Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

People stand near a border post on the Algerian side of the Morocco-Algeria border in the north east of Morocco July 31, 2011…
لم يصدر أي تعليق رسمي بعد من فرنسا والمغرب بشأن البيان الجزائري - صورة أرشيفية

ببيان حادّ اللهجة، خرجت الجزائر، الخميس، لتتحدث عن تحول محتمل في الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء الغربية، كاشفة أن باريس أبلغتها بقرار دعم خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لإنهاء النزاع، وهو ما اعتبرته الجزائر "قرارا غير موفق وغير مجدي".

وجاء البيان الجزائري في وقت لم تصدر فيه باريس أو الرباط أي بلاغ ولا تعليق رسمي على الموضوع، ما يثير تساؤلات بشأن توقيت وخلفيات هذا التغيير المزعوم في الموقف الفرنسي والذي قد يمثل تحولا دبلوماسيا بارزا على مستوى علاقات باريس بالبلدين الجارين، في حال حصوله.

خلفيات "البيان الغاضب"

وأشار البيان الجزائري إلى أن الحكومة أخذت علما، بـ"أسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة".

وهاجمت الجزائر فرنسا، والمغرب، معتبرة أن ما حدث هو تفاهم "القوى الاستعمارية القديمة والحديثة" التي "تعرف كيف تتماهى مع بعضها البعض وكيف تتفاهم مع بعضها البعض وكيف تمد يد العون لبعضها البعض".

أستاذ العلاقات الدولية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، حسام حمزة، يقول إن المستجدات الأخيرة تكشف أننا باتجاه "أزمة عميقة بين الجزائر وباريس".

ويضيف حمزة في تصريح لموقع "الحرة"، أن الجزائر  سترد على الموقف بطريقة "غير ودية" أو بـ"محاولة جعل فرنسا تحسّ بمدى الضرر الذي ألحقته بالجزائر وبقضية الصحراء الغربية".

ويسيطر المغرب على 80 بالمئة من الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة، ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته، لكن جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر تسعى لإقامة دولة مستقلة عليها.

وتصنف الأمم المتحدة الصحراء الغربية ضمن "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".

ورفض مكتب وزير الخارجية الفرنسي التعليق لفرانس برس على بيان الخارجية الجزائرية، كما لم يصدر أي تعليق رسمي مغربي بشأن البيان الأخير.

وفي تحليل لصحيفة "لوموند" الفرنسية قالت إن نص البيان "لا يحدد المحتوى الدقيق للقرار الفرنسي الذي تم إبلاغه بها مسبقا، قبل الإعلان عنه رسميا في وقت لاحق"، مرجحة أن يكون ذلك بمناسبة زيارة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرباط قبل نهاية العام.

وتورد اليومية الفرنسية، أنه يبقى من غير الواضح ما إذا كانت أزمة ثنائية جديدة تلوح في الأفق عند قراءة البيان، غير أنها تشير إلى أنها ستدخل "مرحلة من التوتر "، مشيرة إلى "استخدام تهديد مبطن"، من خلال تأكيد  الحكومة الجزائرية أنها "ستستخلص جميع النتائج المترتبة على هذا القرار الفرنسي الذي تتحمل الحكومة الفرنسية وحدها مسؤوليته الكاملة".

ومن خلال إصدار تحذيرها الأخير، تسعى وزارة الخارجية الجزائرية، وفقا لـ"لوموند" إلى استباق التحول المرتقب في موقف باريس، هادفة إلى محاولة ردع هذا التغيير أو على الأقل تقليص مداه"، مما قد يشير إلى أن "الوضع لا يزال قابلا للتغيير في هذه المرحلة".

في السياق ذاته، يرى مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية بالمغرب، عبد الفتاح الفاتحي، أن الجزائر "تحاول استباق القرار، من أجل التنبيه والتحذير كما كانت قد فعلت إبان صدور موقف مماثل من مدريد، وعلى ضوئه سحبت سفيرها  قبل أن تعيده وهددت بقطع العلاقات التجارية مع الجانب الإسباني".

وفي العام الماضي، أعلنت إسبانيا القوة المستعمرة سابقا لإقليم الصحراء، عن تغيير في موقفها من النزاع معتبرة المقترح المغربي للحكم الذاتي "الأساس الأكثر جدية، واقعية ومصداقية لحل هذا النزاع"، وهي الخطوة التي دفعت الجزائر لسحب سفيرها من مدريد.

وبعد برود طغى على العلاقات بين البلدَين منذ خريف العام 2021، بدأت باريس والجزائر مسار تحسين هذه العلاقات بزيارة من زعيم الإليزيه إلى الجزائر، شهر أغسطس من العام الموالي. وحينها، وقّع مع تبون إعلانا مشتركا لاستئناف التعاون الثنائي، قبل أن تطفو خلافات جديدة ومتتالية على سطح علاقات البلدين، يرتبط أبرزها بالنقاش الدائر حول ملف الذاكرة والتاريخ الاستعماري الفرنسي للجزائر.

وختمت الخارجية الجزائرية بيانها الأخير بالقول إنها "ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار الفرنسي وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك".

وبشأن مستويات وشكل الرد الجزائري على ما وصفته بـ"التحول" في الموقف الفرنسي، يقول حمزة، إنه "سيكون اقتصاديا أساسا، وذلك عبر إلغاء مشاريع وخطط تم الاتفاق عليها في زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر".

ويُتوقع أن يؤثر الموقف الفرنسي الجديد في موعد الزيارة التي يفترض أن يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون لفرنسا، نهاية سبتمبر أو بداية أكتوبر، بعد تأجيلات متعددة، وفقا لفرانس برس.

لكن المحلل الجزائري، يؤكّد أن "زيارة تبون التي كانت مقررة أصبحت الآن في حكم الملغية"، كما أن "مجموعة من مشاريع الاستثمارات المرتبطة بصناعة السيارات والقطاع البنكي التي تم إطلاقها خلال زيارة ماكرون الأخيرة ستتضرر، وستبقى فرنسا من أضعف المستثمرين المتواجدين في السوق الجزائرية".

ويوضح المتحدث ذاته أن هذا الأمر "سيعيد العلاقات بين البلدين إلى المربع الأول الذي كانت عليه قبل زيارة ماكرون".

في هذا الجانب، يقول المحلل المغربي إن الحسابات السياسية بين الجزائر وفرنسا "لم تنضج وربما هو ما جعل زيارة تبون نحو باريس تفشل أكثر من مرة، ومعها أدركت باريس أنها ارتكبت خطأ كبيرا خلال السنوات الأخيرة التي حاولت من خلالها التقارب معها".

السر وراء التحول المحتمل في موقف باريس

وعلى الجهة المقابلة، تعدّ فرنسا والمغرب، حليفين تقليديين لكن علاقاتهما الدبلوماسية شهدت توترات قوية في السنوات الأخيرة تزامنت مع سعي الرئيس الفرنسي إلى التقارب مع الجزائر، التي تعرف علاقاتها مع المغرب توترات متلاحقة منذ عقود بسبب قضية الصحراء الغربية.

وتفاقمت الخلافات بين البلدين الجارين خلال السنوات القليلة الماضية، مع إعلان الجزائرقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في 2021، معتبرة أن المغرب "لم يتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية" ضدها، فيما أبدت المملكة تأسّفها على القرار، رافضة المزاعم الجزائرية.

وألقت مساعي التقارب الفرنسي الجزائري خلال السنتين الأخيرتين بظلالها أيضا على علاقات باريس والرباط، التي شهدت محطات توتر أخرى خلال الأعوام الأخيرة، أبرزها قرار فرنسا في سبتمبر 2021 بخفض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف، وقد قوبل بانتقادات حادة في المغرب.

فراغ دبلوماسي وتأجيل زيارات.. ما مصير علاقات المغرب وفرنسا؟
لايزال مسلسل التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا مستمرا بعد إرجاء زيارة رئيس جمعية رجال الأعمال الفرنسية إلى المغرب مؤخرا "بسبب الجفاء الدبلوماسي"، مما يجدد النقاش حول مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين.

وفي الجانب الفرنسي، أبدت السلطات امتعاضها بعدما كشف تحقيق صحفي استقصائي استهداف المغرب أرقام هواتف ماكرون ووزراء في عام 2019 ببرنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس"، وهي اتهامات نفتها الرباط.

كما أدت إدانة البرلمان الأوروبي في يناير 2023 ما وصفته بتدهور حرية الصحافة في المغرب إلى زيادة التوترات الدبلوماسية، بعدما اعتبر مسؤولون مغاربة أن فرنسا تقف وراء القرار.

وفي سبتمبر، نشأ جدل جديد بعدما تجاهلت الرباط عرض فرنسا تقديم المساعدة إثر زلزال مدمر، ضرب أجزاء من المغرب.

بعد ذلك، بدت العلاقات كأنها وصلت إلى طريق مسدود قبل أن يقر السفير الفرنسي في المغرب في نوفمبر الماضي، بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ، وليتم بعد ذلك، تعيين سفيرة مغربية في فرنسا بعد أشهر من الشغور.

وأعادت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب، في فبراير الماضي، الدفء إلى العلاقات بين الرباط وباريس،  بعد أن جدد دعم باريس "الواضح والمستمر" لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب لحل النزاع، وهو ما قد يضع علاقات بلاده بالجزائر على المحك.

وتضغط الرباط على باريس لكي تتخذ موقفا مماثلا لذلك الذي أعلنته الولايات المتحدة أواخر العام 2020 حين اعترفت بسيادة المملكة على إقليم الصحراء الغربية، في مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.

بيد أن باريس تعتبر أن موقفها من هذا النزاع "واضح وثابت" ويقوم على إيجاد "حل سياسي عادل ودائم ويحظى بقبول متبادل، تماشيا مع قرارات مجلس الأمن الدولي".

في الوقت نفسه، تعتبر باريس مقترح الحكم الذاتي المغربي "جادا وذا مصداقية"، منذ إعلانه عام 2007.  إلا أنها امتنعت عن الإقرار الصريح بـ"مغربية" المنطقة، وهو ما يطالب به المغرب.

في سياق متصل، أبرزت "لوموند" أن الرباط تضع قضية الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية محور سياستها الخارجية، وعلى هذا الأساس "أصبح من الضروري لفرنسا أن تعيد النظر في موقفها التاريخي لتلبية مطالب الرباط، حتى وإن لم يصل الأمر إلى حد الانحياز الكامل"، خاصة بعد الموقف الأميركي والإسباني من القضية.

وزير خارجية فرنسا: باريس تدعم مقترح المغرب بشأن الصحراء الغربية
قال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني الاثنين إن باريس تجدد الدعم "الواضح والمستمر" لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب لحل النزاع حول الصحراء الغربية، مؤكدا على "إرادة التقدم في هذا الملف"، وذلك خلال زيارته للرباط.

 

 

بشأن المتغير أو التحول المرتقب والذي  أثار حفيظة الجزائر،  يقول الفاتحي إن المغرب "رفع خلال السنوات الأخيرة سقف الدعم السياسي المطلوب من فرنسا في قضية وحدته الترابية، وذلك عبر الانتقال من مجرد مواقف على مستوى مجلس الأمن إلى الاعتراف الصريح والمباشر بالسيادة المغربية على صحرائه".

ويوضح المحلل السياسي المغربي، أن الرباط ظلت تعاتب فرنسا بأنه "كان عليها الأولى سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا الاعتراف بمغربية الصحراء قبل الولايات المتحدة وباقي الدول الأوروبية، نظرا لحجم وقوة علاقاتهما الاقتصادية والتاريخية والسياسية الوثيقة"، وبالتالي تعرضت لضغوط للذهاب نحو هذا المنحى بعد ذلك.

ويرى الفاتحي أن فرنسا لطالما ظلت الشريك التجاري الأول للمملكة، وفهمت الرسالة التي بعثها الملك محمد السادس في خطاب "ثورة الملك والشعب" قبل سنتين والتي أكد فيها أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وبأنه المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".

وتحدث الفاتحي عن أن "التحول المنتظر" نتاج قطيعة طويلة بين المغرب وفرنسا، استعملت فيها هذه الأخيرة كل الوسائل لإخضاع المغرب سواء في البرلمان الأوروبي أو من خلال الترويج لاتهامات لا أساس لها أو  تقاربها الفاشل مع الجزائر، كما أنه أيضا يأتي بعد "إدراك ماكرون أن الصحراء خط أحمر بالنسبة للمغاربة، علاوة على تقدير النخب السياسية الفرنسية لأهمية العلاقات مع المملكة".

في سياق متصل، ذكّرت "لوموند" بتصريحات وزير خارجية باريس، خلال زيارته للرباط، والتي قال فيها إن: "فرنسا تدرك أن قضية الصحراء الغربية تمثل مسألة وجودية للمغرب ولجميع المغاربة. لقد سبق وأن أكدنا على ذلك، وأكرره اليوم بقوة أكبر. لقد حان وقت المضي قدماً، وسأتولى هذا الأمر شخصيا".

وشكل هذا التصريح "منعطفا هاما، إذ كانت المرة الأولى التي يقر فيها مسؤول فرنسي رفيع المستوى بالطابع "الوجودي" لقضية الصحراء الغربية بالنسبة للمغرب. ولا شك أن هذا الموقف أثار قلق الجزائر "، وفقا لـ"لوموند".

في هذا الجانب، يقول حمزة، إن "الموقف الفرنسي الأخير جاء ليمثّل الرصاصة الأخيرة التي تستطيع فرنسا إطلاقها في محاولة استفزاز الجزائر التي لم تستطع التأثير على مواقفها الثابتة، وذلك لأن مصالحها في الجزائر تراجعت، بعد أن اعتقد ماكرون أنه يمكن أن يُصلح هذا بالأسلوب القديم".

وعلاقة بأسباب التحول المحتمل في موقف باريس، يعتبر أن "فرنسا اليوم ليست القوة التي كانت تمثلها قبل 30 سنة، ولا حتى قبل 10 سنوات، إذ أن نفوذها يتجه نحو الأفول في منطقة الساحل وفي المغرب الكبير وبالقارة الأفريقية عامة، حيث تعاني أزمات متعددة ومتكررة".

ويضيف، أن تحولها مدفوع كذلك بـ"اعتقادها بأن ما يحصل لها في منطقة الساحل من تحولات وخسارات نفوذ بعدد من الدول وراءه الجزائر أو يحصل بموافقة منها"، مشيرا إلى أن "لهذا الكثير مما يدعمه لأن أول من نادى بعدم التدخل وطرد الأجانب من المنطقة كانت الجزائر.

مواضيع ذات صلة

العنف الرقمي يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف
العنف الرقمي يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف

"أتمنى من الله أن يعجل بموتي حتى لا أعيش في هذا العذاب"، هكذا بدأت نعيمة حديثها لـ"الحرة"، وهي تصف الصدمة العميقة التي اجتاحت عائلتها بعد تعرض ابنتها القاصر مريم لابتزاز رقمي إثر نشر فيديو اعتداء ومحاولة اغتصاب لها عبر تطبيق التواصل الفوري "واتساب".

نعيمة (44 سنة)، أم لولد وثلاث بنات بمدينة الدار البيضاء، وجدت نفسها في مواجهة أزمة تفوق قدرتها على التحمل وغارقة في دوامة اليأس والقلق وهي تشاهد حياة أسرتها تنهار أمام عينيها، حيث بدأت مأساتها عندما أخذ شاب رقم هاتف ابنتها مريم عنوة أثناء اشتغالها كبائعة متجولة لشرائح الهاتف، وأصبح يضايقها رغم محاولاتها التخلص منه، وانتهت بالاعتداء عليها وتصويرها في وضع مهين، ما أدى إلى انهيارها النفسي وعزلتها عن العالم.

ورغم تقديم نعيمة لشكوى ضد الشاب الذي عنف ابنتها وحاول اغتصابها وتم الحكم عليه مؤخرا بالسجن لثلاث سنوات، إلا أن معاناة الأم المكلومة لا تزال متواصلة بعد أن تسبب الفيديو الذي أرسله الجاني إلى أخت مريم في تفكيك كامل للأسرة، زوجها هجرها وابنها الأكبر ترك المنزل، ومريم تزوجت عرفيا بشاب آخر وعدها بكتابة عقد الزواج عند إتمامها السن القانوني (18 سنة).

تعيش نعيمة اليوم مع ابنتيها المتبقيتين في حالة من الصدمة والاضطرابات النفسية، تتنقل بين المستشفى ومحاولات العمل لتوفير لقمة العيش، وتخشى نشر الفيديو على المنصات الاجتماعية أمام تهديدات مستمرة لأخ الجاني، معتبرة أن حياة أسرتها مرهونة بحجب هذا الفيديو مما يعمق معاناتها.

انتقام وتهديد
كما هو الحال مع مريم، نجد في قصة نجوى (19 سنة) نموذجا آخر لامرأة اختارت مواجهة العنف الرقمي بعد أن تعرضت لمحاولة اغتصاب من طرف شاب تعرفت عليه وعمرها يصل 16 سنة، فاضطرت للزواج من المعتدي تحت ضغوط اجتماعية رغم عدم تحرير عقد زواج رسمي بسبب سنها غير القانوني.

لم تنته معاناة نجوى بعد انتقالها إلى بيت زوجها، بل تحولت إلى حلقة من العنف الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى تصويرها سرا وهي تغير ملابسها وفي وضعيات حميمية معه، وبعد بلوغها 18 سنة تم توثيق الزواج لكن سرعان ما طردها زوجها من المنزل وهي حامل، مهددا إياها بنشر فيديوهاتها إذا لم تتقدم بطلاق اتفاقي والتنازل عن حقوقها.

تقول نجوى لـ"الحرة": "رفضت الخضوع لابتزازه رغم الظروف الصعبة بعد الإنجاب والعيش مع أسرتي الفقيرة القاطنة بإحدى بيوت دور الصفيح، إذ رفعت دعوى قضائية ضده وتم اعتقاله لسبعة أشهر إلى أن تنازلت عن الدعوى بعد تسوية مع عائلته بأداء واجبات النفقة والحضانة، لكن التهديدات استمرت بعد الإفراج عنه ورفض أداء مستحقاتي".

لا تزال نجوى تواجه الابتزاز الرقمي من زوجها وتقف عاجزة على رفع دعوى قضائية جديدة بسبب ظروفها المادية الصعبة، مشيرة إلى أنها تعيش وضعا من اليأس والاكتئاب والخوف المستمر بعد أن أصبح هاتفها رمزا للرعب إذ في أي لحظة قد تنشر تلك الصور لتدمر ما تبقى من حياتها.

التفكير في الانتحار
وفي الوقت الذي قررت مريم ونجوى التبليغ ضد العنف الرقمي، فإن أغلب النساء في المغرب مازلن يترددن في اتخاذ هذه الخطوة مخافة الوصم الاجتماعي، وهو ما حصل مع قصة هدى (26 سنة)، وهي طالبة في السنة الأخيرة بشعبة الطب والصيدلة، حيث تعيش تجربة قاسية مع العنف الرقمي الذي قلب حياتها رأسا على عقب.

وفي حديثها لـ"الحرة"، تحكي هدى أنها كانت على علاقة عاطفية لمدة ثلاث سنوات مع شاب يبلغ من العمر 29 سنة، يشتغل في مركز اتصال بمدينة المحمدية، وتقول "رغم أنني كانت على علاقة رضائية معه إلا أنني قررت إنهاءها للتركيز على دراستي، لكنه لم يتقبل ذلك وبدأ يهددني بنشر فيديو جنسي سجله لي دون علمي".

وتوضح هدى أن التهديدات كانت موجهة إلى أسرتها ومعارفها على منصات التواصل الاجتماعي وتخاف أن تدمر سمعتها المهنية كمستقبل طبيبة، منبهة إلى أنها "تحولت من شابة مفعمة بالحياة ومقبلة على مهنة إنقاذ الأرواح إلى شابة مكتئبة تعيش في السواد وتفكر في الانتحار".

رغم رغبتها في تقديم شكاية، تخشى هدى من اتهامها بالفساد نظرا لتجريم القانون الجنائي للعلاقات الرضائية، ولا تزال مترددة في اتخاذ هذه الخطوة، مكتفية بالبوح وكسر حاجز الصمت مما وفر لها بعض الارتياح بعيدا عن أحكام المجتمع القاسية، بحسب تعبيرها.

أرقام مقلقة
في السنوات الأخيرة، نبهت تقارير رسمية وحقوقية إلى تنامي معدلات العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب، إذ سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) في دراسة أجراها عام 2023 وشملت 180 حكما قضائيا تتعلق بقضايا العنف ضد النساء، بأن العنف الرقمي يتصدر قائمة أشكال العنف التي تتعرض لها النساء بنسبة 33٪.

وذكر تقرير للمندوبية السامية للتخطط (مؤسسة رسمية) صدر خلال مارس من العام الماضي، أن قرابة 1.5 مليون امرأة تعرضن للعنف الرقمي إما بواسطة الرسائل الإلكترونية أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، بينما تؤكد معطيات المديرية العامة للأمن الوطني وجود ارتفاع في عدد الشكايات المتعلقة بالعنف ضد النساء والفتيات بواسطة التكنولوجيا الحديثة، إذ سجلت 622 شكاية عام 2019 و761 عام 2020.

وسجلت دراسة أعدتها جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" تزايد العنف الرقمي خلال الخمس سنوات الأخيرة (سبتمبر 2018 إلى غاية سبتمبر 2023)، موضحة أن العنف الرقمي يمارس في معظم الحالات من قبل الأشخاص المقربين من الضحية بما في ذلك الزوج (14٪) والمقربون بنسبة 36٪، وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر استخداما في ممارسة العنف الرقمي ضد المرأة بنسبة 70.2٪ من إجمالي وسائل التواصل التي تم استخدامها.

وبحسب الجمعية، فإن العنف الرقمي هو "كل عمل من أعمال العنف ضد المرأة التي تستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته جزئيا أو كليا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كالهواتف المحمولة والذكية أو الانترنت أو منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الالكتروني، ويستهدف المرأة أو يؤثر في النساء بشكل غير متناسب".

"أكثر تعقيدا"
وتعتبر منسقة مراكز الاستماع بجمعية "تحدي المساواة والمواطنة"، رجاء حمين، أن العنف الرقمي ضد النساء هو "أخطر أنواع العنف ضد المرأة وأكثر تعقيدا من أشكال العنف التقليدية وأعمقها أثرا حيث ينتشر بسرعة وغير محدود في الزمان والمكان"، مشيرة إلى أنه يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف والتهديد بنشر صور حميمة وأنه يبقى مفتوحا على أشكال أخرى أمام التطور التكنولوجي.

وتؤكد حمين في حديثها لـ"أصوات مغاربية"، أن هذا العنف لا يقتصر على فئة عمرية أو اجتماعية محددة، بل يستهدف نساء وفتيات من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، بما في ذلك المتزوجات اللواتي يتعرضن للابتزاز والتهديد بنشر صورهن الحميمية من أجل التنازل عن حقوقهن في النفقة أو حضانة الأطفال.

وتشدد الناشطة الحقوقية على ضرورة تعزيز التوعية والتحسيس في ظل التنامي المهول لهذه الظاهرة بسبب انتشار الأمية الرقمية، داعية إلى تشجيع الضحايا على التبليغ عن الجرائم التي يتعرضن لها "لأن الصمت يشجع الجناة على الإفلات من العقاب واستهداف ضحايا جدد".

وبشأن تداعيات العنف الرقمي، تقول المتحدثة ذاتها إنه "يدمر حياة الأسر ويصعب علاج آثاره النفسية التي تصل إلى حد انتحار الضحايا أو أقربائهم"، مؤكدة أنه لا يمكن الحديث عن ناجيات من هذا العنف في غياب أي ضمان لإعادة نشر مثلا تلك الصور أو مقاطع الفيديو على المواقع الرقمية بعد مرور سنوات.

"أزمة قيم"
ومن جانبها، ترى عضوة "فيدرالية رابطة حقوق النساء"، خديجة تيكروين، أن البيئة الاجتماعية والثقافية بالمغرب تشكل تربة خصبة لانتشار العنف الرقمي ضد النساء، حيث تعامل المرأة كجسد ويطبع المجتمع مع العنف ضدها، سواء في الواقع أو الفضاء الرقمي.

وأوضحت تيكروين في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن العديد من شهادات النساء ضحايا العنف الرقمي أظهرت قلة الوعي التقني والجهل بإدارة المحتوى الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي مما يعرضهن لخطر انتشار صورهن الخاصة بسبب ضعف أدوات الحماية، إضافةً إلى العقلية الاجتماعية التي غالبا ما تلقي باللوم على الضحية.

وفي هذا السياق، تحذر الناشطة الحقوقية أن هناك أزمة قيم اجتماعية باتت تساهم بارتفاع نسبة ضحايا العنف الرقمي عبر ما يتم ترويجه في تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك"، إذ تدفع الفتيات للتركيز على مظهرهن الخارجي كأداة لجذب الانتباه، ما يغير من نظرة المجتمع لهن كأفراد رغم أن الواقع والإحصائيات تشير إلى أن الفتيات متفوقات أكاديميا.

ويضيف المصدر ذاته، أن القوالب الثقافية السائدة تدين النساء بشكل مضاعف وتحد من الإبلاغ عن حالات الابتزاز الرقمي، خاصة عندما ينظر للنساء على أنهن مسؤولات عن تعرضهن للعنف، منبهة إلى تفاقم آثار العنف الرقمي ضد النساء في ظل غياب الدعم النفسي والمجتمعي الكافي لهن.

ضعف المعالجة الرقمية
وبدوره يؤكد الخبير في الأمن الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، أمين رغيب، استمرار تنامي العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب بسبب الارتفاع المتزايد لمستخدمي المنصات الاجتماعية وتطور التكنولوجيات الحديثة وغياب الوعي بمخاطرها لاسيما في صفوف النساء، مشيرا إلى استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي في توليد صور وفيديوهات غير حقيقية للضحايا مما يساهم في انتشار الظاهرة.

وينبه رغيب في حديثه لـ"أصوات مغاربية"، إلى أنه من الناحية التقنية يصعب القضاء على جريمة العنف الرقمي لأن الأمر لا يتعلق بحجب الفيديو حتى لا ينتشر أكثر وإنما لغياب ضمانات بعدم تخزينه ونشره لاحقا، مسجلا ضعف الاستجابة من منصات التواصل الاجتماعي أثناء الإبلاغ عن المحتوى المسيء لضحايا العنف الرقمي.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير الرقمي على أهمية وعي النساء بمخاطر العالم الرقمي وضرورة وضع حدود واضحة للعلاقات خاصة ما يتعلق بتوثيق اللحظات ومشاركتها تجنبا للمشاكل المستقبلية، مقترحا أن يكون هناك ممثلون قانونيون لشبكات التواصل الاجتماعي في المغرب لتسهيل التعامل مع الشكاوى وحماية الضحايا بشكل أفضل.

ضعف الحماية القانونية
وأفادت المحامية والحقوقية، سعاد بطل، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن الإطار القانوني في البلاد يجرم العنف ضد النساء بكل أشكاله مثل العنف النفسي والجسدي والاقتصادي، مستدركة "إلا أنه لم يشمل العنف الرقمي بنص صريح مما يجعل إثبات العنف الإلكتروني يمثل تحديا صعبا ويساهم في تنامي هذه الظاهرة".

وتسجل بطل في حديثها "ضعف الحماية القانونية لضحايا العنف الرقمي نظرا لغياب تعريف واضح في القانون وضعف تنفيذ العقوبات رغم كونها مخففة"، منتقدة ما جاء في القانون الجنائي من فصول غير رادعة لجريمة العنف الرقمي ضد النساء سواء من حيث الجزاء أو الحماية أو آليات التنفيذ.

وتشدد المحامية على ضرورة مراجعة المساطر القانونية التي تقف عاجزة في مكافحة هذه الظاهرة عبر تسهيل مسطرة التبليغ وحماية المبلغين وتشديد العقوبات وإنصاف الضحايا بتوفير مؤسسات الدعم النفسي للمواكبة والشعور بالأمان الثقة.

المصدر: موقع الحرة