تحدث نشطاء عن نزوح عشرات من المواطنين من شمال مالي والنيجر نحو الجزائر، مؤخرا، على خلفية التوتر الأمني الذي تعرفه بعض المناطق هناك.
ونشر مدونون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الفيديوهات تظهر مجموعات كبيرة لأفارقة من جنوب الصحراء تنتشر بطرقات عمومية بمدينة تينزاواتين، التابعة لولاية عين قزام، أقصى الجنوب الجزائري.
وأكد الناشط النيجري، عمر الأنصاري، على حسابه بإكس أن "هؤلاء المواطنين اضطروا إلى النزوح بعد القصف الذي نفذته جماعة فاغنر، مؤخرا، ضد منجم تينزاواتين النيجرية انتقاما لخسائرها في المعركة الأخيرة التي دارت في شمال مالي"، مشيرا إلى أن "عددا كبيرا من النازحين قد يهلك بسبب العطش إذا لم تستقبلهم الجزائر".
والأسبوع الماضي، شهد شمال مالي، على الحدود مع الجزائر، مواجهات مسلحة بين الجيش وحلفائه الروس من جهة ومجموعات انفصالية متمردة من جهة أخرى، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
وتراقب الجزائر عن كثب التطورات الأمنية التي يشهدها شمال مالي، بسبب التداعيات المباشرة لهذه الأحداث على وضعها الأمني والاقتصادي.
توتر جديد
وعبرت الجزائر، الأربعاء، على لسان وزير خارجيتها أحمد عطاف، رفضها لتوظيف الحل العسكري من أجل حل الأزمة الجارية في مالي.
وقال عطاف في ندوة صحافية "لا حل عسكريا للصراع في مالي، فهو صراع بين الأشقاء والحل هو سياسي، ولا يمكن أن يكون إلا حلا سياسيا".
وأضاف أن "اتفاقية الجزائر من منافعها وإيجابياتها أنها حافظت على السيادة المالية والحرمة الترابية لمالي والوحدة الوطنية فيها".
وأكد الوزير أنه "لا يمكن للجزائر أن تدير ظهرها لما يجري في منطقة الساحل، لأن أمن ورفاه المنطقة من أمن واستقرار الجزائر"، مضيفا "ما كانت تخشاه الجزائر أصبح الآن ميزة من ميزات منطقة الساحل وهي الحرب الأهلية التي حذرنا منها".
وشهدت العلاقة بين الجزائر وباماكو في الأشهر الأخيرة نوعا من التوتر، خاصة بعدما أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي "إنهاء" اتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر مع الجماعات الانفصالية الشمالية.
وبررت السلطات المالية موقفها بـ "التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة" وكذلك "الأعمال العدائية" من جانب الوسيط الرئيسي الجزائر.
بالمقابل، قامت الجزائر باستدعاء السفير المالي لديها لإبلاغه بـ"تجديد الجزائر التزاماتها السياسية والمرتكزات التي تؤسس عليها مساعيها لدعم مسار السلام في مالي".
خلفيات المشهد
يقول المحلل السياسي رابح لونيسي إن "موقف السلطات الجزائرية مما يجري في شمال مالي يعكس قلقا كبيرا ومحاولات جادة بهدف استدراك الخطأ الكبير الذي ارتكبته الدبلوماسية على عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "مشكلة الجزائر في تلك الفترة أنها تجاهلت ما كان يجري فوق الأراضي المالية وبلدان الساحل الأفريقي واهتمت أكثر بالتقارب مع أوروبا لتجد نفسها الآن في مواجهة تحديات أمنية واقتصادية خطيرة".
وأردف لونيسي "الوضع في مالي له إفرازات خطيرة على الجزائر ما لم يتم التحكم فيه بالطرق والآليات الدبلوماسية بعيدا عن لغة السلاح، بحيث قد يؤثر على الوضع الأمني الداخلي بالنظر إلى هشاشة الدولة المالية وعدم قدرتها على السيطرة على الجماعات الإرهابية التي تنشط على أراضيها".
وتصنف منطقة الساحل كواحدة من أكبر معاقل الجماعات الإرهابية والمنظمات المتطرفة في القارة الأفريقية، وفق بيان مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023.
ويفيد المتحدث بأنه منذ عام 2017 تضاعفت الأحداث المرتبطة بالحركات المسلّحة في مالي وبوركينا فاسو وغرب النيجر إلى 7 أضعاف.
واحتلت بوركينا فاسو الرتبة الثانية بعد أفغانستان، بينما تأتي مالي والنيجر في قائمة الدول الـ10 "الأكثر سوءا في العالم من حيث الإرهاب والعنف والتطرف".
المهاجرين والتكاليف
ويتحدث المحلل السياسي، رابح لونيسي، عن مشكل آخر يتعلق بالهجرات الجماعية للأفارقة المتضررين من هذه الاشتباكات المسلحة في شمال مالي وغيرها من المناطق المنتشرة في الساحل الأفريقي".
وأكد أن "تدفق النازحين على الجنوب الجزائر قد يفرز تداعيات خطيرة على الوضع الاقتصادي بالنظر إلى التكاليف الإضافية التي ستفرضها عملية التكفل بالنازحين، ناهيك على المشاكل الأمنية التي تتصل بملف المهاجرين".
وذكر المتحدث بما "وقع في البلد الجار تونس بسبب التدفق الكبير للأفارقة على بعض المدن هناك".
المصدر: أصوات مغاربية