العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر تنعكس على العائلات في المناطق الحدودية.

لم تقطع الحاجة يمينة المقيمة في مدينة المحمدية (جنوب العاصمة الرباط)، حبل الأمل في أن "تحضن بحرارة" شقيقتها القاطنة في مدينة تلمسان غرب الجزائر، بعد أن توقفتا عن تبادل الزيارات منذ 2013، لكنها وصفت قرار فرض الجزائر للتأشيرة على المغاربة بـ "العبء الآخر الذي يقلل من فرص التواصل العائلي بين أقارب البلدين".

تبلغ يمينة اليوم 81 سنة، وقد كانت صحتها تتحمل مشاق السفر الطويل الذي استهلته قبل 11 سنة من مطار الدار البيضاء نحو عاصمة الغرب الجزائري وهران، ثم التنقل برا نحو تلمسان، وهي في سن السبعين.

وتصف يمينة لـ "أصوات مغاربية" تلك الرحلة قائلة "لقد أنساني شوق اللقاء متاعب السفر، لم أصدق أنني أعانق شقيقتي التي تذكرني دوما بالراحلة والدتي التي رأيتها لآخر مرة، قبل وفاتها، سنة 1992 عندما زرتها عبر الحدود البرية".

كان ذلك قبل أن تقرر الجزائر غلق مجالها الجوي أمام كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية على أثر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس 2021، في سياق توترات سياسية، ما أجبر رعايا البلدين الراغبين في التنقل بين الجزائر والمغرب إلى السفر لبلد وسيط.

وأغلقت الجزائر الحدود البرية في أغسطس عام 1994، ردا على قرار المغرب فرض التأشيرة على رعاياها من جانب واحد، إثر حادث تفجير فندق أسني في مراكش التي اتهمت الجزائر بالوقوف ورائه، وهو ما تنفيه الجزائر.

وكانت الجزائر ألغت نظام التأشيرة على حاملي جواز السفر المغربي، في 2005، بقرار من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة،  على أثر قرار الرباط إعادة إلغاء التأشيرة بالنسبة للجزائريين من طرف واحد في 2004.

وتنهي يمينة حديثها المتقطع بعبارة "هم يضاف إلى هم"، وأرفقتها بتنهيدة طويلة حملت كل أشجان ولوعة فراق الأقارب، إذ ترتبط عائلات مغربية وجزائرية بصلة قرابة يغلب على بعضها طابع المصاهرة خصوصا على الحدود بين البلدين في مدينة وجدة شرق المغرب وتلمسان غرب الجزائر.

وكانت بعض العائلات تسلك طرق التهريب لتبادل الزيارات عبر الحدود البرية، خصوصا البلدات المتاخمة لبعضها البعض مثل آحفير المغربية وبوكانون الجزائرية، إلا أن سلطات البلدين شددت من الإجراءات على الشريط الحدودي منذ 2013، بعد إقامة سياج وخنادق تمنع العبور غير الشرعي.

رحلة لقاء الأقارب "تتعقد"

لكن السهلي (76 سنة) القاطن على مشارف الحدود المشتركة كان "يتفادى دوما سلك ممرات التهريب من الجزائر نحو المغرب تجنبا لتبعات ذلك"، رغم أن منطقة بني مطهر (أقصى شرق المغرب) التي يقطن بها أبناء شقيقته الوحيدة لا تبعد كثيرا عن الحدود، كما يذكر لـ"أصوات مغاربية"، وهو يشير إلى أن رحلة لقاء الأقارب "تتعقد من حين لآخر منذ غلق الحدود البرية بين البلدين".

زار السهلي شقيقته مرتين، الأولى كانت قبيل غلق الحدود البرية سنة 1994 والثانية بعد الغلق سنة 1997، إلا أنه اكتفى بالتحدث لأبناء شقيقته، بعد وفاتها، من منطقة بين لجراف الحدودية الواقعة أقصى الشمال الغربي للبلاد، وهي نقطة تبادل التحايا الشهيرة بين مرسي بن مهيدي في الجزائر والسعيدية بالمغرب ولا يفصل بينهما إلا وادي "كيس" وسياج من حديد.

People stand on the Algerian side of the Algeria-Morocco border as Algerian flags sway in the wind and Moroccan flags are seen in the distance, near Tlemcen, at a border post in the Marsat Ben M'Hidi region, on July 14, 2011. Morocco's King Mohammed VI may be pressing hard for better relations with neighbouring Algeria and the re-opening of the border, but the unresolved Western Sahara question stands in the way of any real progress, analysts say. Morocco closed the border following a 1994 Islamist militant
بين لجراف.. "معبر التحايا" و"نافذة صلة الرحم" بين مغاربة وجزائريين
استعادت مدينة مرسى بن مهيدي الساحلية شمال غرب الجزائر حيويتها مع رفع الحجر عن الشواطئ بداية من أول أمس الأربعاء، ومعها منطقة "بين لجراف"، المنطقة المعروفة كنقطة تلاقي جزائريين ومغاربة عند طرفي الحدود المشتركة.

ويري السهلي أن تعقيدات السفر قائمة أمام العائلات المعنية منذ غلق الحدود، ثم ما تلاه من غلق للمجال الجوي بين البلدين، مشيرا لـ "أصوات مغاربية" أن فرض التأشيرة على المغاربة "قد يقابله قرار بالمثل، وستكون صعوباته تشابه التنقل بين الجزائر وفرنسا من حيث تعقيدات الحصول على التأشيرة، لكن العلاقات بين العائلات هي من تذلل تلك الصعوبات".

التنقل "لم توقفه" علاقات البلدين المتوترة

ويختلف الوضع بالنسبة لنورالدين (68 سنة) القاطن بمدينة وهران الجزائرية الذي تربطه علاقات قرابة مع أبناء عمومته وعشيرته القاطنين في مدينة الحسيمة شمال شرق المغرب، إذ يرى أن هذا الوضع (فرض التأشيرة) "لن يثنيه عن رؤية أقاربه"، ولن يغير الكثير بالنسبة له، مضيفا أنه زارهم مؤخرا في المغرب الذي تنقل إليه من وهران عبر جنوب إسبانيا بعد حصوله على تأشيرة "شينغن" لدول الاتحاد الأوروبي.

وتنقل المتحدث إلى ألميريا الإسبانية باتجاه طنجة جوا على متن طائرة صغيرة للنقل الجوي، لزيارة أبناء عشيرته في الحسيمة.

ويتابع نورالدين حديثه لـ "أصوات مغاربية" مشيرا إلى أن وسائل الاتصال والسفر والتواصل "متاحة اليوم أكثر من أي وقت مضى للجميع، لرؤية الأهل والأقارب، إذا ما توفرت الإمكانيات المادية ".

ويضيف أن العلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب "لم تجبر العائلات على وقف تبادل الزيارات رغم صعوبة السفر، وسيكون نفس الأمر بعد فرض التأشيرة بما في ذلك إمكانية صدور قرار مماثل من المغرب".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

تقارير

بين منع وتضييق.. من سيراقب الانتخابات الرئاسية بتونس؟

04 أكتوبر 2024

تتسع في تونس دائرة الجدل المتعلق بمراقبة الانتخابات الرئاسية التي تجري الأحد 6 أكتوبر، بعد منع عدد من المنظمات الرقابية من الحصول على اعتماد يمكنها من ملاحظة الانتخابات، وهي إجراءات فتحت النقاش بشأن من سيراقب تلك الانتخابات.

في هذا الخصوص، أعلنت شبكة "مراقبون" (جمعية تعنى بملاحظة الشأن الانتخابي في تونس)، الخميس، أنها لن تتمكن من ملاحظة يوم الاقتراع للانتخابات الرئاسية 2024، لأول مرة منذ تأسيسها في 2011.

وذكرت الشبكة، في بيان لها، أنّ ذلك يأتي "نتيجة رفض هيئة الانتخابات منحها الاعتمادات اللازمة، رغم تقديم مطالبها في الموعد المحدد منذ 29 يوليو 2024"، مشيرة إلى أنّها تقدمت بطعن لدى المحكمة الإدارية تظلُّما من قرار الهيئة المتعلق بعدم منحها اعتمادات الملاحظة.

واعتبرت  أنّ حرمانها من حقها في ملاحظة الانتخابات "يشكل تعديا واضحا على دورها الوطني باعتبارها مكسبًا للشعب التونسي". 

وفي 20 أغسطس 2024 أعلنت منظمة "أنا يقظ" ( رقابية غير حكومية) عن تلقيها إعلاما من قبل الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات برفض مطلب اعتمادها لملاحظة الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 متعلّلة بعدم احترام المنظّمة لواجب الحياد والاستقلالية والنزاهة إزاء جميع المتدخلين في العملية الانتخابية.

واعتبرت المنظمة في بيان لها، أنّ رفض الهيئة لطلبها في الاعتماد "لم يكن مفاجئا في ظلّ تحول الهيئة إلى ذراع يخدم مصالح رئيس الجمهورية للفوز بولاية ثانية بأيسر الطرق".

وقد تزامن ذلك، مع إصدار نقابة الصحفيين التونسيين بيانا نددت فيه بقرار هيئة الانتخابات القاضي بسحب بطاقة اعتماد الصحفية التونسية " خولة بوكريم"، وأعربت عن رفضها لهذا القرار.

واعتبرت نقابة الصحفيين أن هذا القرار "مزاجي ويدخل في خانة تصفية الخطاب الناقد لعمل الهيئة وللمسار الانتخابي ومواصلة لسلسلة من الأخطاء الفادحة التي قامت بها الهيئة منذ انطلاق المسار الانتخابي".

من جانبها، بررت الهيئة العليا للانتخابات رفضها منح تراخيص لمنظمات وجمعيات مختصة في مراقبة الانتخابات بتوصلها بإشعار حول تلقي تلك الهيئات "تمويلات أجنبية مشبوهة بمبالغ مالية ضخمة"، معتبرة أن مصدرها متأت من بلدان لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية.

وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر، الخميس، في تصريح للتلفزيون الرسمي التونسي إن أهم شرط تنص عليه القوانين الانتخابية والقرارات الترتيبية هو شرط الحياد والاستقلالية والنزاهة والوقوف على نفس المسافة من جميع المترشحين.

ويثير منع منظمات وجمعيات رقابية من ملاحظة الانتخابات الرئاسية بتونس فضلا عن مقاطعة منظمات أخرى لهذا الاستحقاق الانتخابي النقاش بشأن مدى تأثير ذلك على أهم محطة انتخابية سيشهدها هذا البلد المغاربي.

غياب شروط النزاهة

تعليقا على هذا الموضوع، قال رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان (هيئة غير حكومية) مصطفى عبد الكبير، إنه من العبث مراقبة انتخابات لا تحترم فيها الإجراءات القانونية وتفتقد للنزاهة والشفافية في ظل سجن عدد من المترشحين إلى جانب تنقيح القانون الانتخابي قبل موعد الاقتراع بأيام قليلة.

وأضاف عبد الكبير في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن منع المنظمات والهيئات الرقابية من متابعة الانتخابات الرئاسية سيسيئ لصورة البلاد في الخارج، ويجعل أهم محطة انتخابية في البلاد بمثابة انتخابات صورية الفائز فيها معلوم مسبقا.

وشدد الحقوقي على أن المرصد التونسي لحقوق الانسان وخلافا للمناسبات الانتخابية السابقة قرر هذا العام عدم المشاركة في مراقبة الانتخابات بسبب التجاوزات التي شابت المسار الانتخابي في تونس.

وكان الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا للانتخابات محمد تليلي منصري قد أكد الأربعاء في تصريح لوسائل إعلام محلية أن الهيئة قد منحت 13243 "اعتمادا" لصحفيين ومنظمات وملاحظين لمتابعة وملاحظة الانتخابات الرئاسية.

جدير بالذكر أن تونس تدخل السبت في الصمت الانتخابي، تمهيدا ليوم الاقتراع المقرر الأحد 6 أكتوبر بعد انطلق منذ ٤ أكتوبر بالخارج، وذلك وفق الرزنامة التي ضبطتها الهيئة العليا للانتخابات.

المصدر: أصوات مغاربية