تتزايد الضغوط على الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الله باثيلي، في ظل تعثر العملية السياسية وتصاعد حدة الانقسامات بين الأطراف الليبية، إذ يجد نفسه في مرمى الاتهامات بـ"الانحياز"، و"تهميش" أطراف على حساب أخرى.
وفي محاولة لإنقاذ الحوار الخماسي الذي دعا إليه قبل أشهر، خطى باثيلي خطوة مثيرة للجدل نحو معسكر شرق البلاد عندما التقى، هذا الأسبوع، برئيس الحكومة الموازية المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد، وهو ما أثار زوبعة من ردود الفعل في طرابلس (غرب).
وعلاوة على ذلك، وجّه 75 حزبا سياسيا ليبياً، الخميس، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تضمّنت انتقادات قوية لأداء بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بسبب "تهميش الأحزاب السياسية" لحساب الأقطاب التقليدية التي قسمت البلاد بين الغرب والشرق.
وتُثير هذه الرسالة تساؤلات حول مصير البعثة الأممية، خاصة في ظل تعثر باثيلي في إقناع الأطراف الفاعلة في الصراع للجلوس حول طاولة مفاوضات، كما تثير هذه التحديات تساؤلات حول قدرته على تحقيق الأهداف التي رسمها له مجلس الأمن الدولي.
"تخبط وتناقض باثيلي"
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الليبي، محمد السلاك، إن البعثة الأممية الحالية "أسوأ البعثات التي مرت في ليبيا من حيث الأداء والديناميكية"، مشيرا إلى أن "سياساتها متخبطة بل ومتناقضة".
ويضيف السلاك، في اتصل مع "أصوات مغاربية"، أن إجراء المبعوث الأممي مباحثات مع رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، من أجل الحديث استمرار الجمود والركود السياسي، بينما كان هناك مسار منعقد برعاية الجامعة العربية في القاهرة يضم الأجسام الرئيسية الثلاثة في المشهد الليبي، يظهر "حجم تخبط سياساته".
وكان كل من رؤساء "المجلس الرئاسي"، "النواب" و"الدولة" التقوا، مطلع الشهر الجاري، في القاهرة، مؤكدين على "وجوب تشكيل حكومة ليبية موحدة تقود لإجراء الانتخابات وتوحيد المناصب السيادية"، في وقت تتهم العديد من الأطراف حكومتي الدبيبة وحماد بعرقلة مشروع التسوية السياسية والعملية الانتخابية.
ووفقاً للمحلل الليبي، فإن باثيلي "يُزيد من غموض المشهد بتصريحات متناقضة حيال تشكيل حكومة موحدة، فتارة يقول إن كل من يريد حكومة جديدة في البلاد يريد جزءا من الكعكة الليبية، وبعد أسابيع قليلة يعود ليقول إن الحل يكمن في إنشاء حكومة موحدة جديدة".
ويضيف: "أخشى أن يكون المبعوث الأممي ضحية للتقاطبات الدولية والتنازع بين أطراف دولية نافذة في الصراع الليبي".
ويعود السلاك ليقول "رغم الصراع الدولي، إلا أننا لم نشهد هذا النوع من التخبط والتناقض والانحياز الصارخ، ولعل خطوة باثيلي الأخيرة بلقاء أسامة حماد هي محاولة لتدارك الأخطاء الفادحة التي ارتكبها في الفترة الماضية".
ويعتقد السلاك أن الحكومتين المتنافستين "لديهما أنصار يرون أن معسكرهم هو الممثل الوحيد الشرعية، ويجب على البعثة ألا تُغضب هؤلاء إن كان الهدف هو حل النزاع"، مردفا أن القوى السياسية الليبية "تأمل في حدوث تغيير جذري ليس فقط في رأس البعثة وإنما أيضا في المساعدين وبعض الموظفين".
وخلص إلى أن البعثة الأممية "بحاجة إلى إعادة هيكلة لتتماهى مع طبيعة المهمة والوضع المعقد في البلاد والتعاطي مع الأطراف المختلفة بما يصب في اتجاه الحل السياسي الشامل والمفضي إلى الانتخابات، أما الوضع الحالي فإنه لا يُفرز سوى المزيد من الاستقطاب والتخندق وراء المواقف المتصلبة".
"المشكلة ليست في باثيلي"
من جهة أخرى، لا يعتقد الكاتب السياسي والإعلامي الليبي، عز الدين عقيل، أن البعثة الأممية تؤثر في الوضع السياسي العام في ليبيا، قائلا "هي مجرد جملة من الموظفين الذين ينفذون إرادة مجلس الأمن الدولي".
وتساءل عقيل قائلا "إذا كان عبد الله باثيلي فشل في مهمة الحياد، فماذا عن ستيفاني وليامز وغسان سلامة ومارتن كوبلر وبرناردينو ليون وعبد الإله الخطيب وإيان مارتن؟" قبل أن يضيف "هؤلاء المبعوثون كلهم فشلوا لأن الإرادة الدولية، ممثلة في الأعضاء الخمسة بمجلس الأمن، لا زالت لم تسمح باستقرار الدولة الليبية".
ويؤكد عقيل، في حديث مع "أصوات مغاربية"، أن المبعوث الأممي موظف ينفذ أجندات الدول الكبرى، منتقدا تعليق الفشل على الأشخاص، مؤكدا أن "فشل عبد الله باثيلي هو فشل للمنظومة الدولية وفشل لمجلس الأمن وتعبير حقيقي على التآمر الأجنبي على ليبيا".
ويوضح الكاتب السياسي الليبي أن "إعفاء باثيلي وتعويضه بشخصية أخرى لن يحل المشكل الليبي، لأن المشكل ليس في المبعوث، وإنما في مجلس الأمن نفسه".
بدوره، يعتقد أستاذ العلوم السياسية، محمود إسماعيل الرميلي، أن الأمم المتحدة أرسلت عددا من المبعوثين إلى ليبيا لحل الأزمة في البلاد منذ سقوط نظام القذافي، مؤكدا أن سبعة منهم جاءوا قبل باثيلي ولم يفلحوا في المهمة.
ويرى الرميلي أن المشكلة تكمن في اختزال المشهد الليبي في خمسة شخصيات، بالإضافة إلى ضغف الأحزاب السياسية المحلية بفعل تركة نظام العقيد معمر القذافي (1969-2011)، ناهيك عن التدخلات الدولية.
ويوضح أن الضغوط المتواترة على باثيلي قد تدفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى الانخراط في الملف الليبي مجدداً عبر محاولة دفع مجلس الأمن نحو أسلوب جديد في التعاطي مع الأزمة، لافتا إلى إمكانية اتجاه المجتمع الدولي نحو إجراء تغييرات شاملة على غرار إعلان موعد محدد للانتخابات الليبية وإنهاء عمر كل الأجسام السياسية الحالية وتعيين خبراء دوليين لوضع قوانين الانتخابات.
وخلص إلى القول إن "هذا التغيير سيعصف ليس فقط بالبعثة الأممية ولكن أيضا بكل الأجسام المُعرقلة للانتقال السياسي".
المصدر: أصوات مغاربية