كشف المرصد الاجتماعي بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة رقابية غير حكومية) في تقرير له الثلاثاء، عن تسجيل 234 تحركا احتجاجيا بتونس خلال شهر أغسطس المنقضي وذلك في تراجع طفيف مقارنة بشهر يوليو 2024 الذي شهد 245 تحركا.
ومثلت الاحتجاجات العمالية 46٪ من إجمالي الاحتجاجات أي ما يصل إلى 109 تحركات احتجاجية تعلقت بالمطالبة بـ"تسوية وضعيات مهنية عالقة وتحسين ظروف العمل وصرف أجور ومستحقات متخلدة".
وجاءت أزمة العطش بحسب التقرير، في المرتبة الثانية بالنسبة للفاعلين الاجتماعيين أي ما يمثل 18٪ من مجموع التحركات، فيما تعلقت بقية الاحتجاجات بالوضع الاجتماعي والاقتصادي "المتردي" والزيادة في الأسعار والحق في التنمية وتردي البنية التحتية.
وأشار التقرير الشهري للمنتدى إلى أن محافظة قفصة (وسط غر ب حافظت على المرتبة الأولى من بين المحافظات الأكثر احتجاجا حيث شهدت 42 تحركا تلتها محافظة تونس (شمال) بـ 27 تحركا ثم محافظة القيروان (وسط) بـ19 تحركا.
ويثير تصدر التحركات العمالية لمسار الاحتجاجات التي شهدتها تونس خلال شهر أغسطس المنقضي النقاش بشأن أسباب تناميها أسابيع قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في السادس من أكتوبر القادم.
"تعطل الحوار الاجتماعي"
وتعليقا على الموضوع، قال المحلل السياسي محمد التليلي، إن تنامي الحراك الاحتجاجي العمالي في أغسطس يعود أساسا لتعطل الحوار الاجتماعي بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) ومن خلفه النقابات المنضوية تحت لوائه.
وأضاف التليلي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن التحركات الاحتجاجية مردها تعطل تنفيذ الاتفاقيات المبرمة في السنوات السابقة بين الحكومات المتعاقبة والنقابات والتي يتعلق أغلبها بتسوية الوضعيات المهنية والانتداب في الوظيفة العمومية ومن ضمن الملفات العالقة ملف عمال الحضائر والمدرسين النواب.
وتابع في السياق ذاته، بأن المعطلين عن العمل في تونس باتوا يضغطون على الحكومة للاستجابة لمطالبهم والتعجيل بتسوية وضعياتهم المهنية ونتيجة كذلك لغلاء المعيشة وعدم القدرة على مجابهة تكاليف الحياة في تونس.
وأوضح المتحدث على أن الاحتجاجات العمالية تشمل قطاعات حساسة مثل التعليم والصحة والنقل وهي قطاعات تمثل العدد الأكبر من موظفي الدولة والقطاع العام، داعيا السلطات للتفاعل مع مطالب المحتجين وحل كل الملفات الاجتماعية العالقة.
"ضغط للفت النظر"
من جانبه، يرى رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان، مصطفى عبد الكبير أن الحراك الاحتجاجي العمالي يأخذ نسقا تصاعديا تزامنا مع الاستعداد للانتخابات الرئاسية وذلك للفت نظر المترشحين وخاصة الرئيس الحالي قيس سعيد إلى المطالب العمالية كأولوية مطلقة يجب الاشتغال عليها في المرحلة القادمة.
وأوضح عبد الكبير في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن الرسائل التي يود المحتجون إيصالها هي "أنهم سئموا الوعود الانتخابية الزائفة وآن الأوان لوضع حد لمعاناتهم" لافتا إلى أن كثيرين علقوا آمالا كبيرة على فترة ما بعد 25 يوليو 2021 لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتوفير مواطن شغل، غير أنها كسابقاتها اتسمت بما وصفه بـ "فشل" في حلحلة الإشكاليات العالقة.
وأشار عبد الكبير إلى أن تونس تشهد أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة عمقها غلاء الأسعار وضعف المقدرة الشرائية للتونسيين وارتفاع نسبة البطالة (16.2٪) مؤكدا أنه نتيجة لهذه الصعوبات باتت مؤسسات كثيرة عاجزة عن صرف أجور الموظفين.
وتبعا لذلك، دعا المتحدث السلطات التونسية إلى العمل على تركيز مخطط تنموي جديد يخفف البطالة ويخلق مواطن الشغل ويعيد بناء الاقتصاد التونسي وتحقيق النمو.
أولويات الحكومة التونسية
من جانب آخر، أكد رئيس الحكومة كمال المدوري قبل 10 أيام أن أولويات الحكومة تتمثل أساسا في" تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية من خلال توسيع نطاق الحماية الاجتماعية، وتحسين الخدمات الصحية، والرفع من نجاعة المرافق العمومية للتربية والتعليم والتكوين والنقل، وترسيخ ثقافة بعث المشاريع، وتنمية المبادرة الخاصة لدى المرأة والشباب وذوي الإعاقة والعائلات محدودة الدخل".
كما شدد المدوري على "ضرورة توفير كافة الشروط والمقوّمات لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، وتحقيق نمو مستدام ومدمج قادر على خلق فرص العمل اللائق، وابتكار حلول مرنة ومجدّدة لدمج الاقتصاد الموازي وتوفير متطلبات بيئة عمل جاذبة ومشجّعة على الاستثمار".
كما أوصى بمواصلة فض الصعوبات التي تعيق انطلاق عدد من المشاريع العمومية والخاصة ومراجعة المنظومات القانونية والاجرائية في الغرض.
المصدر: أصوات مغاربية