Aftermath of the floods in Susah
أطفال وسط خراب خلفه إعصار "دانيال"

تسبب إعصار "دانيال" في وفاة مئات الأطفال مع أهاليهم بمدينة درنة ومناطق أخرى في شرق البلاد، بينما فقد أطفال كثيرون ذويهم وباتوا في أمس الحاجة إلى توفير الدعم النفسي بالتوازي مع الرعاية الطبية اللازمة.

وتسبب الإعصار،  الذي ضرب شرق ليبيا الأحد الماضي، في مقتل وفقد عشرات الآلاف بمدينة درنة وحدها، إضافة إلى سقوط ضحايا بالعشرات في مدن سوسة والبيضاء والمرج وبلدات الوردية والساحل وغيرها، فيما ما تزال السلطات تعمل على حصر الأرقام النهائية في كل المدن المتضررة.

الفئات الأكثر تأثراً

ويعد الأطفال من أكثر الفئات التي تعرضت للكارثة هشاشة نظراً لطبيعة أعمارهم الصغيرة وطرق فهمهم لما حدث ومتابعتهم لتطورات ما يدور حولهم، وهو ما يقتضي إيلاء اهتمام خاص بهذه الفئة من قبل ذويهم والمختصين النفسيين بالتعامل مع الأطفال.

وتعليقاً على ذلك، يرى المختص النفسي الليبي، محمد أبي الأشهر، أن الأطفال هم "الفئة الأكثر تأثراً بالأزمات من غيرهم"، مضيفاً، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن لكل مرحلة من مراحل عمر الطفل تأثيراتها الخاصة بها، لا سيما بعد عمر  3 سنوات التي يكون فيها الطفل قبلها غير مدرك تماماً لما يدور حوله.

ويضيف أبي الأشهر أنه بالنسبة للأطفال من سن 3 إلى 6 سنوات يشعر الطفل بما يحدث لكن الحقيقة قد تختلط لديه بالخيال، ويكون تبعاً لذلك عرضة لـ "اضطرابات شديدة" مثل الخوف والقلق وأعراض نفسية أخرى.

ويتابع المتحدث: "بالنسبة للأطفال من سن 7 إلى 12 عاما فإن مستوى الإدراك لديهم يكون عالياً، وبالتالي فإن تأثير الكارثة عليهم يتمثل في فقدانهم للشعور بالأمان بسبب افتراقهم عن أسرهم والداعمين المحيطين بهم".

ويكون الأطفال في هذه السن عرضة للإصابة بعوارض متنوعة، بينها نوبات خوف وهلع وذعر وكوابيس ليلية، كما قد تختلف تلك الأعراض من طفل لآخر حسب شدة الأزمة و"الهشاشة النفسية" للطفل، بحسب أبي الأشهر.

ويردف المتحدث أنه بالنسبة للأطفال في سن ما فوق 12 عاما، أو مرحلة المراهقة، فإن الإدراك لديهم يكون أكبر وقد تتكون عندهم الكثير من الأسئلة التي تبحث عن إجابة من قبيل البحث عن أسباب ما حدث.

وإضافة للأعراض النفسية، تحدث أبي الأشهر عن "الأعراض الجسدية"، ومن بينها فقدان السيطرة على التبول والتبرز، وآلام في البطن أو أسفل الرقبة وفي القدمين، إضافة إلى أعراض أخرى مثل ضيق التنفس والصداع النصفي وصعوبات في النوم وغيرها.    

إجراءات ضرورية عاجلة 

وتطرح إمكانية إصابة الأطفال بالعوارض سالفة الذكر أسئلة كثيرة عن كيفية التعامل معها، وما يمكن فعله لتخفيف من وطأة الصدمة عليهم خلال  الأزمة وبعدها بفترة.

وفي هذا الصدد، قال أبي الأشهر إن هناك إجراءات نفسية تتبع كـ "بروتوكول أساسي" في هذه الحالة، وذلك بعد التأكد (أولاً) من سلامة الطفل من أية إصابات جسدية قد يكون تعرض لها جراء الكارثة.

ومن بين الإجراءات النفسية المطلوبة أن يتيح الأب أو الأم، أو الشخص مقدم الخدمة النفسية، الفرصة للأطفال للتعبير عن مخاوفهم ومشاعرهم دون  التقليل منها أو تسفيهها، إضافة لمناقشتهم في المخاوف والأفكار التي تراودهم "مع مراعاة أعمارهم واللغة التي يفهمونها".

ويشدد ذات المتحدث على أهمية عدم إسكات الطفل إذا ما أحس برغبة في البكاء ثم تقديم الدعم له بعد ذلك، لأن البكاء أحد وسائل التعبير بالنسبة للأطفال الذي قد يجد صعوبة في الكلام. يضاف إلى ذلك تشجيع الطفل على التعبير من خلال وسائل أخرى كالرسم أو غيره.

"اضطراب ما بعد الصدمة"

ومن بين الوسائل المساعدة تشجيع الطفل على الحديث عما يدور في ذهنه مع أقرانه أو مع الوالدين، الذين يجب أن يظهرا سلوكا نموذجياً في التعامل مع الأزمة وعدم "الكذب عليهم لأن الأطفال عادة ما يتعبرونهم قدوة ويلاحظون تصرفاتهم في مثل هذه الحالات".

ويشدد المعالج النفسي محمد أبي الأشهر على وجود احتمال لتأخر ظهور أعراض "اضطراب ما بعد الصدمة"، مع ضرورة مراقبة سلوك الأطفال خلال الأشهر الـ 6 التي تعقب الكارثة "لأن الأعراض قد تبدأ من الأسبوع الثالث أو الرابع إلى 6 أشهر حتى تظهر بشكل واضح".

ويشجع الآباء في هذه الفترة على استشارة مختصين في الدعم النفسي للأطفال، والحرص على تقديم الدعم النفسي لهم سواء في جلسات فردية أو في جلسات اجتماعية مع أطفال آخرين.

وتداولت العديد من صفحات التواصل الاجتماعي صوراً مؤلمة لحالات تأثر بالغة لأطفال من مدينة درنة والمناطق الأخرى، بينهم أطفال تحدثوا عن اللحظات التي جرفتهم فيها السيول، لكن خبراء يشددون على أهمية احترام خصوصية الأطفال والحفاظ على مشاعرهم في أصعب كارثة مرت بها ليبيا في تاريخها الحديث. 

 

المصدر : أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

Participants work at a women's training and development center in Tripoli on September 23, 2023, contributing to relief efforts…
ليبيات يشاركن في مبادرة لتوفير ملابس للمتضررين من الفيضانات

تنكب نحو عشر نساء في مركز للتدريب على الخياطة على إعداد ملابس وأكفان لإرسالها على وجه السرعة إلى درنة في شرق ليبيا التي دمرتها فيضانات كاسحة قبل أسبوعين تقريبا.

يوضح محمد كمور،  مدير "مركز تدريب وتطوير المرأة" في طرابلس  لوكالة فرانس برس  أنه تم تعليق العمل الاعتيادي في المركز لتوفير مساعدة لأبناء درنة حيث فقد آلاف الناجين كل ما يملكونه بسبب الفيضانات. وقد جرفت الفيضانات أبنية وأحياء برمتها.

وأرسل المركز حتى الآن "1300 زي مدرسي و850 جلابية و650 كفنا" إلى هذه المدينة البالغ عدد سكانها مئة ألف نسمة وحيث قضى في الفيضانات 3800 منهم.

وتعمل النساء وهن متدربات على إعداد الدفعة الثانية مع قص وخياطة قطع القماش في المشغل الواقع في حي الأندلس في العاصمة طرابلس في غرب البلاد على بعد أكثر من 1300 كيلومتر من درنة.

ويؤكد كمور "كانت لدينا طلبيات فأوقفنا جميع هذه الأشغال".

طباخو مطعم يعدون طعاما لتوزيعه على المتضرررين

ويوضح "قامت السيدات اللاتي يعن أسرهن بعملهن، بالتعاون مع هذه المبادرة لأن الأولوية الآن لأخواتنا و إخواننا بالمنطقة الشرقية".

ويتابع "هذه المبادرة كانت من إدارة المركز الذي من صميم هدفه أن يساعد الأسر المحتاجة فما بالكم مع هذه الكارثة التي حلت على مدينة درنة".

ويؤكد أن حاجات المنكوبين ترسل إليه عبر جمعيات خيرية مقرها في شرق البلاد رغم الانقسامات السياسية بين شرق البلاد وغربها.

 حول طاولة كبيرة محاطة برفوف مليئة بالأقمشة المختلفة، تفرز النساء ما تم تنفيذه خلال النهار ويطوينه من جلاليب رمادية أو خضراء ومآزر بيضاء للطواقم الطبية فضلا عن أكفان للجثث التي يواصل المسعفون انتشالها من بين الأنقاض.

في "قاعة الخياطة" المجاورة، تؤكد المدربة كريمة الطيب ونيس "شعورنا ونحن نقدم هذه المساعدات كشعور أي شخص فقد أخا له أو أقاربه أو عائلته".

وتضيف "في النهاية نحن عائلة واحدة، من الشرق أو الغرب، تجمعنا ليبيا".

وأثارت الفيضانات المدمرة موجة تضامن تجاوزت الانقسامات السياسية والقبلية بين شرق البلاد وغربها. 

فليبيا غارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وتتنافس على السلطة فيها حكومتان، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقرًا ويرأسها عبد الحميد الدبيبة وتعترف بها الأمم المتحدة، وأخرى في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة، يرأسها أسامة حمّاد وهي مكلّفة من مجلس النواب ومدعومة من الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر.

وقال يان فريديز رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ليبيا الخميس لدى عودته من زيارة استمرت ثلاثة أيام "رأينا أشخاصا يأتون من كل المناطق الليبية حتى من سبها في الجنوب . أناس أتوا (إلى درنة) من تلقاء أنفسهم".

بالوسائل المتوافرة يرص أصحاب مطاعم وتجار وحرفيون الصفوف في غرب البلاد وجنوبها في سبيل المساعدة.

وتكثر المساعدات الموجهة إلى الناجين خصوصا في وقت اضطر أكثر من 43 ألف شخص إلى النزوح من المناطق المتضررة وهم مشردون ومن دون أي موارد.

وتشهد وسائل التواصل الاجتماعي دعوات كثيرة لإيواء نازحين.

فجاء في منشور عبر "فيسبوك"، "وصلت عائلة للتو من درنة إلى طرابلس. تحتاج إلى مسكن سريعا" وقد تفاعل معه متطوعون كثر اقترحوا المساعدة ناشرين أرقام هواتفهم. وبوشرت حملة كذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع وسم #أنا_درناوي_نبي_حوش" أي "أنا من درنة واحتاج إلى مسكن".

العاصفة دمرت العديد من المنازل في ليبيا

وتقول السلطات الليبية إنها تواجه صعوبات في الاستجابة للحاجات العاجلة للناجين وأقرت مرات عدة بأن حجم الكارثة يتجاوز قدراتها.

ويستمر وصول المساعدات الدولية بزخم. فقد أقامت دول ومنظمات إنسانية دولية عدة، جسورا جوية لنقلها.

وأعلنت سفارة قطر في ليبيا وصول طائرتين السبت إلى بنغازي في شرق البلاد تنقلان 60 طنا من المساعدات ليصل إلى ثمان عدد الطائرات التي أرسلتها الدوحة منذ الكارثة. 

وحطت طائرة تحمل مساعدة إنسانية مرسلة من الولايات المتحدة الخميس في بنغازي الواقعة على بعد 300 كيلومتر من درنة.

 

المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية