تحاول موريتانيا دعم الصناع التقليديين عبر عدة إجراءات من شأنها أن "تعزز التشغيل" وتسهم في تخفيف مشاكل هذه الأقلية، بعد أن طالب ناشطون منها خلال السنوات الماضية برفع "الغبن" عنهم.
انطلقت مساء أمس الجمعة، في العاصمة نواكشوط، احتفالات "الأيام الوطنية للصناعة التقليدية الموريتانية"، التي تنظمها وزارة التجارة والصناعة والصناعة التقليدية، تحت شعار: "الصناعة التقليدية في خدمة التشغيل".
وتهدف هذه الاحتفالية التي تتضمن معرضا تجاريا يدوم خمسة أيام إلى "المساهمة في تنشيط قطاع الصناعة التقليدية، وبعث ديناميكية جديدة فيه، من خلال الترويج لأنشطتها وتطويرها وتثمينها"، بحسب الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية).
كما تسعى هذه الفعاليات بحسب المصدر ذاته لـ "تعزيز المهارات الفنية للحرفيين العاملين في مختلف الشعب، والمساهمة في تعزيز جاذبية المهن الحرفية للشباب"، لتوفير فرص عمل أكثر.
هذه الجهود الحكومية تتقاطع مع سياسة أعلنها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في ٢٠٢١، وعد خلالها بتغيير "ما تعرضت له هذه الفئات في مجتمعنا تاريخيا من ظلم ونظرة سلبية مع أنها في ميزان القياس السليم ينبغي أن تكون على رأس الهرم الاجتماعي".
حماية الحرف المحلية
وتاريخيا كانت فئة الصناع التقليديين المعروفين محليا بـ"لمعلمين" هم صناع كل الآلات والأسلحة والأدوات المستخدمة في المجتمع الموريتاني وظلت على ذلك حتى عهد قريب من بداية الاستقلال عام ١٩٦٠.
وفي إطار مساعي حماية الحرف المحلية التقليدية من الاندثار، تتحرك الحكومة الموريتانية عبر برامج تعريفية وطنية حول التراث الثقافي، الذي يتعرض منذ سنوات لمنافسة شديدة من تدفق المنتجات المستوردة بأسعار رخيصة.
ويقول الباحث في التاريخ الموريتاني شيخنا ولد محمدي، إن هذه الفئة من المجتمع "كانت من أكبر المتأثرين بموجة المادية التي طغت بعد الاستقلال وجعلت موريتانيا مكبا للكثير من الآلات المستوردة".
وأضاف في تصريح لـ "أصوات مغاربية" إن جهود الحكومة الموريتانية "لن تكلل بالنجاح دون وضع سياسات واضحة لتشجيع الصناع والمواطنين على الرجوع للصناعة المحلية".
وذكر المتحدث ذاته أن "كل الأسلحة والأدوات المطبخية والخيم والآلات الموسيقية كان يصنعها لمعلمين في السابق"، وهم "قادرون على صناعة المزيد إذا أعيد لهم الاعتبار".
وتتناقل أجيال هذه الفئة من المجتمع صناعة الخيمة التي تعد إرثا محليا ينتقل عبر الأجيال، فالخيام هي السكن الأصلي للمجتمع الموريتاني البدوي، كما تم تحتها إعلان استقلال البلاد عام 1960.
مرتبة اجتماعية لائقة
وطالب نشطاء أقلية لمعلمين خلال السنوات الماضية بالمساواة كما تحدثوا خلال أنشطة عديدة عن "معاناة كبيرة وتنكر من المجتمع لهم ولإسهاماتهم التاريخية في خدمة الوطن".
وفي رسالة لرئيس الجمهورية ولد الغزواني في ٢٠٢١، لفت نشطاء من هذه الفئة إلى وجود "معاناة مادية ومعنوية لمكونة لمعلمين"، كما عرف تاريخها "حقبًا من المذلة والظلم المنهجيين".
وفي ظل سياساتها لمواجهة هذا الواقع، كانت الحكومة الموريتانية بدأت مشروعا لإنشاء قرية مخصصة للصناعة التقليدية في العاصمة نواكشوط بهدف دعم هؤلاء الصناع التقليديين بمبلغ ناهز حوالي 120 مليون دولار.
في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، يقول الخبير السوسيولوجيا، باب ولد اعل، إن "الصناع" شكلوا منذ النشأة "عنصرا مهما من المجتمع الموريتاني"، وذلك لأنه "قبل عصر العولمة وقدوم المنتجات المستوردة كانوا ينتجون للبلد كل ما يحتاجه من الآلات".
وحول انتمائهم، أوضح ولد اعل في تصريح لـ "أصوات مغاربية" أنهم يعتبرون جزءا مهما من شريحة "البيظان" التي تمثل غالبية سكان موريتانيا التي تتكون من عدة فئات اجتماعية أشهرها "لحراطين" وهم الأرقاء السابقون، و"إكاون" وهم المتخصصون في الفن والموسيقى.
وأضاف المتحدث، وهو رئيس منتدى السوسيولوجيين الموريتانيين، أنه من الغريب "استمرار النظرة المجتمعية التي تحمل نوعا من "الدونية" من الحرف والحرفيين، إذ أنها تشي بـ "استهانة واضحة بالأعمال الحرفية بأصحابها الذين لولاهم لما وصل المجتمع إلى وضعه الحالي".
ويتشكل المجتمع الموريتاني من أربع مكونات عرقية هي العرب (بيضان وسود البشرة "الحراطين")، وتشير التقديرات غير الرسمية إلى كونهما معا يمثلان زهاء ٨٠ في المائة من السكان.
وهناك أيضاً ثلاثة عناصر أفريقية غير عربية معروفة محليا بـ"لكور"، وهم الولوف والبولار والسونونكي، ويمثلون ٢٠ في المئة
المصدر: أصوات مغاربية