بعد دعوة العاهل المغربي الملك محد السادس، الثلاثاء، إلى مشاورات من أجل تعديل "مدونة الأسرة" (قانون الأحوال الشخصية المغربي) في غضون الأشهر الستة المقبلة، يتوقع أن يتجدد الجدل حول طبيعة التعديلات المطلوبة وحول مرجعياتها الفكرية والأخلاقية.
وتأتي الدعوة الملكية بعد أزيد من سنة على خطاب العرش الذي قال فيه العاهل المغربي إنه "إذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية"، مضيفا أن "التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها".
وفي هذا السياق، تتباين مطالب المنظمات النسائية والحقوقية وتثير نقاشا واسعا حول المقتضيات التي يجب أن تتضمنها تعديلات مدونة الأسرة، لاسيما ما يخص المساواة في الإرث وفي الولاية القانونية على الأبناء وحذف تعدد الزواج وتجريم زواج القاصرات.
وأمام الخلاف المستمر بين محافظين يدافعون عن ضرورة ارتباط هذه التعديلات بالمرجعية الإسلامية، وحداثيين يشددون على ضرورة استجابتها للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب، تثار تساؤلات حول إمكانية أن تكون 6 أشهر كافية للحسم في أي مرجعية ستعتمدها عليها مدونة الأسرة الجديدة.
رفض الحلول الترقيعية
وفي هذا الصدد، تعتقد رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، سميرة موحيا، أن مدة ستة أشهر كافية لبلورة تلائم وتوافق بين مختلف الفعاليات بالنسبة للتعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، مستدركة أن "ما يلزم فقط هو إشراك حقيقي للحركة النسائية التي تتوفر على تصورات جاهزة لهذه التعديلات".
وتشير موحيا في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن تعديلات مدونة الأسرة يجب أن تنطلق من "واقع معاناة النساء ومكانتهن داخل المجتمع ولا يجب أن تكون مجرد حلول ترقيعية أو مبتورة على حساب قضايا أخرى"، مؤكدة على اعتماد العدل والمساواة ومعالجة المشاكل الآنية للنساء مع استشراف المستقبل.
وبشأن المرجعية التي يجب أن تستند إليها هذه التعديلات، توضح موحيا أن الدستور قد حسم في مصادر التشريع عند حديثه بأن القانون هو أسمى تعبير عن الأمة، داعية إلى الاستناد إلى الدستور والاتفاقيات والالتزامات الدولية لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، تقول موحيا "لا ننفي أن الدين الإسلامي هو هوية وليس مرجعية لكن نطالب بأن يتم اعتماد فقه متنور ينطلق من واقع معاناة النساء المغربيات ويرتكز على مبادئ المساواة لما لذلك من تعزيز للاستقرار والتماسك الأسري".
وتؤكد المتحدثة ذاتها، أنه "لم يعد مقبولا مثلا تعدد الزواج لما فيه من إهانة للمرأة أو زواج القاصرات باعتباره عنفا واعتداء على حقوق الأطفال"، وتضيف أن "عدم المساواة في الإرث لم يعد هناك مبرر لها بعد أن أثبتت المرأة مشاركتها في إنتاج الثروة داخل أسرتها وفي المجتمع بخلاف ما كانت عليه في العصور القديمة".
التشبث بالمرجعية الإسلامية
وفي المقابل، ترى رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، بثينة قروري، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن مدة ستة أشهر هي فقط لصياغة ومحاولة إيجاد التوافقات المعنية بتعديل مدونة الأسرة، مبرزة أن "النقاط التي لم أو لن يتم فيها الوصول إلى توافق سيكون أمرها بيد الملك بصفته أمير المؤمنين".
وتوضح قروري أن الحسم في الخيارات المتاحة لتعديل مدونة الأسرة "ستكون محكومة بالالتزام الصريح لجلالته بصفته أمير المؤمنين بأنه لن يحل ما حرم الله ولن يحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية".
وتضيف قروري أن "الملك أكد حرصه أن يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح والتشاور والحوار وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية".
وتبرز الناشطة الحقوقية أن "المنهجية التي جاءت في الرسالة الملكية هي مواكبة للتطور المؤسساتي الذي عرفه المغرب بعد إقرار مدونة الأسرة باعتبارها نصا تأسيسيا غير قابل للمراجعة إلا في الجوانب القانونية والقضائية بما لا يخل بمرجعيتها التشريعية القائمة على الإسلام".
وتؤكد قروري أن المقتضيات الشرعية تبقى من اختصاص أمير المؤمنين، لافتة إلى أن إمكانيات الاجتهاد تبقى دائما متاحة في إطار الشريعة الإسلامية من طرف علماء مختصين.
المصدر: أصوات مغاربية