أثارت تصريحات وزير الخارجية وشؤون المصريين بالخارج، بدر عبد العاطي، الإثنين، حول أهمية الأمن والاستقرار في ليبيا للأمن القومي المصري اهتماما إعلاميا واسعا، خاصة في ظل التطورات المتسارعة في الساحة المحلية، إذ تزامنت مع تصاعد التقارب بين الشرق الليبي (الحليف التقليدي للقاهرة) وأنقرة المتحالفة مع حكومة طرابلس (غرب).
ومنذ سنوات، أضحت ليبيا ساحة للتنافس الإقليمي، حيث تسعى كل من مصر وتركيا إلى تعزيز نفوذها في هذا البلد المغاربي الذي غرق في الفوضى المؤسساتية والانقسام العسكري والحكومي منذ 2011. وعلى الرغم من بعض بوادر التقارب الأخيرة بين القاهرة وأنقرة، إلا أن التنافس على النفوذ لا يزال قائما.
خلافات عميقة
وفي هذا السياق، يرى الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الليبية، محمود الرميلي، أن تصريحات وزير الخارجية وشؤون المصريين بالخارج "يجب أن تُفهم ضمن التطورات الأخيرة في الساحة الليبية، في إشارة إلى التقارب بين الحكومة التركية وسلطات شرق البلاد، متسائلا عما إذا كانت هذه التصريحات تُعبر عن رغبة مصرية في إعادة بناء التنسيق الأمني بين الجانبين"، قبل يضيف أن "هذا التنسيق موجود أصلاً".
وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، التقى، الأسبوع الماضي، بمدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، بلقاسم خليفة حفتر (أحد أبناء الجنرال خليفة حفتر)، مؤكدا أن علاقات أنقرة مع شرق ليبيا "تتقدم بشكل جيد للغاية" وأن "هناك تواصلا مع قائد القيادة العامة" الجنرال حفتر وأبنائه، وهو ما أثار تساؤلات حول سبب تغيّر لهجة تركيا تجاه خصمها السابق.
ويرى مراقبون أن التحرك التركي يهدف إلى تحقيق أهداف استراتيجية عدة، أبرزها تأمين مصالحها الاقتصادية في شرق المتوسط، وتعزيز نفوذها الإقليمي، ومواجهة الضغوط الدبلوماسية التي تلاحق سياستها الخارجية منذ بدء الربيع العربي في 2011.
وقبل أعوام، أثار اكتشاف الغاز في شرق المتوسط صراعا بين البلدين، حيث حذرت القاهرة أنقرة من عواقب استمرار عمليات التنقيب في هذه المنطقة. وردا على ذلك، لجأ الرئيس التركي في 2019 إلى حلف الناتو للحصول على الدعم والضمانات اللازمة لمواصلة أنشطته الاستكشافية.
ووفقا للخبير الليبي، فإنه "على الرغم من الروابط التاريخية والشعبية العميقة التي تجمع الشعبين المصري والليبي، فإن تدخل القاهرة في الشأن الليبي، وخاصة دعمها عدوان المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس والغرب الليبي، قد أثار حفيظة الكثيرين، إذ يرى هؤلاء أن تحريض طرف ضد آخر يهدد وحدة البلاد واستقرارها، ويعيق جهود تحقيق المصالحة الوطنية".
ويضيف الرميلي أن الشعب الليبي يتطلع إلى دور إيجابي للدول الإقليمية، خصوصا مصر وتركيا، في حل الأزمة الليبية، مشيرا إلى وجود رغبة في رؤية هاتين الدولتين تعملان على توحيد الأطراف المتنازعة وتجنب التدخل السلبي الذي يزيد من تعقيد الأزمة.
ورغم الآمال التي أثارها التقارب المصري التركي لدى الليبيين بشأن مستقبل بلادهم - يقول المتحدث - إلا أن هناك تحذيرات من أن هذا التقارب قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الليبية بدلا من حلها، وذلك نظرا للخلافات التاريخية والسياسية العميقة بين البلدين والتي قد تمنعهم من التوصل إلى رؤية مشتركة لحل الأزمة الليبية.
دور مصري فاعل
من جانب آخر، يستبعد الإعلامي والمحلل السياسي الليبي، سالم بوخزام، أن تكون تصريحات وزير الخارجية المصري رد فعل مباشر على التقارب بين حفتر وتركيا، معربا في المقابل عن تفاؤله بـ"إمكانية تحقيق تقدم ملموس في الأزمة الليبية بفضل التحسن الملحوظ في العلاقات التركية المصرية".
ويؤكد بوخزام، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، على "أهمية هذا التحسن في خلق مناخ إيجابي للحوار الليبي والتنسيق الإقليمي، مما قد يساهم في إيجاد حلول سياسية مستدامة للأزمة".
ورغم أنه يشدد على أن التحسن في العلاقات التركية المصرية قد يشكل "نقطة تحوّل" في المشهد السياسي الليبي، إلا أنه يستدرك قائلاً إن "الدعم المصري لحفتر سيستمر لأسباب أمنية واضحة، وأبرزها أن الشرق الليبي يشكل البوابة الحدودية نحو مصر".
ووفقا للإعلامي الليبي، فإن "الشعب المصري، الذي تربطه بليبيا أواصر تاريخية وثقافية عميقة، يرفض رفضا قاطعاً أي مساس بالأمن والاستقرار في ليبيا، كما أن القوات المسلحة المصرية، التي لطالما كانت حامية للأمن القومي العربي، لن تقبل بأي شكل من أشكال التدخل في الشأن الليبي".
ويتابع أن "هذه المواقف الثابتة للشعب المصري وقواته المسلحة تعكس عمق العلاقة بين البلدين الشقيقين وتكذب كل الادعاءات التي تسعى إلى تشويه هذه العلاقة عبر الحديث عن دور مصري هدام" في ليبيا.
ويختم بوخزام بالتشديد على "إمكانية تحوّل ليبيا إلى نموذج للتعاون الإقليمي، حيث تستفيد مصر وتركيا من ثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي، بعيداً عن الصراعات"، لافتا إلى أن "التقارب الحالي بين الدول الثلاث يشكل أساساً متيناً لتحقيق هذا الهدف".
المصدر: أصوات مغاربية