Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

معلمة داخل قسم بمدرسة مغربية (2010)
معلمة داخل قسم بمدرسة مغربية (2010)

أكد خبراء وحقوقيون لموقع "الحرة" أن الدراسة الرسمية التي أجريت في المغرب، وكشفت عن ارتفاع نسب العنف اللفظي والجسدي، بالإضافة إلى التحرش والاعتداءت الجنسية في المدارس الابتدائية والثانوية في المغرب، تدق "ناقوس خطر"، ودعوا إلى إيجاد حلول فعالة لمكافحة تلك الظواهر الخطيرة التي تؤثر بشكل سلبي على أجيال بأكملها.

وكانت دراسة رسمية بشأن العنف في الوسط المدرسي، أنجزها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (هيئة رسمية)، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) قد كشفت تفشي إيذاء التلاميذ والطلاب لبعضهم عن طريق السخرية والتنمر وأشكال مختلفة من العنف اللفظي والجسدي.

ووفقا لموقع "هسبريس" المحلي، فإن المعطيات الواردة في الدراسة، والتي سوف يتم تقديمها في ندوة دولية يُرتقب أن ينظمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فإن "أعمال العنف اللفظي، مثل السخرية والنبز بالألقاب والشتائم"، قد أضحت "ممارسات يومية اعتيادية في المؤسسات المدرسية".

وصرّح ما يناهز من ثلاثة أرباع تلاميذ المرحلة الابتدائية الذين شملتهم الدراسة بأنهم يسمعون "ألقابا مهينة"، في حين أكد 55.9 في المئة من طلاب المرحلة الثانوية، خصوصا الذكور، تعرضهم للسخرية والشتائم بدرجات مختلفة.

ارتفاع في مستوى العنف

ووجد البحث الميداني الذي أشرفت على إنجازه الهيئة الوطنية للتقييم بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن 25.2 في المئة من تلاميذ المرحلة الإبتدائية، صرحوا بأنهم كانوا ضحايا الضرب، وصرح 28.5 في المئة بأنهم تعرضوا للدفع بشكل عنيف.

وبلغت نسبة تلاميذ التعليم الثانوي الذين صرحوا بأنهم تعرضوا للضرب 25.3 في المئة، و37.4 في المئة منهم تعرضوا للدفع بقصد الأذى.

ونوهت الدراسة إلى أن الذكور كانوا عرضة لأعمال العنف الجسدي مقارنة بالإناث.

"عنف الاستحواذ"

وعلاوة على ذلك، تفيد الوثيقة ذاتها بأن التلاميذ يتعرضون لعنف الاستحواذ مثل السرقات البسيطة وتحت التهديد مع الاستيلاء على أغراضهم الشخصية، مشيرة إلى أن هذه الأنواع من العنف منتشرة.

وتبلغ نسبة تعرض تلامذة التعليم الابتدائي إلى عنف الاستحواذ 27.1 في المئة، وترتفع النسبة في صفوف تلامذة الثانوي إلى 38.6 في المئة.

وذكر التقرير "أن السرقة تحت التهديد وإتلاف الأغراض الشخصية كانت متساوية تقربيا بين الطلاب والطالبات"، بحسب الموقع المغربي.

وحسب نتائج الدراسة، فإن تلامذة المدراس الخصوصية في المدن كانوا أقل أقل عرضة للسرقة تحت التهديد مقارنة مع زملائهم في المدارس العمومية.

ونوهت إلى إمكانية ارتفاع منسوب العنف مع الانتشار المتزايد لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي، إذ صرح 8.3 في المئة من التلاميذ في المرحلة الإبتدائية بأنهم كانوا عُرضة لنشر محتويات غير مرغوب عبر الإنترنت.

وفي مرحلة الثانوي، كشف 8.6 في المئة من التلاميذ أنهم وجدوا صورا ومقاطع تسيء لهم منشورة على شبكات الإنترنت أو تصلهم عبر تطبيقات الاتصال.

"انتشار واسع للتحرش"

وتشير البيانات إلى "استفحال التحرش" في المدراس بشكل "واسع الانتشار"، حيث جاء في الوثيقة أن البحث الميداني الذي جرى القيام به "بين أن التحرش واسع الانتشار في المؤسسات المدرسية".

وبالأرقام، فقد أظهرت نتائج البحث أن 15.2 في المئة من طلاب المرحلة الابتدائية و29.7 في المائة من طلاب الثانوي أفادوا بأنهم تعرضوا للتحرش في مدارسهم، من ضمنهم 34 في المئة في المرحلة الإبتدائية و25.4 في المئة المرحلة الثانوية أكدوا أن التحرش كان بطابع جنسي.

وأوضحت الدراسة أن المدرس الخاصة  في الوسط الحضري هم الأكثر تبليغا عن التحرش مقارنة بزملائهم في المدارس التابعة للحكومة أو المنتشرة في القرى والمناطق النائية.

"غيض من فيض"

وتعقبيا على نتائج تلك الدراسة، أوضح رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان (منظمة مدنية)، عبد الإله الخضري، أن تلك الدراسة هي "غيض من فيض"، وأنها لم تكشف كافة جوانب ظاهرة العنف المنتشرة في المدارس.

وقال الخضري في تصريحات لموقع "الحرة" إن الدراسة لم تكن في ذلك العمق المطلوب، مضيفا: "قضية العنف في الوسط المدرسي هي أمر شائك ومنتشر بشكل كبير بسبب فشل السياسات العمومية في معالجة تلك الظاهرة والتقليل من شأنها".

ويتفق الباحث المغربي، سعيد ناشيد، فيما ذهب إليه الخضري، قائلا في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة": "ظاهرة العنف كانت واضحة على مدى آخر عقدين ولكنها أصبحت ظاهرة للعيان بشكل أكبر في الآونة الحالية".

وركز ناشيد على ما وصفها بـ"معضلة التحرش الجنسي" في المدارس، سواء من قبل التلاميذ العنيفين أو حتى بعض المعلمين، والتي يكون ضحيتها على الأغلب أطفال صغار لا حول لهم ولا قوة".

واعتبر أن تلك الظاهرة أضحت قابلة للتعامل معها أكثر من أي وقت مضى، موضحا: "في سابق الأوان كان الضحايا وذووهم يصمتون على ما يحدث مع أطفالهم من اعتداءات خوفا من الفضيحة والعار، ولكن لاحظنا في الأعوام المنصرمة أنهم باتوا أكثر جرأة في الحديث عن تلك المشاكل وخطورتها وبالتالي التقدم بشكاوى إلى الجهات المختصة".

"استشراء ثقافة العنف"

وأما الخضري، فيرى أن الصورة يجب أن ترى من جانب أوسع عند الحديث عن ظاهرة العنف بين الطلاب في المدارس، قائلة: "ثقافة العنف للأسف منتشرة في مجتمعاتنا بشكل واضح ونجدها داخل الأسرة وفي الحي والعديد من الأماكن العمومية".

وتابع: "السبب الرئيسي لاستفحال تلك الظاهرة هو المنظومة التربية والمجتمعية التي تشجع على العنف أو لا تسعى للحد منه، فنجد أن العامل التربوي في تنشئة الأطفال داخل الأسرة مغيب لعوامل عدة منها الفقر والانشغال بالبحث عن لقمة العيش".

وأضاف: "الأسر المفككة تساهم أيضا في ظهور أطفال يميلون لأن يكونوا عنفين ومتنمرين أو عرضة للعنف والتنمر أكثر من غيرهم، وفي  الحالتين هم ضحايا، فعلى سبيل المثال، هناك أكثر من 35 ألف حالة طلاق تشهدها البلاد سنويا، ونصفها كان قد نجم عنها أطفال لن يجدوا التريبة والتنشئة الجيدة".

تشديد العقوبات

من جانبه، يرى ناشيد ضرورة تفعيل القوانين وتشديد العقوبات لحماية الفئات الهشة في المجتمع من كافة مظاهر العنف، وفي مقدمة تلك الفئات الأطفال ثم النساء.

وشدد الباحث المغربي، ناشيد، على أن الأطفال الذين يدرسون مناهج حديثة في المدراس الخاصة هم أكثر دراية ومعرفة بحقوقهم، ولديهم وعي أكبر مقارنة بالصغار الذين يتلقون تعليما تقليديا لا يتضمن الجودة الملائمة.

وعن تأثير وسائل الاتصال في استفحال العنف وبخاصة الرقمي، قال ناشيد: "وسائل التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين، ففي الوقت الذي ساهمت في نشر بعض الظواهر السلبية، إلا أنها ساهمت أيضا في زيادة مدارك الأطفال والمراهقين وأصبحوا أكثر واستيعابا وفهما لحقوقهم واهتماما بشؤون الحضارة والمستقبل".

ويؤكد الخضري على أهمية "التكامل في الأدوار بين الأسرة ومؤسسات والدولة ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز الجانب الأخلاقي والانضباطي بين النشء سواء داخل أسوار المنازل أو في المدارس وغيره من أماكن التجمعات".

وتابع: "التنمر وغيره من أشكال الإساءة الجسدية واللفظية تؤدي بشكل أو بآخر إلى انتشار الجرائم، فنحن كحقوقين نعلم أن معظم الجرائم التي يقترفها مراهقون أو شبان صغار تبدأ شرارتها من العنف والتنمر".

ويرى كذلك أن العنف والتنمر قد يقودان الضحايا إلى أن "يصبحوا أسرى الفكر المتشدد لأنهم سوف يجدون فيه وسيلة خاطئة للانتقام مما تعرضوا لهم في صغرهم".

وختم بالقول: "لابد إذا من التركيز على الجانب الأخلاقي والانضباطي، والذي بفضله نجحت الصين، على سبيل المثال، في إنهاء مشكلة التنمر والعنف في مدراسها إلى حد كبير، وفي جارتها اليابان أو كوريا الجنوبية نجد هناك اهتمام كبير بالعوامل الأخلاقية والتربوية حيث لا يسمح بالتساهل مع طالب عنيف حتى لوكان مستواه العملي عاليا".

 

المصدر: موقع الحرة

مواضيع ذات صلة

إحصائيات: 50% من التلاميذ تعاطوا المخدرات قرب المدارس
مخدرات. صورة تعبيرية

تثير قضية انتشار وتهريب وإدمان الحبوب المخدرة أو ما يعرف بـ"المهلوسات" تساؤلات عدة عن المنافذ التي يستغلها المهربون في بلد يحده من الجنوب ـ خصوصا ـ دول تشهد توترات داخلية وشريط تصعب مراقبته وتنتشر فيه الجماعات المسلحة والمجموعات المرتزقة.

وتتصدر قضية انتشار الحبوب المهلوسة النقاش في الجزائر، حيث تثير أيضا مخاوف السلطات التي ما فتئت تؤكد أن تسويقها "عملية مخطط لها من قبل أعداء الوطن"، حسب تصريحات متكررة لقائد أركان الجيش الجزائري.

وإذا كان واضحا أن عصابات التهريب وجدت في الجزائر سوقا لترويج "المهلوسات" ومختلف أنواع المؤثرات العقلية، فإن التساؤل عن مصدرها والمناطق التي تتدفق منها يتصدر النقاش. فمن أين تأتي هذه المهلوسات؟ ومن الذي يستفيد من تجارتها؟ ومن هم ضحاياها؟ وما دور الجمعيات المدنية والقوى الأمنية في مكافحتها؟  

ما هي المهلوسات

المهلوسات (hallucinogens) هي فئة من الأدوية التي "تسبب تشوهات عميقة في تصورات الأشخاص، وتعمل على تشويه وتكثيف الأحاسيس، ولكن تكون التأثيرات الفعلية متغيرةً ولا يُمكن التنبُّؤ بها"، وفق موقع "صحيفة سلامة بيانات المادة" الطبية (MSDS).

وتنطوي المخاطر الرئيسة للمهلوسات على "التأثيرات النفسية وضعف الحكمِ الذي تسببه، كما لا يُدرك معظم الأشخاص أنهم يهلوِسون ولا يُمكن إقناعهم بهذا"، حسب المصدر نفسه، الذي أشار إلى أنه يمكن الحُصول على المهلوسات من "النباتات أو تكون مواد كيميائية اصطناعية (تركيبية)".

وللمهلوسات تأثيرات صحية متعددة، منها "الغثيان والتقيؤ كما يمكن أن تؤدي إلى تضخم حدقتي العين وتغيم الرؤية والتعرق والخفقان وضعف التنسيق"، ويمكن للجرعة الزائدة منها أن "تؤدي إلى الوفاة"، وفق ذات الموقع. 

من أين تأتي المهلوسات؟

وسط تنامي النزاعات الإقليمية في شمال أفريقيا ومنطقتي الساحل والصحراء الكبرى وجدت الجزائر نفسها محاطة ببؤرة غير مستقرة أمنيا وخاضعة لعدة أطراف وجهات أجنبية وإقليمية.

وتتقاطع حدود الجزائر مع مناطق تشهد توترات، مثل مالي والنيجر، فتشترك ولاية عين قزام الحدودية مع هاتين الدولتين، بينما تشترك ولاية برج باجي مختار في الحدود مع مالي، وتحد ولاية تمنراست دولة النيجر.  

هذه المناطق تُعد من البؤر الساخنة في منطقة الساحل التي تشهد وجود وحدات تابعة لمجموعة "فاغنر" الروسية، مما يثير الشكوك والاتهامات حول تورط هذه المجموعة في عمليات تهريب واسعة النطاق.

وتشارك مجموعة فاغنر الروسية في "جميع أنواع الأعمال التجارية الغريبة في أفريقيا، من تسهيل التعدين إلى الرشاوى في مبيعات الأسلحة الروسية، مروراً بالاتجار غير المشروع بالأخشاب الثمينة والأعمال غير القانونية الأكثر ربحًا، من تجارة المخدرات إلى تجارة البشر"، حسب ما أكده الجنرال الأكاديمي الإيطالي كارلو جان، لصحيفة "إل جورنالي"، وأعادت نشره وكالة آكي الإيطالية للأنباء في وقت سابق.

وتثير نشاطات مجموعة فاغنر المتواجدة على مقربة من الحدود الجنوبية مخاوف  الجزائر، التي كشفت عن فتح هذا الملف مع موسكو. ففي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في أبريل الماضي، إلى أن بلاده "فتحت الموضوع مع روسيا".  

وأضاف أنه ناقش الأمر شخصيا مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، حيث تقرر إنشاء آلية تنسيق للنظر في الملف، إلا أن تقارير إعلامية ذكرت أن فاغنر شاركت في أغسطس الماضي، بأعمال مسلحة مع القوات المالية ضد مدنيين على الحدود مع الجزائر. 

 

 

 

استغلال وأرباح طائلة

وفي رده على سؤال يتعلق بمصادر المهلوسات، يرى العقيد السابق في الجيش الجزائري، عمر أوجانة، أن تهريبها نحو الجزائر "لا يأتي من مصدر واحد".  

وقال لـ"أصوات مغاربية" إن "جهات معادية للجزائر، تقوم بتسويق هذه السموم بكميات معتبرة"، موضحا أن عدم الإعلان عن هذه الجهات رسميا "لا يعني أن السلطات الأمنية تجهلها، بل تعلم هويتها".

ويتابع أوجانة قائلا إن الجهة الثانية التي تقف وراء التهريب "ذات أهداف تجارية تسعى لتحقيق مكاسب مالية ضخمة جراء السوق الجزائرية التي تستقطب هذا النوع من المؤثرات العقلية الخطيرة".

كما يؤكد المتحدث أن الحدود الجنوبية هي المصدر الرئيس لتهريب المهلوسات نحو الجزائر (جانت، تمنراست، عين قزام و برج باجي مختار) وهي المناطق المحاذية لدول الساحل.

ولا يختلف المتخصص في شؤون الأمن والهجرة والتهريب، شهر الدين برياح، عما قاله العقيد أوجانة في الشق المالي، إذ يؤكد أنه "لولا الطلب المحلي على هذه المهلوسات ما تدفقت الأطنان منها سنويا"، وهو ما يعني برأيه أن خلفية ترويجها ذات طابع ربحي، نظرا لعائداتها المالية الضخمة.

لكن برياح وفي تصريحه لـ"أصوات مغاربية" يشير إلى تعدد مصادر المهلوسات التي لا تقتصر عن الجهة التي تسيطر على تجارتها في الحدود الجنوبية للبلاد، بل وتشمل المطارات والموانئ. مضيفا أن الجمارك الجزائرية تصدر سنويا تقارير عن حجز كميات هامة من المهلوسات في المعابر الحدودية. 

كميات هائلة

منذ سنوات بدأت أسماء الحبوب المهلوسة في أحياء مدن وقرى الجزائر تأخذ شكلا آخر، وهذا حسب درجة ومستوى تأثيرها في من يتناولها، لذلك يطلق عليها البعض أسماء مثل "الحلوى" و"الصاروخ" و"التاكسي"، بعدما كانت تسمى بأسماء طبية تجارية (بريغابالين والإكستازي..).  

أما أسعارها فتتراوح ما بين 500 دينار للقرص الواحد (3.75 دولار) و8000 دينار (60 دولار).

وتظهر الأرقام الرسمية للديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان في الجزائر أن القوى الأمنية الثلاثة (الدرك والشرطة والجمارك) حجزت خلال السداسي الأول من السنة الماضية أزيد من 8 ملايين و100 ألف قرص من مختلف المؤثرات العقلية، بينما حجزت هذه المصالح 4.751 مليون قرص خلال نفس الفترة من سنة 2022، علاوة على قناطير من الأنواع الأخرى من المخدرات. 

وفي السداسي الأول من العام الماضي، عالجت محاكم الجمهورية 9600 قضية ذات علاقة بالاتجار وتهريب المؤثرات العقلية، بينما عالجت 17779 قضية تتعلق بحيازة واستهلاك الحبوب المهلوسة.

وفي دراسة للديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان تبين أن أكبر الكميات من المهلوسات التي تم حجزها خلال نفس الفترة كانت بوسط البلاد (2.8 مليون قرص)، والجنوب (2.3 مليون قرص)، ثم الشرق والغرب.

وفي مارس من العام الماضي أحبطت قوات الشرطة محاولة تهريب 1.6 مليون قرص من المهلوسات قالت إنها الأكبر، وكانت محملة على متن شاحنة لنقل مواد تزفيت الطرقات قادمة من ولاية تمنراست ذات الحدود المتاخمة لدولة النيجر في اتجاه الجزائر العاصمة، وكان مصدرها حسب السلطات إحدى دول الجوار بمنطقة الساحل والصحراء الكبرى. 

قصة 10 سنوات من الإدمان

وتظهر آثار الإدمان بشكل جلي على تجربة الطاهر الشاب، الذي سلك هذا الرواق في حي أوجليدة الشعبي بمدينة تلمسان (غرب).

ويروي الطاهر دلال لـ"أصوات مغاربية" كيف كانت بدايته بزجاجة الخمر التي أدمن كؤوسها، ولكنه قرر عقب زواجه التخلي عنها مقابل تناول الحبوب المهلوسة.

وكان مستقبل الطاهر على المحك، فقد بدأت نفقاته في تزايد، بينما مصادر دخله محدودة، ورغم ذلك كان يعتقد أن هذا التحول من شرب الخمر إلى المهلوسات سيخفي آثار "النشوة" أمام والده، كما أنها ـ مثلما يقول ـ "بلا رائحة تنبعث منها..".

وعندما لاحظت العائلة تدهور صحته وارتفاع نفقاته المالية، دفعها ذلك لطرح العديد من الأسئلة حول مصدر إنفاقه لمداخيل تجارته الحرة في السوق الموازية، فقرر الإقلاع عن الإدمان، حفاظا على أسرته وزوجته.

ويقول "خضعت للعلاج لدى طبيبة متخصصة بمدينة تلمسان، كنت مؤمنا بقدرتي على الإقلاع بعدما اكتشفت أنني أنهار صحيا، فقد انشغلت بالبحث عن المهلوسات في تلك الفترة". 

تظهر آثار الإدمان بشكل جلي على تجربة الطاهر الشاب الذي سلك رواق الإدمان في حي أجليدة الشعبي بمدينة تلمسان (غرب)".

قطع الطاهر شوطا في الإقلاع عن المهلوسات، وخرج من دوامة الإدمان منتصرا، لكنه دخل في مرحلة العلاج من آثار أخرى، فقد أظهرت الفحوصات الطبية التي قام بها أنه بحاجة للمتابعة الصحية الشاملة للتأكد من سلامته.  

ويشير إلى أن "المرحلة الثانية كانت التخلص أو معالجة الآثار الصحية والطبية للسموم التي كنت أتناولها".

ولم يتوقف الطاهر عند مرحلة التخلص من الإدمان وعلاج تبعاته، بل اهتم بتوعية أقرانه المتورطين في مستنقع الحبوب الهلوسة.  

وفي هذا الصدد، يؤكد أن نحو" 15 شابا خضعوا للعلاج وتعافوا من الإدمان بعدما أقنعهم بالإقلاع عن الحبوب وسلك مسار صحي والاندماج في المجتمع، وهذا منذ السنة الماضية". 

رحلة مكافحة الإدمان

وتمتد رحلة محاربة الإدمان إلى الجمعيات المدنية وهذه المرة في مدينة الرمشي القريبة من تلمسان الحدودية مع المغرب، حيث يقود بومدين بلبشير (58 سنة) نشاطات، الجمعية الوطنية لتكوين وتشغيل الشباب وتطوير المحيط الاجتماعي، المعتمدة من قبل الديوان الوطني لمكافحة المخدرات كشريك رسمي.

ورغم ثقل المهام التي تتابعها الجمعية مع المؤسسات الصحية وهيئات التشغيل وتخص بعض المدمنين الذين اقتنعوا بضرورة الإقلاع عن المهلوسات، فإن بومدين برشاقة الشباب لا يتوانى عن متابعة كل صغيرة وكبيرة.  

وأشار، في حديثه لـ "أصوات مغاربية"، إلى أن الأهم في القصة هو "انتشال الشباب من بؤرة الإدمان"، مضيفا أن الجمعية تمكنت من معالجة 8 حالات من أصل 12 حالة لمدمنين شباب خلال الفترة الأخيرة.

وبكثير من الإسهاب تحدث بومدين بلبشير عن شبكات ترويج المهلوسات، مشيرا إلى إمكانيات مافيا المهلوسات "الضخمة من حيث القدرة على الترويج للحبوب"، مقابل "قلة إمكانيات" جمعيته التي يتبرع أعضاؤها في كل مناسبه بما يستطيعون لتمويل حملات التوعية والتحسيس ومكافحة الإدمان.

 

بومدين بلبشير ناشط في مكافحة الإدمان غرب الجزائر

مكافحة وتوعية

ويدعو بلشير السلطات إلى "دعم الجمعيات المدنية بالإمكانيات الضرورية لمواجهة الإدمان"، لأنها برأيه "قضية تستهدف مع سبق الإصرار ملايين الجزائريين الشباب".

لكن الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان سجل هو الآخر آلاف الحالات حيث تقدم 19701 مدمنا للعلاج خلال سنة 2021 من بينهم 2154 امرأة.  

وارتفع عدد المدمنين الراغبين في العلاج إلى 27173 شخصا سنة 2022 من بينهم 5174 امرأة، بارتفاع قارب 38 بالمائة، ولم تكشف السلطات عن الرقم الرسمي لتعداد المدمنين على المخدرات بكافة أنواعها في البلاد. 

علامات الإدمان

تؤكد أخصائية علم الاجتماع والعلاقات الأسرية، بجامعة الجزائر، أمال حفصة زعيون، أن دور الأم أو الزوجة في الحفاظ على استقرار أسرتها أساسي، خصوصا وقاية أفرادها من مختلف الآفات، وذلك عن طريق "مراقبة تغير السلوك والعادات اليومية، كأن يصبح الابن أو الزوج أكثر عزلة، أو عنفا في السلوك أو شاحب الوجه، شارد الذهن".

وتنصح أمال حفصة زعيون، في حديثها لـ"أصوات مغاربية"، الزوجات والأمهات بمراقبة الملابس وتفحص الأشياء التي يحوزها الزوج أو الابن، إلا أنها تشدد أيضا بالنسبة للأبناء على دور الأب، الذي عليه متابعة أبنائه والسؤال عنهم وعن أصدقائهم.

وتشير المتحدثة أن اكتشاف إدمان الابن مثلا يشكل "صدمة كبرى" للأم، لذلك "عليها أن تكون مستعدة لنقل الحديث مع ابنها لجهة ثانية، قد تكون أحد المختصين، أو أقرب مركز لعلاج الإدمان من المهلوسات"،  

كما تنصح بـ"طرح كافة العوامل التي تكون قد أدت لإدمان الابن بكل شجاعة لمساعدة الأخصائيين على العلاج".

ويختلف الأمر بالنسبة للزوج المدمن، حيث تنصح الأخصائية الأسرية الزوجة "الاستعانة بأحد أفراد عائلة الزوج من أهل الثقة لإقناعه ومتابعة علاجه في مركز متخصص أو لدى أخصائي.

"قصة لا تنتهي

لا يبدو أن لقصة الإدمان على المهلوسات نهاية، فهي رواق من الصعب تحديد مخارجه، نظرا لتحكم جهات منظمة في بيعها وتوزيعها، كما أنه لا يمكن تحديد عائداتها المالية التي تفوق ملايين الدولارات سنويا.

كما أن الإمكانيات المتاحة للتحسيس لازالت متواضعة مقابل رقعة انتشار الإدمان على الحبوب المهلوسة التي تحولت إلى جزء من يوميات بعض الشباب.

ورغم المحجوزات الضخمة لملايين الأقراص المهلوسة سنويا من قبل القوى الأمنية، فإن هذا الحل بقي مجرد جزء بسيط من معادلة معقدة، إذ لم يؤد إلى أي حلول نهائية بإمكانها كسب حرب المهلوسات. 

المصدر: أصوات مغاربية