تواصل السلطات القضائية في ليبيا حربها ضد الفساد في السلك الدبلوماسي حيث بلغ مجموع القضايا التي اتهم أو توبع فيها دبلوماسيون 7 قضايا منذ بداية العام الجاري.
وطالت إجراءات التحقيق مؤخرا 3 سفراء سابقين وخمسة موظفين وملحقين في بعثة ليبيا لدى أوكرانيا، بحسب بيان مقتضب لمكتب النائب العام.
وجاء في البيان أن محكمة الجنايات بطرابلس أدانت السفراء الثلاثة وثلاثة قائمين على الشؤون الصحية وملحقين ثقافين سابقين في بعثة ليبيا لدى أوكرانيا بالسجن 8 سنوات.
وذكر المكتب أن هذا الحكم جاء بعد فحص تقارير رقابية "دللت جنوح أداء مسؤولي البعثة من سنة 2015 إلى 2019"، مضيفا أن محكمة الجنايات "قضت في آخر جلساتها بإدانة المتهمين فأنزلت بهم عقوبة السجن مدة 8 سنوات وتغريمهم 13 ألف دينار (2724 دولارا) وحرمانهم من حقوقهم المدنية مدة تنفيذ العقوبة ومدة سنة عقب تنفيذها".
وسبق لمكتب النائب العام أن أمر عام 2022 بحبس المسؤول الصحي في بعثة ليبيا لدى أوكرانيا بتهمة "إلحاق ضرر جسيم بالمال العام، من خلال صرف مستحقات مالية، عبر استعمال أختام مصطنعة ومقلدة نُسِبَت إلى عدد من المستشفيات".
وأفاد حينها بأن المتهم "تصرف في ملايين اليوروهات على أوجه لا تقتضيها المصلحة العامة، وتعمُّد صرف 800 ألف يورو إبان جائحة فيروس كورونا، من دون توافر سبب موضوعي يشرعن هذا السلوك".
بذلك، يكون الحكم الأخير الخامس في العام الجاري، إذ سبقته أحكام وإدانات أخرى بحق سفراء ومسؤولين دبلوماسيين في عدد من سفارات وقنصليات ليبيا بالخارج.
قضايا متعددة
في أواخر يوليو الماضي، أمرت السلطات القضائية بإحالة مسؤول دبلوماسي بسفارة ليبيا لدى كازاخستان على ذمة التحقيق وذلك بعد توصلها لمعطيات تفيد بتصرفه في آلاف الدولارات.
وقال مكتب النائب العام حينها إن التحقيق الذي فتح بحق الدبلوماسي خلص إلى تصرفه "132 ألف دولار وتوظيف عاملين أجانب دون أن تكون له ولاية التعاقد وتصرفه في مال منقول مملوك للدولة".
وفي الأسبوع الأول من الشهر نفسه، أمرت السلطات القضائية أيضا بحبس مسؤول مكلف بملف علاج الليبيين في سلوفاكيا بتهمة إساءة العمل الإداري والمالي.
ووفقا لبيان النائب العام، كشفت التحقيقات تزوير المسؤول لوثائق "أتاحت له تحويل 4 ملايين يورو كمخصصات خدمة علاجية لمرضى غير موجودين".
وفي قضية مشابهة، أمرت سلطة التحقيق في ليبيا شهر ماي الماضي بحبس قائم سابق بأعمال سفارة ليبيا لدى الفاتيكان بعد أن ثبت تورطه في صرف المال العام دون مبرر قانوني.
ووجهت للمسؤول الدبلوماسي تهمة مخالفة "الفروض المسلكية" و"القواعد المرعية في إدارة المال العام" وذلك بعد أن تبث صرفه مبالغ مالية قدرت قيمتها بـ669 ألف يورو مقابل فواتير استشفاء "دون وجود أية وثائق دالة على هويات المرضى الليبيين".
وخلال الشهر نفسه، قضيت النيابة العامة الليبية بحسب مسؤول سابق في السفارة الليبية لدى مصر، في قضية أخرى متعلقة باستشفاء الليبيين في الخارج.
وذكر مكتب النائب العام أن سلوك المسؤول الدبلوماسي تسبب "في إلحاق ضرر ببعض مستحقي الخدمة الطبية"، مما استدعى إحالته على التحقيق.
إلى جانب ذلك، خلصت تحقيقات النيابة العامة في مايو أيضا إلى حبس القائم السابق بأعمال بعثة ليبيا لدى جمهورية بوروندي استنادا إلى تقرير ديوان المحاسبة.
وأمرت النيابة العامة بحسب المسؤول على ذمة التحقيق ووجهت له تهمة صرف الأموال المخصصة لتنفيذ مشروع في بوروندي بلغت قيمته 224 ألف دولار.
وشهد شهر مايو قضية رابعة أخرى، حيث أمرت النيابة العامة في ليبيا بحبس موظفيين ساميين يشتغلان بسلك الدبلوماسية بعد الاشتباه في تورطهما في الاستيلاء على أموال عمومية مخصصة للمرضى الليبيين في الخارج.
وأكد بيان لمكتب النائب العام أن الموظفين الدبلوماسيين في سفارة ليبيا لدى البرتغال "تورطا في تجاوزات من أجل الاستيلاء على مبلغ قدره أزيد من 815 ألف دولار، حيث قاما بتحويله بطرق غير شرعية إلى إحدى المؤسسات الموجودة في تونس دون توفر أي مستندات أو فواتير استشفاء تُثبِت تلَقِّي الخدمة العلاجية المقابلة له".
وفي السياق نفسه، تم كذلك تحريك الدعوى العمومية ضد المراقب المالي في بعثة ليبيا لدى جمهورية السودان لـ"إساءته إدارة شؤون الطلاب الموفدين للدراسة على نحو أثر على تعلمهم".
وتنضاف قضايا العام الجاري تابع الليبيون العام الماضي فصول قضايا فساد أخرى تورط فيها دبلوماسيون في عدد من السفارات الليبية بالخارج لعل أبرزها قضية سفيرة ليبيا لدى بلجيكا، أمل الجراري، التي أمرت النيابة العامة في أكتوبر الماضي بحسبها احتياطا بتهمة فساد.
وترجع العديد من الأوساط في ليبيا تكرر هذه "الفضائح المالية" إلى "حالة التسيب" التي يعيشها هذا البلد المغاربي، منذ بداية الأزمة في 2011، قبل أن تتعقد ظروفه أكثر في السنوات الأخيرة.
وتبقى ليبيا حاليا ممثلة خلال المحافل الدولية واللقاءات الخارجية من طرف المكلف بتسيير أعمال وزارة الخارجية والتعاون الدولي، الطاهر الباعور.
والوضع يناقض تماما واقع الحال الليبي بالنظر إلى الملفات المعقدة والشائكة المطروحة على المستوى الخارجي، وهذا منذ قرار إقالة وزير الخارجية السابقة، نجلاء المنقوش من منصبها، العام الماضي بسبب "لقائها السري" مع وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، إيلي كوهين.
انقسام سياسي
وعلى الرغم من تعدد أجهزة الرقابة الإدارية ولجان الشفافية الوطنية، إلا أن ليبيا تصنف ضمن أكثر الدول فسادا حول العالم، وفق تقارير محلية ودولية.
وحلّت ليبيا في تقرير منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرانسي) الصادر في يناير الماضي ضمن الدول الأكثر فسادا في عام 2023، وصنفت في المركز 170 عالميا، وراء تشاد ومالي وأفغانستان.
ووفقا للتقرير فإن النخبة في هذا البلد المغاربي "تتصارع فيما بينها على موارد النفط الغنية في البلاد"، و"يخدم المسؤولون العموميون الفاسدون أنفسهم بدلاً من الشعب الليبي".
ويشكل هذا الوضع تحديا للجهود المحلية والدولية المبذولة لإنهاء حالة الانقسام السياسي، حيث استبعد المبعوث الأممي السابق إلى لييبا، عبد الله باتيلي، إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية على المدى البعيد بسبب "تنافس المجموعات المختلفة على السلطة والسيطرة على ثروة البلاد"، واصفا ليبيا بـ "دولة مافيا".
المصدر: أصوات مغاربية