تحوّلت معضلة "هدر الطعام"، وهي مشكلة عالمية، إلى وجع حقيقي يؤرق الحكومات المغاربية أيضا، التي تدعم بعض المواد الأساسية بأموال دافعي الضرائب لينتهي بها المطاف في النفايات.
وتكشف أرقام وإحصائيات محلية ودولية أن مستويات التبذير لم تتراجع رغم ارتفاع مستويات التضخم وغلاء المعيشية، خاصة في بعض البلدان التي توفر إحصائيات محيّنة.
وبالخصوص، تطفو سلوكيات إلقاء كميات كبيرة من الأغذية الصالحة للاستهلاك في شهر رمضان، حيث تربط شرائح اجتماعية واسعة هذه المناسبة بعادات ترّكز على الوفرة الشديدة للطعام.
ومن المغرب إلى الجزائر إلى تونس ثم ليبيا فموريتانيا، تعاني الدول المغاربية من فقدان إمدادات غذائية هائلة في وقت تشتكي قطاعات واسعة من الفقر وارتفاع تكاليف العيش.
تونس.. تبذير شديد برمضان
تؤكد بيانات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للاستهلاك (حكومي) أن تبذير المواطن التونسي للأغذية يرتفع في شهر رمضان بنسبة 66.6 بالمائة مقارنة بباقي أشهر العام، وأن هذا التبذير يشمل مواد أساسية، بعضها مدعم من قبل الدولة، مثل الخبز بـ 46 بالمائة، بالإضافة إلى الغلال واللحوم والحلويات.
وعلّق المدير العام للمعهد، عبد القادر الطيمومي، في تصريح لموقع "إذاعة موزاييك" المحلية، على نتائج استبيان تم نشره حول حجم تبذير الأغذية، قائلا إن المستهلك التونسي يوجّه نسبة 45 في المئة من الأغذية للحيوانات والبقية تنتهي في سلة المهملات، وأنه "واع بوجود تبذير غذائي بنسبة 71 في المئة".
وتابع أن هذه الخسائر لا تؤثر على الطعام فقط، وإنما تشمل المياه أيضا التي تُستخدم لإنتاج الأغذية.
وفي هذا الصدد، قال إن "كميات الماء لإنتاج كيلوغرام من الخبز يفوق 500 لتر، وبالنسبة للحوم 1400 لتر، وفي الخضر والغلال التي تُرمى هناك أكثر من 700 لتر".
وتحدث على أن حجم التبذير الغذائي يرتفع خاصة في شهر رمضان.
وفي الأشهر الأخرى، وضع أحدث مؤشر هدر الطعام (Food Waste Index Report) المعد من طرف "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" بالتعاون مع منظمة "خطة عمل استعادة العافية" (WRAP) ضمن البلدان الأكثر إهدارا للأغذية بالمنطقة في مجال تقديرات نفايات الطعام المنزلية.
المغرب.. تكلفة هائلة
ويُعد هدر الطعام خلال رمضان مشكلة أيضا في المغرب.
ورغم غياب أرقام رسمية دقيقة عن الإنفاق والهدر في رمضان، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية والمسؤولين يدعون باستمرار إلى "تجنب التباهي بالأطباق"، والتحوط المالي عند الاستهلاك.
وفق تقرير "مؤشر هدر الطعام" الأممي، فإن الأسر المغربية تهدر ما يتجاوز ثلاثة ملايين طن من الأغذية سنويا، ما يعني أن حصة كل مغربي من التبذير تصل إلى 91 كيلوغراما من الأطعمة.
وبحسب الأرقام نفسها فإن "كل مغربي يخسر ما بين 50 إلى 500 درهما في الشهر، بسبب هدر الطعام".
واعتبر رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، في تصريحات لموقع التلفزيون الرسمي (SNRT)، مؤخرا، أن "المغرب الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي يستهلك فيها الفرد حوالي 1200 خبزة في السنة، مقارنة بـ300 خبزة يستهلكها المواطن المصري، و700 يستهلكها المواطن التونسي".
والأسبوع الماضي، أكد تقرير برلماني حديث بأن منظومة تسويق وتوزيع المنتوجات الفلاحية بالمغرب "يشوبها الخلل" في مختلف مراحلها، مسجلا "ضياع" المنتوجات الفلاحية خاصة خلال مراحل النقل بنسبة تصل إلى ما بين 20 و30 في المئة من المنتوجات.
وكشف تقرير المهمة البرلمانية الاستطلاعية المؤقتة خلال اجتماع بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، عن وجود 32 مليون من الخضر تضيع في اليوم ما بين أسواق الجملة والأسواق الأسبوعية والمحلية "مما يدل على وجود ضياع مهول للمنتوجات الفلاحية".
وقالت النائبة البرلمانية سلوى البردعي، وهي مقررة المهمة الاستطلاعية المؤقتة، إن 32 مليون خبزة تضيع يوميا على مستوى المخابز، وضياع 30 في المئة من الخضر والفواكه.
الجزائر.. خسائر مادية ضخمة
وفي الجزائر، كشف تقرير صادر عن الوكالة الوطنية للنفايات عن قيام الجزائريين برمي 912 مليون رغيف خبز سنويا.
وقد احتلت الجزائر العاصمة المرتبة الأولى في قائمة المناطق الأكثر هدرا للخبز، وهي مادة أساسية تحظى بدعم الدولة.
وفي هذا الصدد، تشير البيانات الرسمية إلى أن الخزينة العمومية تتكبد خسائر مادية ضخمة بسبب هذا السلوك.
وكغيرها من الدول المغاربية، تعيش الجزائر على وقع إنفاق وهدر مفرطين خلال رمضان.
ووفقا لرئيس اللجنة الإعلامية لمنظمة "حمايتك" للدفاع عن حقوق المستهلك (غير حكومية)، سفيان الواسع، فإن معدل استهلاك الأسرة الجزائرية خلال هذا الشهر يصل إلى 90 ألف دينار (663 دولارا).
وعلى الشبكات الاجتماعية، تنتشر باستمرار حملات تدعو المواطنين إلى عدم رمي "نعم لله" والتبرع بها للمحتاجين.
وأعاد بعض النشطاء، خلال رمضان الحالي، إحياء حملة أطلقوها في عام 2021 بشعار "ماترميهاش كاين لي ما لقاهاش"، أي لا ترمي الأغذية فهناك أشخاص في حاجة إليها.
يشار إلى أن تقرير مؤشر هدر الطعام كشفت أن كمية الطعام التي تم إهدارها في الجزائر ضمن النفايات المنزلية تقدر بـ 3 ملايين و918 ألفا و529 طنا، وهو ما يعادل 91 كيلوغراما من الطعام المهدر من قبل الفرد الواحد في السنة.
ومؤخرا، أطلقت وزارة البيئة والطاقات المتجددة في الجزائر حملة توعوية لمواجهة "التبذير الغذائي" خلال شهر رمضان.
وقبلها أيضا، دعا الرئيس عبد المجيد تبون، في الكلمة التي وجهها بمناسبة حلول شهر رمضان، المواطنين لتجنب العادات الاستهلاكية السيئة ومظاهر التبذير.
ليبيا.. أطنان من الضياع
في مارس الماضي، كشف تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن "مستويات الجوع وسوء التغذية قد وصلت إلى مستويات حرجة" في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، محذرة بالأساس من تدهور الوضع الغذائي في ليبيا بسبب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتستورد ليبيا معظم حاجياتها الغذائية من الخارج.
وذكر تقرير الفاو أن نسبة 53 في المائة من الأسر الليبية تُنفق من دخلها على الغذاء، في حين ينفق 31 في المائة من الأسر أزيد من 65 في المائة.
وأشار إلى أن الأسر الفقيرة تعجز عن الحصول على الغذاء "لأنها لا تستطيع تحمل تكاليفه"، محذرا من استمرار أسعار المواد الغذائية في الارتفاع وتقلص مداخيل الأسر وقدرتها على التكيف مع الوضع الراهن.
ورغم أزمة غلاء السلع في ليبيا، إلا أن العادات الغذائية الليبية في رمضان لا تختلف عن باقي البلدان المغاربية.
وفي ظل غياب إحصائيات رسمية بسبب غياب سلطة تنفيذية ومؤسسات موحدة، فإن التقديرات الدولية تضع حصة الفرد الواحد من تبذير الطعام في ليبيا في حدود 75 كيلوغراما في العام.
ووفقا لمؤشر "برنامج الأمم المتحدة للبيئة"، فإن معدل ما يرمه الليبيون من الأغذية سنوياً يتجاوز 513 ألف طن.
موريتانيا.. معدل التبذير الأعلى مغاربياً
تشير تقديرات للبنك الدولي إلى أن نحو 30 في المئة من سكان موريتانيا يعيشون تحت خط الفقر.
ورغم هذا الوضع، إلا أن الفئات الميسورة في البلد تُهدر أيضا الأطنان من الأغذية الصالحة للاستهلاك سنويا.
ولا توجد بيانات رسمية عن حجم تبذير الأطعمة محليا وفي رمضان، لكن التقارير الدولية تجد أن الوضع أسوأ من باقي البلدان المغاربية.
فقد وجد أحدث مؤشر هدر الطعام لعام 2021 أن الموريتاني يرمي - في المتوسط - 100 كيلوغرام سنويا في النفايات.
ويصل هذا المعدل السنوي إلى 720 ألفا 450 طنا من الأطعمة على الصعيد الوطني.
وبسبب الفوارق الطبقية، دأبت الحكومة الموريتانية على توفير المواد الغذائية بأثمنة مناسبة للأسر الأقل دخلا ضمن برنامج يُعرف بـ"عملية رمضان"، ما يعني أن بعض الأطعمة التي تنتهي في القمامة مدعومة من الدولة.
المصدر: أصوات مغاربية