تحيي تونس، اليوم، الذكرى 66 لاستقلالها عن الاستعمار الفرنسي الذي دام 75 سنة، بعد توقيع بروتوكول استقلال تونس في الـ20 من مارس عام 1956 الذي وضع حدا للحماية الفرنسية.
موقع هذا البروتوكول عن الطرف التونسي، هو الطاهر بن عمار، والذي كان أول وزير أول في تونس بعد الاستقلال، حيث ظل في هذا المنصب لمدة قصيرة، ما بين 20 مارس 1956، و11 أبريل من نفس السنة، قبل تسليم مقاليد الحكم للرجل القوي حينما في الحركة الوطنية التونسية، الحبيب بورقيبة.
فمن يكون بن عمار؟، خصوصا وأنه كان من أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في تونس ما بعد الاستقلال، ووجهت له تهم الخيانة والعمالة للاستعمار بعد أن أحكم بورقيبة يده مقاليد الحكم.
البرجوازية الوطنية
يتحدث المؤرخ التونسي، عبد اللطيف حناشي، عن المراحل الأولى لدخول بن عمار للسياسة، ويقول إنه "بداية من سنة 1920، قام عبد العزيز الثعالبي بضم كبار الملاك والبرجوازية والأعيان المقربين من السلطة الاستعمارية والقصر، ذوي النفس الإصلاحي، حيث كانوا شخصيات رأسمالية وطنية كمحمد شنيق والطاهر بن عمار، وساهموا في بناء اقتصاد وطني واندمجوا في الحركة الوطنية".
ويتابع حناشي، ضفي حديث لـ"أصوات مغاربية"، أنه "مع تطور الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية والانتقال للمطالب السياسية وارتفاع نسبة التمدرس ووجود طاقات تونسية في الإدارة والمؤسسات الاقتصادية وبروز منظمات جماهيرية ومجتمع مدني، اندمجت البرجوازية في الحركة الوطنية التونسية".
ويضيف المؤرخ التونسي، أن بن عمار وعددا ممن كانوا مثله، "لعبوا دورا متميزا وساهموا في مؤتمر الاستقلال خلال غشت 1946، بعد أن عمل الحزب الحر الدستوري بقيادة الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف على استقطاب مختلف الطاقات، ولم تكن الحركة الوطنية تنظيما طبقيا، وإنما جمعت بين مختلف الطبقات من أجل استقلال تونس".
ويضيف المتحدث ذاته أن الحكومات التي بدأت منذ سنة 1949، كانت بقيادة شخصيات وطنية تنتمي للرأسمالية التونسية كابن عمار، "ولعبت دورا مزدوجا حيث كانت لها علاقات مصالح مع الاستعمار كما كانت رموزا وطنية تنادي بإصلاحات عميقة، موردا أن "مؤتمر الاستقلال طرح المناداة بالاستقلال، لكن الحركة الوطنية اعتمدت سياسة المراحل، وبدأت بالسعي للحكم الذاتي وهنا أتى دور بن عمار وكان رئيسا للحكومة".
ويضيف حناشي "لم يكن بن عمار خائنا أو عميلا وإنما يتعامل مع الاستعمار كما يقوم بورقيبة والقيادات الأخرى، وهذا ما نقرأه في كتاباته حينما يؤكد بورقيبة أنه ليس عدوا لفرنسا وإنما صديقا ويسعى لبناء دولة مستقلة".
بين الأعيان والحركة الوطنية
ويقول المؤرخ التونسي، علية عميرة الصغير إن "الطاهر بن عمار لم يكن من الحزب القائد للحركة الوطنية، بل كان من أعيان البلاد والملاك الكبار قبل الاستقلال، وكان ممثلا لأعيان تونس ولم تكن له علاقة مع الحكم".
بخصوص مسألة انتقال بن عمار من طبقة الأعيان لكي يكون موقعا على بروتوكول الاستقلال، يشير الصغير في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إلى أنه خلال خمسينيات القرن الماضي، "بدأت الحركة الوطنية في التوجه لعدد من الشخصيات، حتى إلى أولئك الذين كانوا يترددون في دعمها".
وبعد تشكيل حكومة التفاوض بخصوص استقلال تونس سنة 1954، يضيف الصغير، "كانت هناك موازنة بين الحركة الوطنية والأعيان من أجل ضمان مصالح فرنسا ومصالح الأعيان"، وفق تعبيره.
المتحدث ذاته، يقول إن "اختيار بن عمار يعود إلى كونه كان يتمتع بثقة الأعيان وفرنسا، ولم يكن يستطيع الذهاب بعيدا في التفاوض"، مضيفا أن "الموقع الحقيقي على بروتوكول الاستقلال كان هو الحبيب بورقيبة".
تهمة الخيانة
أما بالنسبة للدور الذي لعبه بن عمار في المشهد السياسي التونسي في مرحلة ما بعد الاستقلال، فيشير علية عميرة الصغير، إلى أن بن عمار لم يكن له أي دور في تلك المرحلة، "بل كانت تلاحقه تهمة الخيانة واعتبر من الطبقة التي كانت تدعم الاستعمار الفرنسي قبل أن ينال العفو".

وكان الطاهر بن عمار من الذين تقربوا من الحبيب بورقيبة، إذ يعلق المحلل السياسي التونسي، الأمين بوعزيزي على ذلك، بالتأكيد أن "الذين اقتربوا من بورقيبة، كانوا يمثلون الجناح المهادن والذي كان متناقضا مع صالح بن يوسف، وهذا الجناح هو الذي وضع يده على مرحلة ما بعد الاستقلال".
ويورد بوعزيزي في حديث لـ"أصوات مغاربية"، بأنه "لم تسجل وقفات كبيرة لبن عمار في الحركة الوطنية".
وبخصوص علاقة بورقيبة مع بن عمار بعد الاستقلال، فيقول بوعزيزي إن "بورقيبة اعتمد سلاح التخوين ليس فقط مع المختلفين معه، وإنما كذلك مع من التف حوله في فترة معينة، وقد قام بذلك مع المناضلة الكبيرة راضية حداد"، مضيفا أن "الثقافة السياسية في تلك الفترة، كانت تقوم على التخوين وتصفية رفاق الدرب وتصفية كل صوت يمكن أن يحاسبه أو يختلف معه".
المصدر: أصوات مغاربية