يشهد قطاع التعليم بالمغرب احتقانا من حين لآخر بسبب دخول المعلمين في إضرابات متواصلة احتجاجا على ضعف رواتبهم أو على بعض مقتضيات القانون المنظم لمهنتهم.
واستمرت الإضرابات العام الماضي لعشرة أشهر متواصلة بسبب رفض المدرسين لنظام جديد أقرته الحكومة لتوظيف ومواصلة مهام أساتذة التعليم الحكومي ورفض إدماج أساتذة التعاقد في الكادر الوظيفي العمومي مع استثنائهم من بعض التحفيزات والامتيازات.
وفشلت لاحقا محاولة عدة أطراف لإقناع الأساتذة بالعودة إلى أقسامهم، مما أدى إلى تصاعد المخاوف وسط الأسر المغربية من تداعيات الخلاف على تحصيل أبنائها.
خلافات متلاحقة
وتعود تفاصيل الخلاف بين المدرسين والحكومة إلى عام 2016، سنة موافقة حكومة الرئيس السابق، عبد الإله بن كيران على خطة جديدة تقضي بتوظيف الأساتذة عن طريق عقد عمل حر عوض إدماجهم بشكل مباشر في السلك العمومي كما كان الأمر في السابق، ثم تصاعد الخلاف أكثر بعد إعلان وزارة التربية العام الماضي اعتماد نظام أساسي جديد خاص بموظفي التعليم.
ونتيجة للإضرابات المتواصلة، صادقت الحكومة بداية هذا العام على مشروعي قانونين لإنهاء التعاقد في قطاع التربية الوطنية من خلال إضفاء صفة "الموظف العمومي" على جميع العاملين بالقطاع بمن فيهم "الذين تم توظيفهم طبقا لأحكام القانون القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين"، في إشارة إلى "أساتذة التعاقد".
تبعا لذلك، أعلنت الحكومة بين شهري ماي ويوليو الماضين ترسيم 115 ألف أستاذ متعاقد في السلك العمومي، معظمهم جرى توظيفهم خلال الفترة من 2017 إلى 2022 دون صفة الموظف الرسمي، كما أكدت شروعها في تسوية الوضعية الإدارية والمالية لهؤلاء، بما في ذلك الترسيم والترقية في الرتب.
ويأمل المنظمون والمشاركون على حد سواء في أشغال النسخة الأولى من "المنتدى الوطني للمدرس"، الذي اختم اليوم بالرباط، وعرف مشاركة أزيد من 3000 أستاذ، أن يكون هذا اللقاء الذي نظم على مدى يومين "فرصة لتحقيق المصالحة" بين الطرفين.
في هذا السياق، قال مدرس مشارك في اللقاء في تدوينة له على فيسبوك "نأمل أن يكون فرصة حقيقية لتحقيق المصالحة بين مؤسسات الدولة والأستاذ، بهدف بناء نهضة تربوية تعليمية تعتمد على كفاءات وطنية".
وأضاف "يجب السعي إلى تطوير نظام تعليمي أصيل يستند إلى نجاحات محلية بدلًا من استنساخ نماذج أجنبية".
أرقام وتحديات
يمثل المدرسون حوالي 33 في المائة من مجموع الموظفين العاملين في الوظيفة العمومية، ويصل عددهم وفق إحصائيات نشرها المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة مغربية رسمية) عام 2022 ما مجموعه 315 ألفا و954 مدرسيا.
وبلغت الميزانية المرصودة للقطاع في ذلك العام 63 مليار درهم (ما يعادل 6.3 مليار دولار) خصص 71 في المائة منها لتغطية نفقات الموظفين.
ويتوزع 54 في المائة من المدرسين على السلك الابتدائي و27 في المائة على المستوى الثانوي الإعدادي و15 في المائة على المستوى الثانوي.
مقابل ذلك، يعاني القطاع من خصاص بسبب تراجع التوظيف في السنوات في الأخيرة مقابل ارتفاع مستمر للعدد المدرسين الذين أحيلوا على التقاعد.
في هذا الصدد، أظهرت الاحصائيات نفسها أن ما مجموعه 72 ألفا و468 أستاذا غادروا القطاع في السنوات الست الأخيرة، 80 في المائة منهم من أعضاء هيئة التدريس.
كما يتوقع أن ينضم إليهم خلال السنوات العشر القادمة 81 ألفا إضافيا، أي بمتوسط سنوي يتجاوز 9 آلاف أستاذ.
ويعزا لذلك إلى "غياب تدبير توقعي واستباقي ودقيق للمواد البشرية"، بحسب تقرير أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين عام 2021.
ظروف وتراجع في الجودة
ويعمل المدرسون في ظروف يصفونها بـ"القاسية"، خاصة في المناطق البعيدة عن المركز، كما يشرف الكثير منهم على أقسام مكتظة، وفق تقارير رسمية.
وكان وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة المغربي، شكيب بنموسى، قد أكد في تصريحات عام 2022 تراجع ظاهرة الاكتظاظ بالمدارس، مفيدا أنه بالرغم من تراجعها نسبيا فإن نسبة الأقسام التي تضم أزيد من 40 تلميذا بلغت 6٪ في التعليم الابتدائي و11٪ في التعليم الثانوي الإعدادي و12٪ بالنسبة للتعليم الثانوي التأهيلي.
ورغم ما يعيش القطاع من تحديات، أظهر تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين الصادر عام 2021 أن غالبية المشتغلين في القطاع لم يختاروا هذه المهنة حبا فيها، بل "مكرهين بحكم ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية" أملا "في ضمان حصولهم على أجور مستقرة وآمنة".
نتيجة لذلك، تنبأ التقرير نفسه باحتمال نشوب "توترات" مستمرة بين المدرسين والحكومة، مؤكدا أن "كل تناقض في السياسات العمومية وكدا التغيير في قواعد التوظيف وكيفياته وسلالم الأجور، زيادة على القرارات التي تتوالى ويلغى بعضها كل ذلك ينذر بالتوترات بين الأساتذة والسلطات العمومية".
في المقابل، أكدت دراسات رسمية ودولية استمرار تدني جودة التعليم بالمغرب نتيجة العوام السالف ذكرها، حيث أكد بن موسى في تصريحات عام 2022 أن 70٪ من التلميذات والتلاميذ لا يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمالهم التعليم الابتدائي، فيما يشارك فقط 25٪ منهم في الأنشطة الموازية.
ومن جهة أخرى، أقر وزير التعليم أن شرط التعليم الإلزامي غير محقق، وأورد أرقاما تشير إلى أن أزيد من 300 ألف حالة انقطاع عن الدراسة تسجل سنويا خاصة بالأوساط الهشة "مما يكرس الفوارق المجالية".
المصدر: أصوات مغاربية