساندا لحركات التحرر في أفريقيا والعالم.

وتابع "ملف الصحراء الغربية مطروح أمام الأمم المتحدة، بلجنة تصفية الاستعمار" مفندا فكرة أن الجزائر تنافس المغرب في العلاقات الخارجية.

في المقابل، يرى طريبق بأن الجزائر والمغرب يتنافسان على أكثر من صعيد "في الاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، والعلاقات مع فرنسا، وحتى مع الولايات المتحدة" وفق تعبيره.

وجدد التأكيد بأن "كل ما يمكن أن يمثل فصلا جديدا في علاقات المغرب مع دولة أخرى، أكيد سيكون له تأثير في إطار التنافس ما بين الجزائر والمغرب".

جيري من جانبه، يفضل رؤية العلاقات بين فرنسا والمغرب والجزائر أيضا من منظور أكثر إيجابية، ويقول إن باريس يمكن أن تضطلع بدور وسيط بين الجزائر والرباط.

وشدد جيري، على أن فرنسا التي لها علاقات تاريخية بالبلدين الجارين "يمكن أن تضطلع بدور جديد بينهما، وهو الوساطة الإيجابية للدفع بهما نحو أفاق جديدة مبنية على التعاون الثنائي والثلاثي وحتى الإقليمي".

وأكد في سياق تحليله على أن تقارب باريس والرباط لم يتضمن أي صفقة أسلحة حتى يغضب الجزائر، مشيرا بدوره إلى أن الأخيرة حافظت على نوع من العلاقات الجيدة مع باريس رغم موقفها من ملف الصحراء الغربية منذ عقود وقال "لماذا يراد لهذا أن يتغير الآن؟".



 

المصدر: موقع الحرة

مواضيع ذات صلة

صناعة الطيران بالمغرب
صناعة الطيران بالمغرب

بعد أن ضمن مركزه ضمن الدول الـ20 المصنعة لأجزاء الطائرات، بدأ المغرب يتطلع لصناعة طائرة كاملة بحلول عام 2030 مستفيدا من الخبرات التي راكمها طيلة السنوات الأخيرة من خلال شراكاته مع عدد من الفاعلين الدوليين في المجال.

هذا التحدي أعلن عنه وزير الصناعة والتجارة المغربي، رياض مزور، بمجلس النواب (الغرفة الأولى) في ماي الماضي، ضمن مسعى جديد لترسيخ مكانة الرباط كأحد أبرز الوجهات الرئيسية في صناعة الطيران.

وقال حينها إن "المغرب يقوم بصناعة أصعب المكونات التي يحتاجها قطاع الطيران، وهناك طموح مشروع اليوم، لإنتاج أول طائرة ستقلع من المغرب.. سيتم تجميع جميع أجزائها في المملكة.. هذا هو الهدف الذي يعمل المغرب لتحقيقه".

ويأتي هذا التصريح لينضاف للازمة يرددها المسؤولون المغاربة في اجتماعاتهم مع كبار المستثمرين الأجانب وهي أن المغرب حقق نجاحا في صناعة الطائرات حتى باتت "كل طائرة تجارية تحلق في السماء تضم على الأقل قطعة واحدة تم تصنيعها بالمغرب".

وتستند هذه التصريحات إلى تقارير وطنية ودولية أكدت تحول المملكة في العشرين سنة الماضية إلى منصة دولية لإنتاج وصناعة أجزاء الطائرات وباتت صادرات القطاع تحقق ملياري دولار سنويا.

ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن مكتب الصرف (مؤسسة مغربية رسمية) حقق قطاع صناعة الطائرات خلال النصف الأول من العام الجاري نموا بنسبة 20 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.

وذكر التقرير أن صادرات القطاع بلغت 15.34 مليار درهم (1.5 مليار دولار) نتيجة ارتفاع مبيعات التجميع بـ32 في المائة ومبيعات نظام ربط الأسلاك الكهربائية بنسبة 2.2 في المائة.

وبلغ مجموع الشركات المستثمرات في القطاع أزيد من 142 شركة باندماج محلي يزيد عن 40 في المائة، ويعمل في هذه الوحدات الصناعية 20 ألف عامل مؤهل، 42 في المائة منهم نساء، وفق معطيات رسمية.

قوانين واستقطاب

وخلال العشرين سنة الماضية، زادت الاستثمارات الأجنبية في القطاع ما دفع المغرب مؤخرا إلى مواكبة هذا التطور، باعتماد قوانين جديدة.

وصادقت الحكومة المغربية في أبريل الماضي على مشروع مرسوم يتعلق بتصميم الطائرات وإنتاجها، يتم بموجبه تحديد معايير تصميم الطائرات وإنتاجها وصيانتها.

ويحدد هذ المشروع المواصفات التقنية التي يتعين احترامها من قبل الراغبين في الحصول على الاعتماد الذي تسلمه السلطة الحكومية المكلفة بالطيران المدني، من أجل اتصميم الطائرات وإنتاجها وصيانتها بالمغرب، وفق بيان لوزارة النقل واللوجستيك المغربية.

وينقسم نشاط الشركات العاملة في القطاع بين شركات متخصصة في صناعة الأسلاك الكهربائية للاتصال البيني، وشركات متخصصة في الصيانة والإصلاح والفحص وأخرى تنشط في مجال هندسة الطائرات.

ومن بين تلك الشركات، شركة سافران الفرنسية الرائدة في مجال صناعة محركات الطائرات التي تتوفر وفق وزارة الصناعة المغربية، على أكبر موقع إنتاجي لصناعة الطيران بالمغرب.

ومنها أيضا شركة بوينغ الأميركية التي زادت من مستوى حضورها بالمغرب في ماي الماضي بمنح شركة كندية تستقر بالمغرب شهادة التوريد، مما سيسمح للأخيرة بتزويد بوينغ بالأجزاء المصنعة لطائراتها.  

كما قررت شركة "هيكسيل" الأميركية لصناعة هياكل الطائرات أن تزيد من مساحة مصنعها بالمغرب، وقالت في تصريحات عام 2021 إن القرار راجع لليد العاملة المؤهلة ولمناخ الاستثمار الذي توفره المملكة للشركات الأجنبية.

ورفعت الشركة من مساحة مصنعها الواقع في المنطقة الحرة "ميد بارك" بالدار البيضاء لتصل إلى 24 ألف متر مربع، كما قررت الرفع من عدد العاملين في المصنع إلى 400 مستخدم، بحلول عام 2023.

بدورها، تعتمد شركة إيرباص الأوروبية على المغرب مؤخرا للرفع من انتاجها، وباتت طائرتها تضم أكثر من 140 مكونا تم تصنيعه بالمغرب، وفق ما أكده هادي عاكوم، نائب رئيس المبيعات لأفريقيا في إيرباص في تصريحات صحفية.

وتستفيد هذه الشركات من الموقع الاستراتيجي للمغرب القريب من أوروبا، وأيضا من توفر البلاد على شبكة مواصلات تربط نقاط الإنتاج بميناء طنجة المتوسط.

تلعب الحوافز الضريبية أيضا دورا محوريا في تشجيع المصنعين على الانضمام إلى هذه السوق، إلى جانب توفر المغرب على أزيد من 20 ألفا من اليد العاملة المؤهلة.

تحديات في الأفق

مقابل ذلك، تواجه القطاع تحديات جمة مرتبطة بتقلبات السوق الدولية ونقص اليد العاملة المؤهلة، وأيضا الضغوط التي باتت تفرضها المنظمات الناشطة في مجال البيئة على الشركات العاملة في القطاع.

ويواجه قطاع الطيران المغربي منافسة شرسة من دول أخرى تسعى هي الأخرى إلى تحقيق الغاية نفسها، استمالة واستقطاب كبار المصنعين حول العالم كمصر والإمارات والسعودية ودول أخرى من أفريقيا جنوب الصحراء.

ويسعى المغرب في المرحلة القادمة إلى الرفع من معدل اندماج صناعاته وتعزيز وتقوية سلاسل التوريد، ضمن جهود أخرى تبذل لمواجهة تلك التحديات.

المصدر: أصوات مغاربية