في ظل الجمود الذي تشهده الساحة السياسية الليبية بسبب الخلافات المستعصية بين مجلسي النواب (بنغازي) والأعلى للدولة (طرابلس)، يترقب الشارع الليبي نتائج انتخابات الأخير، الثلاثاء المقبل.
وتنحصر المنافسة على رئاسة المجلس الأعلى للدولة (بمثابة الغرفة السفلى للبرلمان) بين ثلاث شخصيات وهي الرئيس الحالي محمد تكالة، والرئيس السابق خالد المشري، والعضو البارز في المجلس عادل كرموس.
وفي الوقت الذي يرى محللون أن المنافسة ستكون "حادة" بين المتنافسين وأنه "يصعب التنبؤ بالنتائج" فإنهم لا يستبعدون أن تفرز نتائج الانتخابات عن عودة المشري لرئاسة "الأعلى للدولة" الأمر الذي قد يمهد، وفقهم، الطريق لتسريع عملية تشكيل حكومة جديدة، خاصة أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، المتحالف مع حكومة شرق البلاد والجنرال خليفة حفتر.
ويُشير محللون إلى أن هذا السيناريو وارد، وإن كانت عودة المشري قد تثير حفيظة قطاع واسع من أعضاء "الأعلى للدولة"، ناهيك عن رئيس حكومة طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض التنحي لحكومة انتقالية جديدة.
"انتخابات حاسمة"
يقول المحلل السياسي الليبي، إسماعيل السنوسي، إن "الفارق في الأصوات بين خالد المشري ومحمد تكالة كان طفيفاً في الانتخابات الماضية، حيث تقدم تكالة في الجولة الثانية بفارق ضئيل"، مضيفا أن الانتخابات الحالية "ستشهد أيضا دخول عادل كرموس إلى المنافسة، التي ستكون حادة وستعرف تقارباً كبيراً في الأصوات بين الشخصيات الثلاث، مما يعني صعوبة التنبؤ بالفائز".
ويرى السنوسي، في حديث مع "أصوات مغاربية" أن هناك "توجهاً عاماً لتغيير محمد تكالة، إذ جمّد المجلس عملياته بشكل كامل خلال فترة رئاسته، خاصة عندما حاول التراجع عن التوافقات السابقة التي تم التوصل إليها مع مجلس النواب".
ويؤكد المحلل الليبي أن "الاتفاق السياسي يمنح المجلس الأعلى للدولة صلاحية العمل مع مجلس النواب في التعديلات الدستورية، وتشكيل الحكومة، وقانون الانتخابات، واختيار المؤسسات السيادية. ومع ذلك، شهدت فترة تولي تكالة رئاسة المجلس جموداً وتعطيلاً للمشهد، بالإضافة إلى اتهامات وجهت لتكالة شخصياً بعرقلة الاتفاقات التي وقعها الرئيس السابق خالد المشري مع عقيلة صالح".
وتابع قائلاً: "كانت هناك توافقات حول القوانين الانتخابية، والتعديلات الدستورية، وتشكيل حكومة موحدة جديدة بين المجلسين. لكن عندما تولى تكالة الرئاسة، قام بتجميد هذه الاتفاقات، مما يعتبره البعض تنصلاً وعرقلة".
ويشدد إسماعيل السنوسي على أن "هذه الانتخابات ستكون حاسمة، لأنها ستحدد ليس فقط من سيتولى الرئاسة، ولكن أيضاً مصير المجلس الذي أصبح مثار غضب العديد من القطاعات لاعتباره يعرقل العملية السياسية"، محذرا من أن "المجلس مُهدد بالخروج من المشهد في حال الاستمرار في نهجه الحالي".
ولا يستبعد السنوسي صعود خالد المشري مجدداً إلى الرئاسة، مشيراً إلى أنه "يمتلك رصيداً سياسياً قوياً"، كما أن "فترة تولي تكالة للرئاسة شهدت غياباً لأي إنجازات ملموسة، حيث اقتصر دوره على إصدار بيانات تعبر عن مواقف متصلبة، مما أدى إلى فشل محاولات إنعاش العملية السياسية".
"منافسة حادة"
في المقابل، يشدد الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الليبية، محمود الرميلي، على أن محمد تكالة "يتميز بأسلوب سياسي مختلف"، لكنه يظل "ابن الثورة الليبية وشخصية وفية لمبادئ 17 فبراير"، التي أسقطت نظام العقيد معمر القذافي في عام 2011.
ويضيف الرميلي، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أن "الانتخابات الحالية لاختيار رئيس جديد للمجلس الأعلى للدولة تمثل عملية ديمقراطية هامة وتمرينا مفيدا يتجدد كل عام، حيث يثبت الليبيون من خلالها قدرتهم على إدارة مشهدهم السياسي عبر صناديق الاقتراع بدلاً من صناديق الذخيرة".
وفي حين لا يستبعد الرميلي عودة خالد المشري إلى الرئاسة في انتخابات يتوقع أن "تشهد تنافساً حاداً"، يؤكد أن "الأزمة الليبية ليست من صنع الرئيس الحالي محمد تكالة، بل يتحمل مجلس النواب الجزء الأكبر من المسؤولية عنها، نظراً لرفضه التنازل عن بنود خلافية مثل ترشيح العسكريين ومزدوجي الجنسية".
ويضيف المتحدث ذاته أن "وصول المشري إلى الرئاسة قد يسفر عن تشكيل حكومة جديدة عبر دمج الحكومتين في طرابلس وبنغازي"، لكنه يشدد على أن "هذا لن يتضمن تنازلات عن قضايا جوهرية ترفضها الأطراف في غرب ليبيا".
ويختتم الخبير الليبي قائلاً: "محمد تكالة جاء إلى رئاسة المجلس وهو حديث العهد بالمناصب، حيث تولى فقط عضوية مجلس الدولة عن بلدية الخمس، وهي مدينة ساحلية قريبة من طرابلس، دون أن يمتلك تجربة سياسية واسعة. ومع ذلك، أثبت هذا الرجل قدرته على إدارة المشهد السياسي، حيث يظل متمسكاً بالثوابت الأساسية مثل الحفاظ على الحكومة والبحث عن سبيل لإجراء الانتخابات وتجديد الشرعية بعيدا عن التمطيل والتلكؤ".
المصدر: أصوات مغاربية