يثير لقاء وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بمدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، بلقاسم خليفة حفتر، الخميس، وتأكيده أن علاقات أنقرة مع شرق ليبيا "تتقدم بشكل جيد للغاية" وأن "هناك تواصلا مع قائد القيادة العامة" الجنرال خليفة حفتر وأبنائه، تساؤلات حول سبب تغيّر لهجة تركيا تجاه خصمها السابق.
وتشهد العلاقات التركية-الليبية تحولاً لافتاً في الفترة الأخيرة، حيث يبدو أن أنقرة تسعى إلى بناء جسور التواصل مع الشرق الليبي، بقيادة عائلة حفتر المتنفذة، بعد سنوات من التوترات والعداء السياسي.
ويرى محللون أن هذا التقارب يأتي في سياق تحولات إقليمية ودولية أوسع، حيث تبحث تركيا عن تعزيز مصالحها الاقتصادية في ليبيا عبر بناء شراكات جديدة، حتى مع الأطراف "القوية" في الساحة، بينما يؤكد آخرون أن التحرك التركي يعكس تغييراً في الاستراتيجية الأمنية والسياسية لأنقرة بهدف تأمين مصالحها في شرق المتوسط ومواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة.
بحث عن المصالح
وفي هذا السياق، يرى الإعلامي والخبير في الشؤون الليبية، سالم بوخزام، أن "السياسة - والعلاقات الدولية - تقوم على مبدأ عدم وجود صداقات أو عداوات دائمة، بل هي عملية مستمرة للبحث عن المصالح".
ويشير بوخزام، في حديث مع "أصوات مغاربية"، إلى أن "تركيا تجسدت هذا المبدأ بوضوح في السنوات الأخيرة من خلال انفتاحها على العديد من خصومها السابقين، بما في ذلك تواصلها المكثف مع الجنرال خليفة حفتر، الذي أضحى قوة أمنية وسياسية تسيطر على معظم الأراضي في الشرق والجنوب الليبي".
ويضيف بوخزام أن "تركيا فهمت المشهد السياسي بذكاء وحددت موازين القوى الحقيقية، فرغم استمرارها بدعم معسكر غرب ليبيا والميليشيات الخاضعة لسيطرتها هناك، إلا أن القوات المسلحة التي أعاد الجنرال حفتر تنظيمها واستعاد هيبتها أصبحت أكثر انضباطاً وتضم نحو 80 ألف عسكري، وتحظى بدعم مصري وإماراتي. ويدرك الأتراك أن القوة الحقيقية تتركز في شرق وجنوب البلاد، الخاضعين لسيطرة القيادة العامة".
ويتابع: "بل إن هناك مناطق في غرب ليبيا، مثل الزنتان والعجيلات، قد مالت إلى جانب خليفة حفتر، وهذا متغير سياسي يدركه الأتراك".
إضافة إلى البعد السياسي، يؤكد الإعلامي الليبي أن "تركيا تمتلك مصالح اقتصادية كبيرة في ليبيا، خاصة في مجال إعادة إعمار البنية التحتية، ويأتي لقاء وزير الخارجية التركي مع مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا ضمن إطار سعي تركيا للحصول على عقود وإمكانيات استثمارية في هذا المجال، بما يلبي طموحاتها المالية ويحقق مصالح الشركات والعمال الأتراك"، على حد قوله.
ويخلص بوخزام إلى أن الأتراك قد أصلحوا علاقاتهم مع العديد من الدول، بما في ذلك مصر المجاورة التي تدعم معسكر الشرق الليبي، لافتا إلى أن "هذه التحولات الإقليمية والدولية الواسعة دفعت تركيا للبحث عن مصالحها الاقتصادية في ليبيا، وهو أمر ليس مستهجناً، خاصة أن تركيا بلد مسلم ومُتوسطي يتمتع بقدرات كبيرة في المنطقة واستقلالية واسعة داخل حلف الشمال الأطلسي (الناتو)".
تحول في لهجة الأتراك
من جانب آخر، يؤكد الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الليبي، محمود إسماعيل، أن "السياسة هي ركض دائم وراء المصالح ضمن حدود الممكن"، مضيفا: "يبدو أن تحركات تركيا نحو الشرق الليبي ومحاولتها كسب ود الجنرال حفتر تعكس هذا المبدأ بوضوح".
في الوقت نفسه، يعرب إسماعيل، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، عن أسفه "لأن تركيا، التي كانت شريكا في التصدي لعدوان حفتر على غرب ليبيا والزحف نحو طرابلس، أصبحت اليوم تبحث عن شراكة مع أطراف تفتقر إلى الشرعية الدولية".
ويشير إسماعيل إلى أن "الشرعية المحلية والدولية تتمتع بها حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة" في غرب ليبيا، مردفا أن تحول لهجة الأتراك في الوقت الراهن "يعكس تغييرات استراتيجية في علاقات أنقرة مع دول الخليج، لاسيما الإمارات التي تدعم بقوة حفتر وأبنائه".
ويعتقد المحلل الليبي أن "اجتماع وزير الخارجية التركي بأحد أبناء حفتر ( بالقاسم خليفة حفتر) في أنقرة ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العلاقات بين الطرفين العديد من الاتصالات السابقة، كما تم فتح قنصلية تركية في بنغازي، ما يثير التساؤلات حول تجاهل تركيا أو تناسيها الاعتراف حصرا بحكومة الدبيبة وعدم اعترافها إلى الآن بالحكومة الموازية في الشرق بقيادة أسامة حماد".
وتشير هذه المعطيات الجديدة، وفقاً لإسماعيل، إلى أن أنقرة "تسعى لتحقيق مصالحها الاقتصادية، خاصة في ظل التقارب بين محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، وسلطات شرق ليبيا"، مشددا على أن تركيا "تسعى لتنفيذ مشاريع في الوسط والشرق والجنوب الليبيين الخاضعين لسيطرة حفتر، إضافة إلى أن أموال الشعب الليبي الخاصة بإعادة الإعمار تقع تحت سيطرة نجل حفتر حصراً".
وختم قائلاً: "ما نشهده ليس مجرد ود خالص، بل هو ود مدفوع بالمصالح المالية. ومع ذلك، فهذا لا ينفي أن تركيا قد أقدمت على تغييرات في سياساتها للاقتراب من الشرق الليبي."
المصدر: أصوات مغاربية