سجل المغرب في الأسابيع الأخيرة العشرات من حالات التسمم الغذائي في عدد من مدن البلاد، كان آخرها تسجيل إصابة 27 شخصا بتسمم غذائي بعد تناولهم وجبات سريعة بمطعم بمدينة مرتيل شمال البلاد.
والثلاثاء، قال موقع "هسبريس" المحلي، إن النيابة العامة بمكمة الابتدائية بتزنيت (وسط) أمرت بمتابعة صاحب محل للوجبات الخفيفة في حالة اعتقال وأحالته على السجن بعد تسببه مطعهم في تسمم 38 شخصا نهاية يونيو الماضي.
وفي مراكش، حكم القضاء في الفاتح من الشهر الجاري بالسجن أربع سنوات وغرامة قدرها 100 دولار على صاحب مطعم واثنين من مساعديه في قضية وفاة 6 أشخاص بينهم طفلة و16 آخرين بعد تناولهم وجبة بمطعم أواخر أبريل الماضي.
وأثارت هذه الوقائع المتكررة جدلا في المغرب، وجددت المطالب بضرورة تشديد المراقبة على المطاعم وإغلاق المحلات التي لا تستوفي الشروط الصحية.
وفي السياق نفسه، وجهت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة (أغلبي)، حنان أتركين، سؤالا كتابيا إلى وزير الداخلية، عبد الوافي الفتيت، حول "التدابير الاستعجالية" التي تعتزم الوازرة اتخاذها "من أجل تفادي تكرار مثل هذه الحوادث وتحسين السلامة الغذائية".
وجاء في نص السؤال "شهدت بلادنا خلال الأسابيع القليلة الماضية تسجيل حالات تسمم حادة وسط مستهلكي المأكولات الغذائية خارج المنزل بمدن مختلفة، وصل بعضها للأسف الشديد".
وتابعت "هذا الوضع يسائلنا عن مدى التزام المطاعم ومحلات الوجبات السريعة بمعايير النظافة والسلامة الصحية ونجاعة مراقبتها من قبل السلطات المختصة".
من جانبها، سألت النائبة البرلمانية عن حزب الاستقلال (أغلبي)، سميرة حجازي، وزير الفلاحة والصيد البحري، محمد صديقي، عن "التدابير المتخذة من أجل تعبئة المتدخلين لحماية المستهلك من التسممات الغذائية التي يتعرض لها المغاربة خلال العطلة الصيفية، وكذا المراقبة المستمرة لسلامتها وجودتها".
وتمثل حالات التسمم الناتج عن تناول الأغذية 20 في المائة من مجموع حالات التسمم الواردة على المستشفيات المغربية سنويا، وفق تصريح سابق لوزير الصحة خالد أيت طالب.
وقال المسؤول الحكومي في مداخلة سابقة بالبرلمان العام الماضي إن هذه التسممات "تشكل عبئا ثقيلا على نظام الرعاية الصحية، وتضر بالاقتصاد الوطني والسياحة والتجارة".
ولتجاوز هذا الوضع، يقترح خبراء في المجال وضع إطار قانوني جديد ينظم قطاع المطاعم ومحلات الوجبات الخفيفة، خاصة وأن البلاد مقبلة على تنظيم أحداث كبرى، على مونديال 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
الخراطي: لا بد من التنظيم
تعليقا على الموضوع، قال بوعزة الخراطي رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إن الحوادث المسجلة في الآونة الأخيرة "ما هي إلا حالات وصل صداها إلى الصحافة"، داعيا إلى تنظيم قطاع المطاعم لمنع تكرار هذه الحوادث مستقبلا.
واعتبر الخراطي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن تعدد المتدخلين في القطاع "من أسباب استمرار المغرب في تسجيل هذه التسممات، حيث لا بد من ربط ترخيص المطاعم بتوفر صاحبه والعاملين فيه على شهادة في المجال".
وتابع "الحلاقة مثلا مجال منظم يفرض على العاملين ضرورة التوفر على شهادة تكوين في المجال، بينما قطاع المطاعم مفتوح أمام الجميع دون أي ضوابط أو شروط".
ونبه الخراطي إلى أن هذا الوضع يؤثر على الاقتصاد ويضر بصورة المغرب كوجهة سياحية، ما يفرض ضرورة التحرك لتنظيم المجال، وفق تعبيره.
وأضاف "هذه الإشكاليات ناتجة عن ضعف في التكوين وعن استمرار جهات تمارس السياسة في منح تراخيص المطاعم عوض السلطات المحلية، إلى جانب ضعف مراقبة المطاعم وكيفية تخزينها للمنتوجات الغذائية".
ويقترح المتحدث إحداث مؤسسة مستقلة الحماية المستهلك "للسهر على حماية حقوق المستهلك على غرار الولايات المتحدة وأوروبا، فإذا لم نقم بمراجعة القوانين المنظمة للمجال سنواجه تحديات بحلول عام 2030".
الحراق: نحمل المسؤولية للسلطات
في المقابل، قال نور الدين الحراق، رئيس الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب، إنه يحمل المسؤولية للسلطات المحلية إزاء تكرار حوادث التسمم الغذائي في الأسابيع الأخيرة.
وأشار الحراق، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إلى أن عددا من المطاعم "لا تتوفر على تراخيص من السلطات المحلية، والكثير منها لا تشملها عمليات المراقبة الدورية التي تنظمها السلطات".
وتابع "نطالب منذ سنوات سواء في اجتماعاتنا مع الوزارة الوصية أو مع الفرق البرلمانية بسن قانون ينظم قطاع المطاعم، لا يعقل أن يستمر هذا القطاع في العمل في عشوائية دون مراقبة من السلطات".
ويدعو الحراق إلى تشديد شروط منح التراخيص للمطاعم، مشيرا إلى أن الجامعة بصدد إعداد مشروع قانون منظم للمجال ويجري مناقشته مع الحكومة.
وأضاف "من الشروط التي اقترحناها إجبارية التكوين على الراغبين في افتتاح المطاعم، كما اقترحنا ضرورة استجابة المطاعم لمختلف الشروط والتدابير الصحية للحصول على رخصة الاستغلال".
وختم حديثه بالقول "المطاعم هي واجهة المغرب، وهي أول مكان يقصده السياح بعد وصولهم إلى المغرب، لا بد من وضع حد لهذه الاختلالات ونحن بصدد تقديم تصورنا للوزارات المعنية بالقطاع في قادم الأيام".
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسمية) قد دعا في تقرير أصدره عام 2020 إلى "الانتقال التدريجي من منظومة الحكامة الحالية القائمة على هيئات متعددة إلى منظومة مندمجة بإحداث وكالة وطنية للسلامة الصحية للأغذية".
تثير قضية انتشار وتهريب وإدمان الحبوب المخدرة أو ما يعرف بـ"المهلوسات" تساؤلات عدة عن المنافذ التي يستغلها المهربون في بلد يحده من الجنوب ـ خصوصا ـ دول تشهد توترات داخلية وشريط تصعب مراقبته وتنتشر فيه الجماعات المسلحة والمجموعات المرتزقة.
وتتصدر قضية انتشار الحبوب المهلوسة النقاش في الجزائر، حيث تثير أيضا مخاوف السلطات التي ما فتئت تؤكد أن تسويقها "عملية مخطط لها من قبل أعداء الوطن"، حسب تصريحات متكررة لقائد أركان الجيش الجزائري.
وإذا كان واضحا أن عصابات التهريب وجدت في الجزائر سوقا لترويج "المهلوسات" ومختلف أنواع المؤثرات العقلية، فإن التساؤل عن مصدرها والمناطق التي تتدفق منها يتصدر النقاش. فمن أين تأتي هذه المهلوسات؟ ومن الذي يستفيد من تجارتها؟ ومن هم ضحاياها؟ وما دور الجمعيات المدنية والقوى الأمنية في مكافحتها؟
ما هي المهلوسات
المهلوسات (hallucinogens) هي فئة من الأدوية التي "تسبب تشوهات عميقة في تصورات الأشخاص، وتعمل على تشويه وتكثيف الأحاسيس، ولكن تكون التأثيرات الفعلية متغيرةً ولا يُمكن التنبُّؤ بها"، وفق موقع "صحيفة سلامة بيانات المادة" الطبية (MSDS).
وتنطوي المخاطر الرئيسة للمهلوسات على "التأثيرات النفسية وضعف الحكمِ الذي تسببه، كما لا يُدرك معظم الأشخاص أنهم يهلوِسون ولا يُمكن إقناعهم بهذا"، حسب المصدر نفسه، الذي أشار إلى أنه يمكن الحُصول على المهلوسات من "النباتات أو تكون مواد كيميائية اصطناعية (تركيبية)".
وللمهلوسات تأثيرات صحية متعددة، منها "الغثيان والتقيؤ كما يمكن أن تؤدي إلى تضخم حدقتي العين وتغيم الرؤية والتعرق والخفقان وضعف التنسيق"، ويمكن للجرعة الزائدة منها أن "تؤدي إلى الوفاة"، وفق ذات الموقع.
من أين تأتي المهلوسات؟
وسط تنامي النزاعات الإقليمية في شمال أفريقيا ومنطقتي الساحل والصحراء الكبرى وجدت الجزائر نفسها محاطة ببؤرة غير مستقرة أمنيا وخاضعة لعدة أطراف وجهات أجنبية وإقليمية.
وتتقاطع حدود الجزائر مع مناطق تشهد توترات، مثل مالي والنيجر، فتشترك ولاية عين قزام الحدودية مع هاتين الدولتين، بينما تشترك ولاية برج باجي مختار في الحدود مع مالي، وتحد ولاية تمنراست دولة النيجر.
هذه المناطق تُعد من البؤر الساخنة في منطقة الساحل التي تشهد وجود وحدات تابعة لمجموعة "فاغنر" الروسية، مما يثير الشكوك والاتهامات حول تورط هذه المجموعة في عمليات تهريب واسعة النطاق.
وتشارك مجموعة فاغنر الروسية في "جميع أنواع الأعمال التجارية الغريبة في أفريقيا، من تسهيل التعدين إلى الرشاوى في مبيعات الأسلحة الروسية، مروراً بالاتجار غير المشروع بالأخشاب الثمينة والأعمال غير القانونية الأكثر ربحًا، من تجارة المخدرات إلى تجارة البشر"، حسب ما أكده الجنرال الأكاديمي الإيطالي كارلو جان، لصحيفة "إل جورنالي"، وأعادت نشره وكالة آكي الإيطالية للأنباء في وقت سابق.
وتثير نشاطات مجموعة فاغنر المتواجدة على مقربة من الحدود الجنوبية مخاوف الجزائر، التي كشفت عن فتح هذا الملف مع موسكو. ففي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في أبريل الماضي، إلى أن بلاده "فتحت الموضوع مع روسيا".
وأضاف أنه ناقش الأمر شخصيا مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، حيث تقرر إنشاء آلية تنسيق للنظر في الملف، إلا أن تقارير إعلامية ذكرت أن فاغنر شاركت في أغسطس الماضي، بأعمال مسلحة مع القوات المالية ضد مدنيين على الحدود مع الجزائر.
استغلال وأرباح طائلة
وفي رده على سؤال يتعلق بمصادر المهلوسات، يرى العقيد السابق في الجيش الجزائري، عمر أوجانة، أن تهريبها نحو الجزائر "لا يأتي من مصدر واحد".
وقال لـ"أصوات مغاربية" إن "جهات معادية للجزائر، تقوم بتسويق هذه السموم بكميات معتبرة"، موضحا أن عدم الإعلان عن هذه الجهات رسميا "لا يعني أن السلطات الأمنية تجهلها، بل تعلم هويتها".
ويتابع أوجانة قائلا إن الجهة الثانية التي تقف وراء التهريب "ذات أهداف تجارية تسعى لتحقيق مكاسب مالية ضخمة جراء السوق الجزائرية التي تستقطب هذا النوع من المؤثرات العقلية الخطيرة".
كما يؤكد المتحدث أن الحدود الجنوبية هي المصدر الرئيس لتهريب المهلوسات نحو الجزائر (جانت، تمنراست، عين قزام و برج باجي مختار) وهي المناطق المحاذية لدول الساحل.
ولا يختلف المتخصص في شؤون الأمن والهجرة والتهريب، شهر الدين برياح، عما قاله العقيد أوجانة في الشق المالي، إذ يؤكد أنه "لولا الطلب المحلي على هذه المهلوسات ما تدفقت الأطنان منها سنويا"، وهو ما يعني برأيه أن خلفية ترويجها ذات طابع ربحي، نظرا لعائداتها المالية الضخمة.
لكن برياح وفي تصريحه لـ"أصوات مغاربية" يشير إلى تعدد مصادر المهلوسات التي لا تقتصر عن الجهة التي تسيطر على تجارتها في الحدود الجنوبية للبلاد، بل وتشمل المطارات والموانئ. مضيفا أن الجمارك الجزائرية تصدر سنويا تقارير عن حجز كميات هامة من المهلوسات في المعابر الحدودية.
كميات هائلة
منذ سنوات بدأت أسماء الحبوب المهلوسة في أحياء مدن وقرى الجزائر تأخذ شكلا آخر، وهذا حسب درجة ومستوى تأثيرها في من يتناولها، لذلك يطلق عليها البعض أسماء مثل "الحلوى" و"الصاروخ" و"التاكسي"، بعدما كانت تسمى بأسماء طبية تجارية (بريغابالين والإكستازي..).
أما أسعارها فتتراوح ما بين 500 دينار للقرص الواحد (3.75 دولار) و8000 دينار (60 دولار).
وتظهر الأرقام الرسمية للديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان في الجزائر أن القوى الأمنية الثلاثة (الدرك والشرطة والجمارك) حجزت خلال السداسي الأول من السنة الماضية أزيد من 8 ملايين و100 ألف قرص من مختلف المؤثرات العقلية، بينما حجزت هذه المصالح 4.751 مليون قرص خلال نفس الفترة من سنة 2022، علاوة على قناطير من الأنواع الأخرى من المخدرات.
وفي السداسي الأول من العام الماضي، عالجت محاكم الجمهورية 9600 قضية ذات علاقة بالاتجار وتهريب المؤثرات العقلية، بينما عالجت 17779 قضية تتعلق بحيازة واستهلاك الحبوب المهلوسة.
وفي دراسة للديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان تبين أن أكبر الكميات من المهلوسات التي تم حجزها خلال نفس الفترة كانت بوسط البلاد (2.8 مليون قرص)، والجنوب (2.3 مليون قرص)، ثم الشرق والغرب.
وفي مارس من العام الماضي أحبطت قوات الشرطة محاولة تهريب 1.6 مليون قرص من المهلوسات قالت إنها الأكبر، وكانت محملة على متن شاحنة لنقل مواد تزفيت الطرقات قادمة من ولاية تمنراست ذات الحدود المتاخمة لدولة النيجر في اتجاه الجزائر العاصمة، وكان مصدرها حسب السلطات إحدى دول الجوار بمنطقة الساحل والصحراء الكبرى.
قصة 10 سنوات من الإدمان
وتظهر آثار الإدمان بشكل جلي على تجربة الطاهر الشاب، الذي سلك هذا الرواق في حي أوجليدة الشعبي بمدينة تلمسان (غرب).
ويروي الطاهر دلال لـ"أصوات مغاربية" كيف كانت بدايته بزجاجة الخمر التي أدمن كؤوسها، ولكنه قرر عقب زواجه التخلي عنها مقابل تناول الحبوب المهلوسة.
وكان مستقبل الطاهر على المحك، فقد بدأت نفقاته في تزايد، بينما مصادر دخله محدودة، ورغم ذلك كان يعتقد أن هذا التحول من شرب الخمر إلى المهلوسات سيخفي آثار "النشوة" أمام والده، كما أنها ـ مثلما يقول ـ "بلا رائحة تنبعث منها..".
وعندما لاحظت العائلة تدهور صحته وارتفاع نفقاته المالية، دفعها ذلك لطرح العديد من الأسئلة حول مصدر إنفاقه لمداخيل تجارته الحرة في السوق الموازية، فقرر الإقلاع عن الإدمان، حفاظا على أسرته وزوجته.
ويقول "خضعت للعلاج لدى طبيبة متخصصة بمدينة تلمسان، كنت مؤمنا بقدرتي على الإقلاع بعدما اكتشفت أنني أنهار صحيا، فقد انشغلت بالبحث عن المهلوسات في تلك الفترة".
تظهر آثار الإدمان بشكل جلي على تجربة الطاهر الشاب الذي سلك رواق الإدمان في حي أجليدة الشعبي بمدينة تلمسان (غرب)".
قطع الطاهر شوطا في الإقلاع عن المهلوسات، وخرج من دوامة الإدمان منتصرا، لكنه دخل في مرحلة العلاج من آثار أخرى، فقد أظهرت الفحوصات الطبية التي قام بها أنه بحاجة للمتابعة الصحية الشاملة للتأكد من سلامته.
ويشير إلى أن "المرحلة الثانية كانت التخلص أو معالجة الآثار الصحية والطبية للسموم التي كنت أتناولها".
ولم يتوقف الطاهر عند مرحلة التخلص من الإدمان وعلاج تبعاته، بل اهتم بتوعية أقرانه المتورطين في مستنقع الحبوب الهلوسة.
وفي هذا الصدد، يؤكد أن نحو" 15 شابا خضعوا للعلاج وتعافوا من الإدمان بعدما أقنعهم بالإقلاع عن الحبوب وسلك مسار صحي والاندماج في المجتمع، وهذا منذ السنة الماضية".
رحلة مكافحة الإدمان
وتمتد رحلة محاربة الإدمان إلى الجمعيات المدنية وهذه المرة في مدينة الرمشي القريبة من تلمسان الحدودية مع المغرب، حيث يقود بومدين بلبشير (58 سنة) نشاطات، الجمعية الوطنية لتكوين وتشغيل الشباب وتطوير المحيط الاجتماعي، المعتمدة من قبل الديوان الوطني لمكافحة المخدرات كشريك رسمي.
ورغم ثقل المهام التي تتابعها الجمعية مع المؤسسات الصحية وهيئات التشغيل وتخص بعض المدمنين الذين اقتنعوا بضرورة الإقلاع عن المهلوسات، فإن بومدين برشاقة الشباب لا يتوانى عن متابعة كل صغيرة وكبيرة.
وأشار، في حديثه لـ "أصوات مغاربية"، إلى أن الأهم في القصة هو "انتشال الشباب من بؤرة الإدمان"، مضيفا أن الجمعية تمكنت من معالجة 8 حالات من أصل 12 حالة لمدمنين شباب خلال الفترة الأخيرة.
وبكثير من الإسهاب تحدث بومدين بلبشير عن شبكات ترويج المهلوسات، مشيرا إلى إمكانيات مافيا المهلوسات "الضخمة من حيث القدرة على الترويج للحبوب"، مقابل "قلة إمكانيات" جمعيته التي يتبرع أعضاؤها في كل مناسبه بما يستطيعون لتمويل حملات التوعية والتحسيس ومكافحة الإدمان.
بومدين بلبشير ناشط في مكافحة الإدمان غرب الجزائر
مكافحة وتوعية
ويدعو بلشير السلطات إلى "دعم الجمعيات المدنية بالإمكانيات الضرورية لمواجهة الإدمان"، لأنها برأيه "قضية تستهدف مع سبق الإصرار ملايين الجزائريين الشباب".
لكن الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان سجل هو الآخر آلاف الحالات حيث تقدم 19701 مدمنا للعلاج خلال سنة 2021 من بينهم 2154 امرأة.
وارتفع عدد المدمنين الراغبين في العلاج إلى 27173 شخصا سنة 2022 من بينهم 5174 امرأة، بارتفاع قارب 38 بالمائة، ولم تكشف السلطات عن الرقم الرسمي لتعداد المدمنين على المخدرات بكافة أنواعها في البلاد.
علامات الإدمان
تؤكد أخصائية علم الاجتماع والعلاقات الأسرية، بجامعة الجزائر، أمال حفصة زعيون، أن دور الأم أو الزوجة في الحفاظ على استقرار أسرتها أساسي، خصوصا وقاية أفرادها من مختلف الآفات، وذلك عن طريق "مراقبة تغير السلوك والعادات اليومية، كأن يصبح الابن أو الزوج أكثر عزلة، أو عنفا في السلوك أو شاحب الوجه، شارد الذهن".
وتنصح أمال حفصة زعيون، في حديثها لـ"أصوات مغاربية"، الزوجات والأمهات بمراقبة الملابس وتفحص الأشياء التي يحوزها الزوج أو الابن، إلا أنها تشدد أيضا بالنسبة للأبناء على دور الأب، الذي عليه متابعة أبنائه والسؤال عنهم وعن أصدقائهم.
وتشير المتحدثة أن اكتشاف إدمان الابن مثلا يشكل "صدمة كبرى" للأم، لذلك "عليها أن تكون مستعدة لنقل الحديث مع ابنها لجهة ثانية، قد تكون أحد المختصين، أو أقرب مركز لعلاج الإدمان من المهلوسات"،
كما تنصح بـ"طرح كافة العوامل التي تكون قد أدت لإدمان الابن بكل شجاعة لمساعدة الأخصائيين على العلاج".
ويختلف الأمر بالنسبة للزوج المدمن، حيث تنصح الأخصائية الأسرية الزوجة "الاستعانة بأحد أفراد عائلة الزوج من أهل الثقة لإقناعه ومتابعة علاجه في مركز متخصص أو لدى أخصائي.
"قصة لا تنتهي
لا يبدو أن لقصة الإدمان على المهلوسات نهاية، فهي رواق من الصعب تحديد مخارجه، نظرا لتحكم جهات منظمة في بيعها وتوزيعها، كما أنه لا يمكن تحديد عائداتها المالية التي تفوق ملايين الدولارات سنويا.
كما أن الإمكانيات المتاحة للتحسيس لازالت متواضعة مقابل رقعة انتشار الإدمان على الحبوب المهلوسة التي تحولت إلى جزء من يوميات بعض الشباب.
ورغم المحجوزات الضخمة لملايين الأقراص المهلوسة سنويا من قبل القوى الأمنية، فإن هذا الحل بقي مجرد جزء بسيط من معادلة معقدة، إذ لم يؤد إلى أي حلول نهائية بإمكانها كسب حرب المهلوسات.