جزائريون يشتكون "ارتفاعا غير مسبوق" بأسعار الخضر والفواكه
07 سبتمبر 2023
Share on Facebook
Share on Twitter
التعليقات
مع الساعات الأولى للصباح تشرع شاحنات صغيرة في تزويد الباعة بالسوق المغطاة في مدينة تلمسان غرب الجزائر بطلبياتهم اليومية من الخضر والفواكه.
ويؤكد العديد من الباعة أن أسعار الخضر والفواكه سجلت ارتفاعا أثر على حجم المبيعات بينما يؤكد العديد من الزبائن بدورهم تأثرهم بالغلاء الذي دفع بعضهم إلى تفادي اقتناء بعض الخضر والفواكه التي وصلت أثمنتها إلى مستويات لا تناسب قدرتهم الشرائية.
"ارتفاع غير مسبوق"
يرتب المجذوب الفواكه والخضر بعناية في صناديق تم وضعها بشكل يجعل محتواها بارزا للمارة، يتوقف من حين إلى آخر ليتفاعل مع بعض الزبائن الذين يسألون عن الأسعار وهم يتفحصون جودة المنتجات قبل أن يشتروا أو ينسحبوا بمجرد اطلاعهم على السعر.
يقول المجذوب الذي قضى 25 عاما في هذه المهنة "لم يعد النشاط في السوق كما كان عليه قبل سنوات قليلة"، مضيفا في حديث مع "أصوات مغاربية" "الناس تتفادى في بعض الأحيان الخضروات ذات الجودة العالية نظرا لثمنها المرتفع، ومع حلول المساء وارتفاع درجة الحرارة يتعفن بعضها مما يدفعنا لبيعها بسعر أقل مما كان عليه في الفترة الصباحية".
يتابع المجدوب حديثه مؤكدا أنه باستثناء البطاطس الذي عرف سعرها استقرارا في الآونة الأخيرة، فإن العديد من الخضر والفواكه شهدت ارتفاعا في الأسعار "فالطماطم مثلا وصل ثمنها خلال فصل الصيف إلى 150 دينارا للكيلوغرام الواحد (1 دولار)، بعدما لم يكن يتجاوز 60 دينارا (0،44 دولارا)، والفاصولياء الخضراء وصل سعرها في بعض الأحيان إلى نحو 137 دينارا (3 دولار) بعدما لم يكن يتجاوز 120 دينارا (0.88 دولار) في السنة الماضية".
أما الفواكه يضيف المتحدث فقد "شهدت بدورها ارتفاعا غير مسبوق في أسعارها، وقفز سعر التفاح من 300 دينار (2.19 دولار) إلى 700 دينار (5 دولارات)، ووصل سعر العنب إلى 450 دينارا (3.28 دولار)، بعدما لم يكن سعره يتجاوز نصف هذا المبلغ".
"تغير السلوك الاستهلاكي"
بدوره، يقول حميد الذي يمتهن هذه التجارة منذ عشر سنوات إن الكميات التي كان يطلبها يوميا من الخضر والفواكه "تراجعت بفعل انخفاض الإقبال على الشراء بالكمية التي كانت من قبل".
"كنا نبيع الطماطم بكميات معتبرة، لأن ثمنها كان منخفضا، ومع حلول شهر سبتمبر كانت العائلات تحرص على اقتنائها بكثرة وتحويلها إلى طماطم مصبرة بالطريقة التقليدية، ونفس الأمر مع الفلفل مثلا، حيث كان الزبائن يشترونه بكميات كبيرة بعد انخفاض سعره لإعداده وتخزينه بطرق تقليدية لفصل الشتاء لكن هذا السلوك الاستهلاكي تغير اليوم".
ويتحدث حميد عن عوامل عديدة يرى أنها تقف وراء ارتفاع أسعار الخضر والفواكه، أبرزها أزمة الجفاف إذ يقول إن "الكثير من المزروعات والأشجار المثمرة تأثرت".
ويتابع مشيرا كمثال إلى محصول فاكهة الكرز التي تشتهر بها المنطقة بحيث "لحقتها أضرار خلال هذا الموسم وهو ما أثر على السعر الذي وصل إلى 1800 دينار (13 دولارا)، عوضا عن 600 دينار (5 دولارات)".
"المضاربة وتعدد الوسطاء"
يشتكي العديد من الزبائن بدورهم من ارتفاع الأسعار وفي الوقت الذي يرى البعض أن السبب يكمن في قلة التساقطات المطرية يوجه آخرون أصابع الاتهام إلى "الوسطاء".
وفي هذا السياق يقول يحيى وهو أحد زبائن السوق، إن "المضاربة في المنتوجات الفلاحية وتعدد الوسطاء هما التفسير الوحيد لهذه المفارقة بين ارتفاع حجم الإنتاج والأسعار التي لم تعد في متناول الكثير من المستهلكين"، ويردف مؤكدا "نعم هناك مضاربة ومحاولة لزعزعة استقرار السوق".
ويستدل المتحدث على ذلك بـ"الوفرة التي تسجلها البطاطس في الأسواق التي لا يتجاوز سعرها في الوقت الحالي 50 دينارا (0.36 دولار) بعد أن عمدت الحكومة إلى ضبط تخزينها وتوزيعها ومراقبتها" مشيرا إلى أن تلك التدابير "لا تنطبق على باقي المنتوجات".
وفي ظل ارتفاع الأسعار، يؤكد يحيى أنه لم يقلص من ميزانية شراء الخضر والفواكه لكن كمية ما يقتنيه انخفضت، ويتابع قائلا "نعمل على التكيف مع تغيرات السوق، من خلال ترشيد الاستهلاك وتفادي شراء الخضر والفواكه غير الموسمية التي غالبا ما تكون أسعارها خيالية".
مع ذلك، يعبر يحيى عن تفاؤله بإمكانية تراجع الأسعار وهو يشير إلى التساقطات التي شهدتها البلاد في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الجاري معتبرا إياها "مؤشرا إيجابيا على موسم فلاحي جيد هذا العام".
"نوعيات من الدرجة الثانية"
بمرور الوقت تزيد الحركة داخل السوق وتختلط أصوات الباعة بالزبائن، هؤلاء يسألون عن الأسعار ويحاولون مقارنتها بحثا عن أفضل ثمن وأولئك يتفنون في استعراض جودة المنتوج لإقناع الزبون باستحقاقه للسعر.
يفضل سعيدي، وهو عامل يومي، القيام بجولة تشمل معظم طاولات الخضر والفواكه في السوق المغطاة، ليأخذ فكرة شاملة عن الأسعار.
يؤكد سعيدي في حديث مع "أصوات مغاربية" أن أسعار العديد من الخضر والفواكه تفوق قدرته الشرائية خصوصا أن مداخيله غير قارة وهو ما يضطره أحيانا إلى اقتناء "نوعيات من الدرجة الثانية لأن سعرها يكون أقل".
ويذكر المتحدث في السياق أن الأسعار المرتفعة للفواكه مثلا تدفعه نحو هذا الخيار "فهناك عنب بسعر 450 دينارا (نحو 3 دولارات) ، وهناك عنب بسعر 200 دينار(1.46 دولار)".
ويتابع مستحضرا الوضع قبل نحو ثلاث سنوات أي قبل جائحة فيروس كورونا بقوله "قبل كورونا كنت أشتري كل مستلزماتي الأسبوعية من الخضروات بـ 2000 دينار (15 دولارا) أما في الوقت الحالي فإن هذا المبلغ لم يعد كافيا، اقتناء المستلزمات الأسبوعية بات يتطلب 3000 دينار (22 دولار) أو أكثر".
حرب المهلوسات" في الجزائر.. ضحايا في الداخل ومستفيدون في الخارج"
19 أكتوبر 2024
Share on Facebook
Share on Twitter
التعليقات
تثير قضية انتشار وتهريب وإدمان الحبوب المخدرة أو ما يعرف بـ"المهلوسات" تساؤلات عدة عن المنافذ التي يستغلها المهربون في بلد يحده من الجنوب ـ خصوصا ـ دول تشهد توترات داخلية وشريط تصعب مراقبته وتنتشر فيه الجماعات المسلحة والمجموعات المرتزقة.
وتتصدر قضية انتشار الحبوب المهلوسة النقاش في الجزائر، حيث تثير أيضا مخاوف السلطات التي ما فتئت تؤكد أن تسويقها "عملية مخطط لها من قبل أعداء الوطن"، حسب تصريحات متكررة لقائد أركان الجيش الجزائري.
وإذا كان واضحا أن عصابات التهريب وجدت في الجزائر سوقا لترويج "المهلوسات" ومختلف أنواع المؤثرات العقلية، فإن التساؤل عن مصدرها والمناطق التي تتدفق منها يتصدر النقاش. فمن أين تأتي هذه المهلوسات؟ ومن الذي يستفيد من تجارتها؟ ومن هم ضحاياها؟ وما دور الجمعيات المدنية والقوى الأمنية في مكافحتها؟
ما هي المهلوسات
المهلوسات (hallucinogens) هي فئة من الأدوية التي "تسبب تشوهات عميقة في تصورات الأشخاص، وتعمل على تشويه وتكثيف الأحاسيس، ولكن تكون التأثيرات الفعلية متغيرةً ولا يُمكن التنبُّؤ بها"، وفق موقع "صحيفة سلامة بيانات المادة" الطبية (MSDS).
وتنطوي المخاطر الرئيسة للمهلوسات على "التأثيرات النفسية وضعف الحكمِ الذي تسببه، كما لا يُدرك معظم الأشخاص أنهم يهلوِسون ولا يُمكن إقناعهم بهذا"، حسب المصدر نفسه، الذي أشار إلى أنه يمكن الحُصول على المهلوسات من "النباتات أو تكون مواد كيميائية اصطناعية (تركيبية)".
وللمهلوسات تأثيرات صحية متعددة، منها "الغثيان والتقيؤ كما يمكن أن تؤدي إلى تضخم حدقتي العين وتغيم الرؤية والتعرق والخفقان وضعف التنسيق"، ويمكن للجرعة الزائدة منها أن "تؤدي إلى الوفاة"، وفق ذات الموقع.
من أين تأتي المهلوسات؟
وسط تنامي النزاعات الإقليمية في شمال أفريقيا ومنطقتي الساحل والصحراء الكبرى وجدت الجزائر نفسها محاطة ببؤرة غير مستقرة أمنيا وخاضعة لعدة أطراف وجهات أجنبية وإقليمية.
وتتقاطع حدود الجزائر مع مناطق تشهد توترات، مثل مالي والنيجر، فتشترك ولاية عين قزام الحدودية مع هاتين الدولتين، بينما تشترك ولاية برج باجي مختار في الحدود مع مالي، وتحد ولاية تمنراست دولة النيجر.
هذه المناطق تُعد من البؤر الساخنة في منطقة الساحل التي تشهد وجود وحدات تابعة لمجموعة "فاغنر" الروسية، مما يثير الشكوك والاتهامات حول تورط هذه المجموعة في عمليات تهريب واسعة النطاق.
وتشارك مجموعة فاغنر الروسية في "جميع أنواع الأعمال التجارية الغريبة في أفريقيا، من تسهيل التعدين إلى الرشاوى في مبيعات الأسلحة الروسية، مروراً بالاتجار غير المشروع بالأخشاب الثمينة والأعمال غير القانونية الأكثر ربحًا، من تجارة المخدرات إلى تجارة البشر"، حسب ما أكده الجنرال الأكاديمي الإيطالي كارلو جان، لصحيفة "إل جورنالي"، وأعادت نشره وكالة آكي الإيطالية للأنباء في وقت سابق.
وتثير نشاطات مجموعة فاغنر المتواجدة على مقربة من الحدود الجنوبية مخاوف الجزائر، التي كشفت عن فتح هذا الملف مع موسكو. ففي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في أبريل الماضي، إلى أن بلاده "فتحت الموضوع مع روسيا".
وأضاف أنه ناقش الأمر شخصيا مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، حيث تقرر إنشاء آلية تنسيق للنظر في الملف، إلا أن تقارير إعلامية ذكرت أن فاغنر شاركت في أغسطس الماضي، بأعمال مسلحة مع القوات المالية ضد مدنيين على الحدود مع الجزائر.
استغلال وأرباح طائلة
وفي رده على سؤال يتعلق بمصادر المهلوسات، يرى العقيد السابق في الجيش الجزائري، عمر أوجانة، أن تهريبها نحو الجزائر "لا يأتي من مصدر واحد".
وقال لـ"أصوات مغاربية" إن "جهات معادية للجزائر، تقوم بتسويق هذه السموم بكميات معتبرة"، موضحا أن عدم الإعلان عن هذه الجهات رسميا "لا يعني أن السلطات الأمنية تجهلها، بل تعلم هويتها".
ويتابع أوجانة قائلا إن الجهة الثانية التي تقف وراء التهريب "ذات أهداف تجارية تسعى لتحقيق مكاسب مالية ضخمة جراء السوق الجزائرية التي تستقطب هذا النوع من المؤثرات العقلية الخطيرة".
كما يؤكد المتحدث أن الحدود الجنوبية هي المصدر الرئيس لتهريب المهلوسات نحو الجزائر (جانت، تمنراست، عين قزام و برج باجي مختار) وهي المناطق المحاذية لدول الساحل.
ولا يختلف المتخصص في شؤون الأمن والهجرة والتهريب، شهر الدين برياح، عما قاله العقيد أوجانة في الشق المالي، إذ يؤكد أنه "لولا الطلب المحلي على هذه المهلوسات ما تدفقت الأطنان منها سنويا"، وهو ما يعني برأيه أن خلفية ترويجها ذات طابع ربحي، نظرا لعائداتها المالية الضخمة.
لكن برياح وفي تصريحه لـ"أصوات مغاربية" يشير إلى تعدد مصادر المهلوسات التي لا تقتصر عن الجهة التي تسيطر على تجارتها في الحدود الجنوبية للبلاد، بل وتشمل المطارات والموانئ. مضيفا أن الجمارك الجزائرية تصدر سنويا تقارير عن حجز كميات هامة من المهلوسات في المعابر الحدودية.
كميات هائلة
منذ سنوات بدأت أسماء الحبوب المهلوسة في أحياء مدن وقرى الجزائر تأخذ شكلا آخر، وهذا حسب درجة ومستوى تأثيرها في من يتناولها، لذلك يطلق عليها البعض أسماء مثل "الحلوى" و"الصاروخ" و"التاكسي"، بعدما كانت تسمى بأسماء طبية تجارية (بريغابالين والإكستازي..).
أما أسعارها فتتراوح ما بين 500 دينار للقرص الواحد (3.75 دولار) و8000 دينار (60 دولار).
وتظهر الأرقام الرسمية للديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان في الجزائر أن القوى الأمنية الثلاثة (الدرك والشرطة والجمارك) حجزت خلال السداسي الأول من السنة الماضية أزيد من 8 ملايين و100 ألف قرص من مختلف المؤثرات العقلية، بينما حجزت هذه المصالح 4.751 مليون قرص خلال نفس الفترة من سنة 2022، علاوة على قناطير من الأنواع الأخرى من المخدرات.
وفي السداسي الأول من العام الماضي، عالجت محاكم الجمهورية 9600 قضية ذات علاقة بالاتجار وتهريب المؤثرات العقلية، بينما عالجت 17779 قضية تتعلق بحيازة واستهلاك الحبوب المهلوسة.
وفي دراسة للديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان تبين أن أكبر الكميات من المهلوسات التي تم حجزها خلال نفس الفترة كانت بوسط البلاد (2.8 مليون قرص)، والجنوب (2.3 مليون قرص)، ثم الشرق والغرب.
وفي مارس من العام الماضي أحبطت قوات الشرطة محاولة تهريب 1.6 مليون قرص من المهلوسات قالت إنها الأكبر، وكانت محملة على متن شاحنة لنقل مواد تزفيت الطرقات قادمة من ولاية تمنراست ذات الحدود المتاخمة لدولة النيجر في اتجاه الجزائر العاصمة، وكان مصدرها حسب السلطات إحدى دول الجوار بمنطقة الساحل والصحراء الكبرى.
قصة 10 سنوات من الإدمان
وتظهر آثار الإدمان بشكل جلي على تجربة الطاهر الشاب، الذي سلك هذا الرواق في حي أوجليدة الشعبي بمدينة تلمسان (غرب).
ويروي الطاهر دلال لـ"أصوات مغاربية" كيف كانت بدايته بزجاجة الخمر التي أدمن كؤوسها، ولكنه قرر عقب زواجه التخلي عنها مقابل تناول الحبوب المهلوسة.
وكان مستقبل الطاهر على المحك، فقد بدأت نفقاته في تزايد، بينما مصادر دخله محدودة، ورغم ذلك كان يعتقد أن هذا التحول من شرب الخمر إلى المهلوسات سيخفي آثار "النشوة" أمام والده، كما أنها ـ مثلما يقول ـ "بلا رائحة تنبعث منها..".
وعندما لاحظت العائلة تدهور صحته وارتفاع نفقاته المالية، دفعها ذلك لطرح العديد من الأسئلة حول مصدر إنفاقه لمداخيل تجارته الحرة في السوق الموازية، فقرر الإقلاع عن الإدمان، حفاظا على أسرته وزوجته.
ويقول "خضعت للعلاج لدى طبيبة متخصصة بمدينة تلمسان، كنت مؤمنا بقدرتي على الإقلاع بعدما اكتشفت أنني أنهار صحيا، فقد انشغلت بالبحث عن المهلوسات في تلك الفترة".
قطع الطاهر شوطا في الإقلاع عن المهلوسات، وخرج من دوامة الإدمان منتصرا، لكنه دخل في مرحلة العلاج من آثار أخرى، فقد أظهرت الفحوصات الطبية التي قام بها أنه بحاجة للمتابعة الصحية الشاملة للتأكد من سلامته.
ويشير إلى أن "المرحلة الثانية كانت التخلص أو معالجة الآثار الصحية والطبية للسموم التي كنت أتناولها".
ولم يتوقف الطاهر عند مرحلة التخلص من الإدمان وعلاج تبعاته، بل اهتم بتوعية أقرانه المتورطين في مستنقع الحبوب الهلوسة.
وفي هذا الصدد، يؤكد أن نحو" 15 شابا خضعوا للعلاج وتعافوا من الإدمان بعدما أقنعهم بالإقلاع عن الحبوب وسلك مسار صحي والاندماج في المجتمع، وهذا منذ السنة الماضية".
رحلة مكافحة الإدمان
وتمتد رحلة محاربة الإدمان إلى الجمعيات المدنية وهذه المرة في مدينة الرمشي القريبة من تلمسان الحدودية مع المغرب، حيث يقود بومدين بلبشير (58 سنة) نشاطات، الجمعية الوطنية لتكوين وتشغيل الشباب وتطوير المحيط الاجتماعي، المعتمدة من قبل الديوان الوطني لمكافحة المخدرات كشريك رسمي.
ورغم ثقل المهام التي تتابعها الجمعية مع المؤسسات الصحية وهيئات التشغيل وتخص بعض المدمنين الذين اقتنعوا بضرورة الإقلاع عن المهلوسات، فإن بومدين برشاقة الشباب لا يتوانى عن متابعة كل صغيرة وكبيرة.
وأشار، في حديثه لـ "أصوات مغاربية"، إلى أن الأهم في القصة هو "انتشال الشباب من بؤرة الإدمان"، مضيفا أن الجمعية تمكنت من معالجة 8 حالات من أصل 12 حالة لمدمنين شباب خلال الفترة الأخيرة.
وبكثير من الإسهاب تحدث بومدين بلبشير عن شبكات ترويج المهلوسات، مشيرا إلى إمكانيات مافيا المهلوسات "الضخمة من حيث القدرة على الترويج للحبوب"، مقابل "قلة إمكانيات" جمعيته التي يتبرع أعضاؤها في كل مناسبه بما يستطيعون لتمويل حملات التوعية والتحسيس ومكافحة الإدمان.
مكافحة وتوعية
ويدعو بلشير السلطات إلى "دعم الجمعيات المدنية بالإمكانيات الضرورية لمواجهة الإدمان"، لأنها برأيه "قضية تستهدف مع سبق الإصرار ملايين الجزائريين الشباب".
لكن الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان سجل هو الآخر آلاف الحالات حيث تقدم 19701 مدمنا للعلاج خلال سنة 2021 من بينهم 2154 امرأة.
وارتفع عدد المدمنين الراغبين في العلاج إلى 27173 شخصا سنة 2022 من بينهم 5174 امرأة، بارتفاع قارب 38 بالمائة، ولم تكشف السلطات عن الرقم الرسمي لتعداد المدمنين على المخدرات بكافة أنواعها في البلاد.
علامات الإدمان
تؤكد أخصائية علم الاجتماع والعلاقات الأسرية، بجامعة الجزائر، أمال حفصة زعيون، أن دور الأم أو الزوجة في الحفاظ على استقرار أسرتها أساسي، خصوصا وقاية أفرادها من مختلف الآفات، وذلك عن طريق "مراقبة تغير السلوك والعادات اليومية، كأن يصبح الابن أو الزوج أكثر عزلة، أو عنفا في السلوك أو شاحب الوجه، شارد الذهن".
وتنصح أمال حفصة زعيون، في حديثها لـ"أصوات مغاربية"، الزوجات والأمهات بمراقبة الملابس وتفحص الأشياء التي يحوزها الزوج أو الابن، إلا أنها تشدد أيضا بالنسبة للأبناء على دور الأب، الذي عليه متابعة أبنائه والسؤال عنهم وعن أصدقائهم.
وتشير المتحدثة أن اكتشاف إدمان الابن مثلا يشكل "صدمة كبرى" للأم، لذلك "عليها أن تكون مستعدة لنقل الحديث مع ابنها لجهة ثانية، قد تكون أحد المختصين، أو أقرب مركز لعلاج الإدمان من المهلوسات"،
كما تنصح بـ"طرح كافة العوامل التي تكون قد أدت لإدمان الابن بكل شجاعة لمساعدة الأخصائيين على العلاج".
ويختلف الأمر بالنسبة للزوج المدمن، حيث تنصح الأخصائية الأسرية الزوجة "الاستعانة بأحد أفراد عائلة الزوج من أهل الثقة لإقناعه ومتابعة علاجه في مركز متخصص أو لدى أخصائي.
"قصة لا تنتهي
لا يبدو أن لقصة الإدمان على المهلوسات نهاية، فهي رواق من الصعب تحديد مخارجه، نظرا لتحكم جهات منظمة في بيعها وتوزيعها، كما أنه لا يمكن تحديد عائداتها المالية التي تفوق ملايين الدولارات سنويا.
كما أن الإمكانيات المتاحة للتحسيس لازالت متواضعة مقابل رقعة انتشار الإدمان على الحبوب المهلوسة التي تحولت إلى جزء من يوميات بعض الشباب.
ورغم المحجوزات الضخمة لملايين الأقراص المهلوسة سنويا من قبل القوى الأمنية، فإن هذا الحل بقي مجرد جزء بسيط من معادلة معقدة، إذ لم يؤد إلى أي حلول نهائية بإمكانها كسب حرب المهلوسات.