اصناعة الهيدروجين الأخضر
تسعى موريتانيا لتكون دولة مضيفة لمشاريع إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر

صادقت الجمعية الوطنية الموريتانية (البرلمان)، في جلسة علنية، الاثنين، على مشروع قانون يتضمن مدونة الهيدروجين الأخضر، في خطوة من شأنها تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين في قدرات هذا البلد المغاربي.

ويهدف القانون الجديد إلى توسيع الوصول إلى الطاقة الحديثة وإلى تحقيق دينامية في الاقتصاد الموريتاني، كما يندرج ضمن خطة تروم جعل موريتانيا البلاد الأولى أفريقيّا في مجال إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030.

وفي كلمته أمام النواب، قال وزير الطاقة والنفط محمد ولد خالد، إن الهيدروجين الأخضر "يُعد من أهم المحاور التي تسعى موريتانيا إلى تطويرها لتحقيق انتقال طاقوي شامل ومستدام".

وتابع "موريتانيا تتمتع بموارد طبيعية غنية تساهم في جعل إنتاج الهيدروجين الأخضر منافساً على الصعيد العالمي، حيث من المتوقع أن يصل سعر الهيدروجين في البلاد إلى دولارين فقط لكل كيلوغرام بحلول عام 2030، مما يعزز من جاذبية هذا القطاع للاستثمار".

جهود ودعم دولي

وتسعى موريتانيا إلى إنتاج 12.5 مليون طن سنويا من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2035، وهو ما يمكن أن يُلبي المتطلبات الطاقية المحلية والأسواق الدولية المتعطشة للطاقة النظيفة، علاوة على منح دفعة قوية للنمو الاقتصادي للبلاد.  

ومن أجل ذلك، سيحتاج هذا البلد المغاربي إلى استثمارات كبيرة قدرها بنك التنمية الأوروبي، في دراسة خلال ديسمبر 2022، بحوالي 25 مليار يورو.

وكان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد تعهد خلال مشاركته العام الماضي في فعاليات "البوابة العالمية" التي نظمها الاتحاد الأوروبي، بوضع إطار قانوني ينظم قطاع الطاقة ويسهل استقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وقال حينها "سيكون لدينا قبل نهاية العام إطار متين خاص بالهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى سجل هيدروجين أخضر يضمن الشفافية والكفاءة والإنصاف في منح التصاريح".

موازاة مع التحضير للمدونة الجديد، وقعت موريتانيا العام الماضي اتفاقا مع ائتلاف تجاري دولي مكون من شركات ألمانية وإماراتية ومصرية بلغت قيمته 34 مليار دولار، كما وقعت اتفاقية شراكة لتطوير مشروع الهيدروجين الأخضر مع شركات بريطانية وفرنسية.

"خطوة حاسمة"

وصف الصحفي الموريتاني المتخصص في الطاقة، محمد آكا، مصادقة البرلمان على مدونة الهيدروجين الأخضر بـ"الخطوة الحاسمة" لافتا إلى أن المدونة مهمة لدعم الجهود التي تبذلها بلاده في مجال الطاقات النظيفة.

وأوضح آكا، في تصريح لـ"أصوات مغاربية، أن المدونة "تعتبر خطوة حاسمة في تمكين البلاد من استغلال قدراتها الهائلة في مجال الطاقات المتجددة، وتوجيه تلك القدرات نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر بشكل فعال ومستدام".

ويقول المتحدث إن وضع إطار تشريعي وتنظيمي للقطاع من شأنه أيضا توفير بيئة لجذب استثمارات من مصادر مختلفة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي يُبدي اهتماما متزايدا بهذا النوع من الوقود الواعد،  مشيرا إلى أن المدونة "قد تساعد التجارب الأولية في إنتاج الهيدروجين بموريتانيا على خفض تكاليف الإنتاج، مما يجعل البلاد وجهة جذابة للاستثمارات المستقبلية".

وسبق لوزير البترول والمعادن والطاقة الموريتاني السابق، عبد السلام ولد محمد صالح، أن أكد أن الدراسات الأولية أظهرت قدرة الهيدروجين الأخضر على رفع وتيرة النمو في بلاده إلى 10 في المائة اعتبارا من عام 2030، كما توقع أن تنخفض البطالة إلى النصف بفضل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للمشروع على مختلف القطاعات الاقتصادية.

وإلى جانب هذا الإطار التشريعي والتنظيمي، يعتقد محمد آكا أن إنجاح هذا المشروع يستدعي تطوير البنية التحتية ومواصلة الحوار مع الشركاء الدوليين.

وعن قدرات بلاده في مجال إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، أشار المتحدث إلى موريتانيا "تتمتع بمقومات استثنائية في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، بما في ذلك وفرة مصادر الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح، التي تتجاوز 4000 جيغاوات".

وأضاف "تمتلك البلاد مساحة واسعة مؤهلة لاستضافة محطات الإنتاج وموقعًا جغرافيا متميزا بالقرب من الأسواق الأوروبية. إذا تم تطوير هذه الموارد بشكل فعال، فإن المشروع يمكن أن يصبح بالفعل أحد الدعامات الأساسية للاقتصاد الموريتاني في السنوات القليلة القادمة".

المصدر: أصوات مغاربية 

مواضيع ذات صلة

بات تراجع منسوب المياه بالسدود مشهدا مألوفا في السنوات الأخيرة بتونس

يشهد مخزون السدود التونسية من المياه تراجعا حادا بفعل تواصل مواسم الجفاف وانحباس الأمطار جراء التغيرات المناخية، مما دفع عددا من الخبراء والجمعيات الرقابية إلى مطالبة السلطات في البلاد بإعلان "حالة طوارئ مائية".

وتكشف آخر الإحصائيات المتعلقة بحالة السدود التونسية، التي قدمها الثلاثاء المرصد الوطني التابع لوزارة الفلاحة، أن معدل المخزون العام للسدود من المياه بلغ 504 مليون متر مكعب أي بنسبة 21.5 في المئة من طاقة استيعابها بعد أن فاق 582 مليون متر مكعب في الفترة نفسها من سنة 2023.

وفي أواخر أغسطس المنقضي، دعا المرصد التونسي للمياه (جمعية رقابية غير حكومية)، إلى إعلان "حالة طوارئ مائية"، وذلك عقب تراجع مستوى مخزون السدود التونسية إلى 23.2 بالمائة في ذلك الحين.

وقبلها بأسابيع، أصدر المرصد ذاته تقريرا كشف فيه عن تلقيه 598 تبليغا من المواطنين، منها 510 تهم انقطاعات غير معلنة واضطرابات في توزيع الماء الصالح للشرب خلال شهر يوليو 2024، على مستوى كامل محافظات البلاد.

وتعاني تونس من آثار شح مائي طيلة السنوات الأخيرة بسبب ضعف الإيرادات من الأمطار، مع تراجع كبير في مخزون السدود من المياه، وسط بلوغ الحرارة درجات قياسية خلال صائفة 2024، ما ساهم في تبخر كميات هامة من مياه السدود، وفق ما يؤكده مختصون. 

وضع حرج

في هذا الإطار، تقول الخبيرة والمستشارة في الموارد والسياسات المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، روضة القفراج، إن الوضع المائي في تونس حرج، ما ينذر بأزمة حادة تهدد بلادا بأكملها بالعطش.

وتضيف قفراج، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن هذه الأزمة التي جاءت بفعل التغيرات المناخية وتوالي مواسم الجفاف عمقها الاستنزاف العشوائي للموارد المائية الجوفية، حيث يوجد في تونس نحو 30 ألف بئر عميقة دون ترخيص قانوني وتستهلك أكثر من 700 مليون متر مكعب من المياه في السنة، لافتة إلى أن السدود توفر 20 في المئة فقط من مياه الشرب.

وتابعت، في تشخيصها للوضع المائي، أن عددا من سدود البلاد  جفت بالكامل، فضلا عن ضياع نحو 30 بالمائة من نسبة من المياه الموزعة عبر الشبكات التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (حكومية)، في حين تصل نسبة ضياع المياه في في بعض المناطق السقوية إلى ما يناهز 50 في المئة.

وسبق للرئيس التونسي، قيس سعيد، أثناء معاينته لوضعية بعض السدود في 22 يوليو الماضي، أن أكد أن انقطاع المياه "أمر غير طبيعي وليس بريئا". 

وشدد أن ما يحدث في عدد من محافظات البلاد "أمر تدبره شبكات إجرامية تستهدف شبكات توزيع المياه وتستهدف المحطات الكهربائية".

وتردّ الخبيرة المستشارة في الموارد والسياسات المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، روضة القفراج، أن الأمر لا يتعلق بمؤامرة، بل بأزمة ناجمة عن سياسات حكومية خاطئة منذ عشرات السنين، وفق تعبيرها.

سياسات قديمة

وتثير السياسات المعتمدة من قبل السلطات التونسية في مجابهة أزمة الماء وآثار التغيرات المناخية التي تلقي بظلالها على البلاد انتقاد عدد من الخبراء إذ يعتبرونه "لا تواكب هذه التطورات".

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير في الموارد المائية، حسين الرحيلي، لـ"أصوات مغاربية" أن السياسة العمومية للمياه في تونس لم تتغير منذ الستينات، بحيث بقيت المقاربات الحكومية تكتسي طابعا تقليديا يرتكز على الشعارات دون انتهاج سياسة تقوم على التكيف الاستباقي مع التغيرات المناخية.

ويضيف أنه لم يتم بعد إعادة النظر في أولويات استعمال الماء في المجالات الفلاحية والصناعية والسياحية، مشيرا إلى أن مجلة المياه في البلاد لم يتم مراجعتها منذ 1975.

وبشأن الحلول الممكنة لمعالجة أزمة الشح المائي، دعا الخبير السلطات التونسية إلى إقامة حوار مجتمعي لسن قوانين جديدة تواكب التحولات المناخية، فضلا عن التركيز على إنشاء سدود جوفية تدعم الموارد المائية وذلك لمجابهة ظاهرة تبخر المياه.

ولفت إلى أن أول تجربة لإحداث سد جوفي كانت سنة 1994 وقدمت هذه التجربة نتائج إيجابية، وفق قوله. 

وللحد من آثار وتداعيات الجفاف، شرعت السلطات التونسية في الأعوام الأخيرة في إنشاء سدود جديدة، وتشييد محطات تحلية مياه البحر بعدد من المحافظات الساحلية منها محافظتي صفاقس وقابس (جنوب شرق)، فضلا عن المساعي لدخول مجال الاستمطار الصناعي للحد من تبخر مياه البحيرات، وفق ما أعلن عنه وزير الفلاحة الأسبق منعم بالعاتي مطلع العام الجاري. 

وتمتلك تونس نحو 37 سدا أبرزها سد سيدي سالم، إضافة إلى البحيرات الجبلية وتقع أغلبها في شمال البلاد.

خيار المواءمة 

في هذا السياق، يرى الخبير في السياسات الفلاحية، فوزي الزياني، أنه في ظل التغيرات المناخية، يجب تعديل السياسات الحكومية بشكل يوائم بين الموارد المائية لتونس ودعم الإنتاج الفلاحي حفاظا على الأمن الغذائي للبلاد.

ويوضح الزياني، لـ "أصوات مغاربية"، أن التحكم في المياه المهدورة الناجمة عن تساقطات الأمطار في غياب البحيرات التلية بمحافظات الوسط والجنوب، يمكن أن يوفر جزءا مهما من الاحتياجات المائية في الفلاحة السقوية، وفقه.

وشدد الخبير الفلاحي أن الأراضي الفلاحية في المناطق الحدودية مع الجزائر تضررت بشكل لافت، عقب سعي السلطات الجزائرية لتشييد سدود منعت وصول مياه الأودية إلى تونس.

وتبعا لذلك دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى التفكير في معالجة المياه المستعملة التي يمكن أن توفر حوالي 600 ألف متر مكعب، وتغطي 25 في المئة من احتياجات الفلاحة بتونس من الماء، مؤكدا أن المراهنة على تحلية مياه البحر ستكون له انعكاسات وخيمة على المنظومة الفلاحية.

جدير بالذكر أن تونس تخطط هذا الموسم لإنتاج مليون و173 ألف هكتار من الحبوب من ضمنها مساحة مروية تقد بـ 80 ألف هكتار، في خطوة تهدف إلى الحد من توريد هذه المادة بحسب مسؤولين في وزارة الفلاحة.

 

المصدر: أصوات مغاربية