شهادة نادرة.. والدة إيدير كانت تجهل بأنه صاحب "أفافا ينوفا"
في شهادة نادرة على البدايات الأولى للفنان الجزائري الراحل، إيدير، تحدّث المخرج محمد أوقاسي، عن كواليس أول لقاء جمعه بإيدير يوم كان الأخير طالبا جامعيا يبيع البرانس وورود الرمال ويغنّي خفية عن والدته، احتراما لها.
وكتب أوقاسي على صفحته في فيسبوك، قائلا "المطرب الراحل إيدير كان من الذين خطوْا معي أول خطوة في مسيراتهم الفنية، وأنا أعتز بأني كنت وراء أول ظهور لهم على الشاشة".
يقول أوقاسي "كنت أبحث عن الوجوه الجديدة في الأغنية القبائلية وقد كانت مغبونة في ذلك الزمن لأقدمها إلى الجمهور وأساعدها على النجاح. كنت أختار بعناية في مكتبة الأغاني بالإذاعة الأغاني الجميلة الجديدة، التي أشم فيها رائحة النجاح. وهناك عثرت على شريط به أغنيتان: ثسكورث بمعنى الحجلة، وأفافا إينوفا بمعنى يا أبي. أما (فا) في الأخير فقد أضيفت للضرورة الموسيقية".
ويذكر صاحب الشهادة بأن موظفي مكتبة الأغاني أخبروه بأن شريط "أفافا ينوفا" سجله شاب هاو يسمي نفسه إيدير!
يقول أوقاسي "بحثت عنه حتى التقيت به في دكانه قرب فندق السفير، أين رفض رفضا قاطعا الظهور على شاشة التلفزيون. كان يبيع البرنوس ووردة الرمال la rose des sables وأشياء تقليدية في أوقات فراغه من الدراسة بالجامعة، وكان يصغرني بأقل من عامين".
حاول أوقاسي أن يقنع الشاب إيدير بالغناء في التلفزيون لكن طلبه رفض رغم الإلحاح، وبعد أسبوع -يقول أوقاسي- عدت إليه بأسلوب بيداغوجي وقلت له "ما جئت لأطلب منك التصوير للتلفزيون. جئت فقط لأرضي فضولي وأنصرف. فابتسم مستغربا وقال لي : كيف؟ فقلت : كل الشباب يستعملون المعريفة (الوساطة) وشتى الطرق للظهور على شاشة التلفزيون، وأنت يأتيك التلفزيون فترفضه! أرجوك أن تصارحني فقط ما سبب رفضك؟"
ويسترسل صاحب الشهادة النادرة "اعتدل في جلسته وقال: واحٍد؛ إني أحب والدتي وأحترمها كثيرا. هي محافظة وتحتقر مهنة الفن وأهله، لذلك سجلت شريطا باسم مستعار لأُرضي رغبتي دون إغضاب والدتي، وهي معجبة بالأغنية وأحيانا ترددها عند سماعها لكنها لا تعلم بأن المغني إيدير هو ابنها حميد، لذلك أريد أن أبقى في الخفاء احتراما لها. اثنان، الفتاة التي سجلت معي الأغنية لو يعلم بها أبوها، فسيذبحها من الخلف قطعا".
ضحك أوقاسي واسترسل في الضحك، فتعجب إيدير منه وقال له: هل هذا أمر يضحكك؟ فردّ: نعم.
وفاجأ أوقاسي محدّثه قائلا "أتعلم أننا نعيش نفس القصة! أنا كنت أدرس الموسيقى والعزف على الكمنجة في معهد الموسيقى ومازلت، وأدرس الرسم في معهد الفنون الجميلة وأشتغل في الإخراج في التلفزيون خفية عن والدي. كان يعتقد دائما أنني معلّم، فالفن عنده (شطيح ورديح) وعيب.. إلى أن شاهد في أول نوفمبر الماضي أوبرات وطنية أعجبته. وفي الغد هنّأه جارنا وقال له إن ابنك شرّف حيّنا، فغضب والدي وظن أن الجار يمزح معه، ورد عليه لا تسخر مني، ابني يشتغل في التعليم ولا علاقة له بالفن".
وتابع أوقاسي "ثم جاء جار ثان بيده جريدة وقال لوالدي: العمل الذي قدمه ابنك البارحة شكروه عليه في الجريدة وكتبوا عنه فقرة طويلة، ومنذ ذلك اليوم تغيرت فكرة والدي عن التلفزيون، وهذا ما يجب عليك أنت فعله كي يتغير رأي والدتك بشهرتك بين جيرانها، بعد أن تدخل على قلبها الفرحة والفخر بك".
هنا فكّر إيدير ثم سأل أوقاسي "طيب. وما العمل مع الفتاة؟ فقلت له: أنت قل نعم، أما الفتاة فحلّها عندي".
ويكشف أوقاسي في شهادته بأنه جاء بفتاة جميلة عمرها 16 سنة كاملة القدّ طويلة الشعر اسمها زهرة، ظهرت وغنت بنجاح مع إيدير في الصورة فقط بدل الفتاة نصيرة صاحبة الصوت الأصلي، والتي صارت مغنية مشهورة هي أيضا واسمها زهرة نسومر.
ويختم المخرج محمد أوقاسي "بُثّت الأغنية في حصة ألحان وشباب ليلة 5 يوليو بمناسبة عيد الاستقلال سنة 1974، ونالت نجاحا كبيرا وترجمت لعدة لغات، وشق إيدير طريق النجاح علنا أمام والدته في أغان قبائلية أطربت الجميع من كل الأطياف والأعراق، باختياره الجمل الموسيقية الجميلة جدا في أغانيه".
- المصدر: أصوات مغاربية