أثار إقرار مكتب البرلمان التونسي، صرف مبلغ قدره 3000 دينار (نحو 1000 دولار)، لفائدة النواب، بعنوان "تكاليف مستلزمات دعم عمل النائب خلال السداسية الأولى لسنة 2024"، جدلا واسعا خاصة وأن ذلك يتزامن مع صعوبات مالية تشهدها البلاد.
وجاء ضمن قرارات مكتب البرلمان المجتمع يوم التاسع من ماي الجاري والمنشورة على موقعه الإلكتروني، أن المبلغ المذكور سيصرف من "الاعتمادات المخصّصة لنفقات التسيير بعنوان تكاليف مستلزمات دعم عمل النائب خلال السداسية الأولى لسنة 2024".
ويتكون البرلمان التونسي من 161 نائبا يتقاضى كل واحد منهم منحة شهرية تبلغ 3300 دينار تونسي (ما يعادل 1100 دولارات تقريبا).
وقد أثارت المنحة "الاستثنائية" التي أقرها البرلمان مؤخرا جدلا وردود فعل انقسمت بين من اعتبر أنها تشكل "مخالفة للقانون" ومن يرى أنها تطرح إشكالا "من الناحية الأخلاقية"، ومن أكد أنها "تدخل في سياق ما يسمح به النظام الداخلي للبرلمان".
"مخالفة للقانون"
وعلق مرصد "رقابة" (جمعية رقابية غير حكومية) ضمن بلاغ له، الثلاثاء، على القرار بالقول إنه "الثاني الذي يصدر بصفةٍ استثنائية وفي مدة وجيزة" مضضيفا أن المكتب سبق أن أصدر في أكتوبر الماضي قرارا "يقضي بإسناد مبلغ 3000 دينار لكل نائب بعنوان تغطية تكاليف السّكن والتنقل خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2023".
وأكد المرصد أن "تواتر القرارات لنفس السبب يجعلها تفقد الصبغة الاستثنائية وتُصبح قرارات للترفيع بصفة دائمة في المنحة المخصصة للنواب وذلك بطريقة مخالفة للقوانين والتراتيب"، معتبرا أن "القرارات المذكورة فيها مخالفة صريحة للقانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية ولأحكام مجلة الضريبة على الدخل".
وتابع مبررا ذلك بالقول إن "جميع المبالغ المدفوعة للأجراء عينية كانت أم نقدية تُعتبر أجورا و تدخُل ضمن القسم الخاص بالتأجير بالمهمة الخاصة" مضيفا أنه "لا يمكن في أي حال من الأحوال صرفُ المبالغ المذكورة من نفقات التسيير بالإضافة إلى استحالة تحويل اعتمادات من قسم التّسيير إلى قسم التأجير".
من جهة أخرى، لفت المصدر ذاته إلى أن "هذه القرارات تتزامن من ناحية أخرى مع تغاضي هياكل المجلس في تطبيق مُقتضيات النظام الداخلي المتعلّقة بنشر غيابات النواب (...) وعدم اتخاذ ما ينجرُّ عن الغياب دون عذر شرعي، وفقَ ما يضبطه النظام الداخلي، من الاقتطاع من منحة استرجاع المصاريف".
"عبء ثقيل"
تعليقا على الموضوع، قال الصحفي المختص في الشأن البرلماني سرحان الشيخاوي، إن هذه المنحة هي تنضاف إلى المنحة الرئيسية التي يتحصل عليها نواب البرلمان التونسي شهريا، مردفا أن ذلك ما يفسر حجم الجدل الحاصل في تونس حولها.
وأضاف الشيخاوي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن "الإشكال الأساسي يتمثل في أن البرلمان قام مؤخرا بإحالة عدد من العمال والمسؤولين فيه على التقاعد الوجوبي (الإحالة إلى التقاعد قبل بلوغ السن القانوني) للتخفيف من أجورهم، بينما قام في المقابل بتقديم منحة إضافية للنواب".
واعتبر الشيخاوي أن "الإشكال الأعمق من هذا أن أغلب عمل نواب البرلمان يتمثل في التصويت على قروض"، الأمر الذي "يؤكد الحاجة الملحة إلى الدعم المالي لميزانية الدولة، لكن في نفس الوقت يسمح النواب لأنفسهم بالترفيع في منحهم".
ويرى المتحدث ذاته أن البرلمان أصبح يمثل "عبئا ثقيلا" على تونس، لاعتبارات عدة "منها المعطى المالي، وعدم طرح القضايا الأساسية"، وهو ما يجعله "مؤسسة على هامش الأحداث" بحسب تعبيره.
"سليم ولكن…"
من جانبه، أوضح المحلل السياسي قاسم الغربي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن قرار إسناد المنحة لفائدة النواب "قد يعد من الناحية القانونية سليما لكنه من الناحية الأخلاقية قد يضع النواب في محل إحراج مع الشعب".
وتابع الغربي مفسرا ذلك بكون المنحة تأتي بالتزامن مع "الحديث المتكرر من قبل المسؤولين في السلطة عن الصعوبات المالية التي تشهدها البلاد".
وتبعا لذلك، يرى الغربي أن السياق العام الذي جاء فيه هذا القرار "يعكس أن النواب غير مهتمين لا بواقع الدولة ولا بواقع الشعب" كما يعكس، وفقه "عدم الانتباه إلى الصورة السيئة التي ارتسمت في مخيال المجتمع التونسي حول النواب السابقين وما كان يقال عنهم من فساد ومحسوبية والتعامل مع الدولة بمنطق "الغنيمة".
من جهة أخرى، أكد المتحدث ذاته أن عمل النواب الحاليين "يتسم بالبطء وعدم التحرك إلا داخل مقر البرلمان نظرا لتراجع الحركات الاحتجاجية في مختلف محافظات البلاد".
"منحة تنقل"
في المقابل، قال مقرر لجنة المالية بالبرلمان عصام الجابري إن قرار إسناد منحة للنواب تقدر بـ3000 دينار هو قرار "يدخل في سياق ما يسمح به النظام الداخلي للبرلمان وهو عبارة عن منحة تنقل للنواب على اعتبار أنهم يتنقلون بين محافظات البلاد لأداء مهامهم".
واعتبر الجابري في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن الجدل الحاصل بشأن هذه المنحة "يصب في خانة المزايدات السياسية بهدف تشويه النواب" مشيرا إلى أن هذه المنحة "سيقع اقتطاعها من ميزانية البرلمان الذي يتمتع بالاستقلالية المالية وليس من وزارة المالية" مشددا في الوقت نفسه على أنها "لا تعتبر زيادة في الأجور"
وتابع المتحدث ذاته موضحا أن المبلغ المقدر بـ3000 دينار "سيقع توزيعه على 6 أشهر بمعدل 500 دينار (حوالي 165 دولارا) للشهر الواحد"، لافتا في الوقت نفسه إلى أن المنحة التي وقع إقرارها في أكتوبر الماضي "لم يتحصل عليها النواب".
- المصدر: أصوات مغاربية