Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

ترند

"البوراك".. الجذور التاريخية لـ"مدلّل" مائدة رمضان بالجزائر

06 مايو 2020

يفترش البوراك صدر مائدة رمضان الجزائرية، "مدلّلا" بين أنواع الأطعمة من شربة وحريرة وطاجين جبنٍ، وكأنه يقول لها "لن يستلذ أحد طعمكم إلاّ في حضرتي.. إلا وهو يقضم مني قضمة قبل أن يرتشف منكم رشفة أو يحتسي حسوة.. أنا سيد المائدة ومدلّلها".

يحرص الجزائريون على أن لا يغيب البوراك عن موائدهم في الشهر الفضيل، ويعتقد بعضهم أنه "اختراع" محلي خالص ونادر، لكن الحقيقة ليست كذلك.. فالبوراك - مثلما يقول الباحث الجزائري فوزي سعد الله - سيد الموائد منذ قرون خلت. فما قصته؟

بوراك جزائري مُنفتح

يقول سعد الله في مقال بعنوان " في فقه البوراك وأصول حشوه باللُّحوم والأجبان والأسْماك"، إن البوراك "ليس غريبا عن عوالم الفلاسفة الكِبار كأفلاطون وأرسطو وبعدهم الفارابي والغزالي وابن رشد وابن طفيْل، لأنه على بساطته يرافق موائد البشرية منذ آلاف السّنين".

ويضيف "رغم كل قدره وجلاله فإن البوراك ليس سوى أُكْلة لفتح الشَّهية والانطلاق في الأكل بِنَهَم، لاسيَّما خلال الإفطار حول موائد رمضان. وباستثناء فترة شهر الصِّيام، قد يُكرِّمُه البعض للرَّفع من شأنه ومقامِه بتحويله إلى الوجبة الرئيسية الدَّسمة عند الغداء أو العشاء بعد البدء بسلاطة من السَّلاطات التي ورثناها عن أجدادنا في الأندلس والمغرب الإسلامي والمشرق، وما بعد المشرق، مثلما هي مُصَنَّفة في عِداد البَوَارِد في (فضالة الخوان من طيبات الطعام والألوان) لابن رزين التُّجيبي الأندلسي وفي (كتاب الطبخ) لابن سيَّار الوَرَّاق البغدادي و(كتاب الطبيخ) لمحمد بن حسن البغدادي".

والبوراك في الجزائر، منفتح على مَن يرغب في إثرائه بلمسات تُكيِّفُه مع الأذواق والعادات الغذائية لمختلف الحواضر والبلدات والأرياف؛ فهو في العاصمة، مدينة سيدي عبد الرحمن الثعالبي، محشو أساسا باللَّحم المَفْروم المتوبَل وبالبقدونس أو حتى بلحم الدجاج. وفي مدينة عَنَّابَة، في شمال شرق البلاد، يُفسِح في جوْفِ البوراك اللّحمُ المفروم المتوبَل، مضطرا، هامشًا غير ثانوي، بل مُعتَبَرًا، للبطاطا المعجونة أو المَرْحِيَّة تَكيُّفًا مع الذوق المحلي وإلا لَخاطر بفقدان شرعية الانتماء لهويته العَنَّابِيَة، يقول سعد الله.

وأيضا قد ينفتِح على التُّونَة والجَمْبَرِي ومختلف الأجْبَان والزَّيتون والبيض، وحتى على الهَرِيسَة والفلْفل والبَصَل في حال اقتضتْ ذلك أذواق الطَّابخِين المُبدِعين وإمكانيات المُسْتَهلِكين. 

وعن طرق طهيه، كتب سعد الله "يُقلَى في المقلاة مثلما قد يُطهَى في الفُرْن حسب هوى الطَّابِخ أو الطَّابِخة"، وعن شكله ذكر بأنه منفتح على عدة أشكال هندسية "قد يتّخذ شكل سجائِر غليظة، وقد يُفضّل أن يكون مربّعا أو مستطيلا، كما قد يتصدرَ الموائد دائريا أو نِصف دائري، وقد يصبح حلزونيا ذات يوم كما هو شأنه في بعض الأقاليم التركية وفي بعض جِهات البلقان".

البوراك والأتراك

ويغوص صعد الله في تاريخ "المُدلّل" فيقول "مؤكَّد هو أن البوراك شائع في مختلف جهات البلاد الجزائرية منذ العهد العثماني، على الأقل، ويُحتمَل جدا أن انتشاره جاء مع العثمانيين الذين انضوتْ الجزائر تحت رايتهم في أعقاب سقوط غرناطة عام 1492م".

ويضيف "البوراك الذي نعْرِف في الجزائر، والذي اشتققْنا منه في بلادنا وفي دول الجوار المغاربي شبيها ينْحدِر من سُلالته يُعرَف بـ: البْرِيكْ، هو دون أدنى شك وباستثناء بعض التفاصيل واللمسات المحلية، نفسُه البُورَاكْ (Börek) التركي، على غرار (Sigara Böreği (سِيجَارَة بُورَاتْشِّي) أو Kalem Böreği أو (قَلَمْ بُورَاتْشِّي) ، خرِّيج المَقالِي أو الأفْرَان والمحضّر بالعجين المُوَرّق أو غير المُوَرّق، وله عشرات بل مئات النسخ التي لا تتباين إلا في التفاصيل الطفيفة في بلاد البلقان وشرق ووسط أوروبا حتى أرمينيا وجورجيا وليتوانيا وأوكرانيا وروسيا.."

ويسترسل الباحث الجزائري "كل المؤشرات التاريخية والاجتماعية تَصْدَحُ بِمِلْءِ فِيهَا مُؤكدةً أن البوراك انتشر، أو بالأحرى بدأ ينتشر، قبل أكثر من 500 سنة في العالم المتوسطي وفي آسيا الوسطى وشرق أوروبا على يد الأتراك، عندما كانوا يُقيمون في آسيا الوسطى قبل انتقالهم إلى الأناضول وتحديدا إلى تركيا التي نَعرِف اليوم. وحتى الأسماء التي تُطلق على البوراك في كل البلدان التي رَسَّخَ فيها أقدامَه، من المغرب والمشرق العربييْن إلى جنوب أوروبا وآسيا الوسطى، كُلُّها اشتقاقاتٌ وتَكييفات، كما قلْنا، لاسْمِهِ التركي "بوراك" (Börek)".

ويقول في السياق ذاته بأن البُورَاك "عَرَفَتْهُ مناطق في آسيا الوسطى منذ القرن التاسع الميلادي، كما تؤكد مصادرُ متخصصةٌ في فنون الطَّبخ وتاريخِها أن أحدَ أقْدَم ذِكْر للبُورَاك موجود في نَصٍّ يَعُودُ إلى القرن 13م لِمولاَنَا جلال الدين الرومي، حسب بْرِيسِيلْيَا مَارِي إيشِين (Priscilla Mary Išin) في دراستها (Yufka : Food For The Cook’s Imagination) المنشورة عام 2013م في بريطانيا في الكتاب الجماعي (Wrapped & Stuffed Foods: Proceedings of the Oxford Symposium on Food and cookery 2012)، وفي اللغة التركية القديمة يعود ذِكْر البوراك على الأقل إلى القرن 14 ميلادي". 

ويستند سعد الله على آيلَة آلْغَارْ، الاستاذة التركية المحاضِرة في جامعة كاليفورنيا، التي أوردت في كتابِها Classical Turkish Cooking (الطَّبْخُ التركي الكلاسيكي) الصادر عن مارْكْ مَاكْ وِيلْيَامْسْ (Mark Mc Williams) عام 1999م، للتدليل على الجذور التركية للبوراك من وجهة نظرها، بأن استهلاكَ البورك في وقت معيّن بلغ من الشعبية في مدينةِ إسطنبول أن عددَ محلاّت بَيْعِ البوراك فاق نظيرَه من المَخَابِز بِنِسبة 4 آلاف محلّ بوراك مقابل 1000 مخبزة فقط. 

البوراك.. بيزنطة والآشوريون

ويكشف الباحث الجزائي بأن البوراك "حَضَرَ قبل قرون معزّزا مكرّما كوجبة كاملةِ العضوية على الموائد في شهر نوفمبر من العام 1539م خلال احتفالات خِتان نجْل السلطان سليمان القانوني، لاسيما البُوَراك المحْشُو بلحمِ الدَّجاج أو بالبيض"، ويستطرد "ربما هذا الاقتران بالمجالس والموائد السُّلطانية هو الذي يَقِفُ وراء المَثَل الشعبي الذي ما زال الأتراكُ إلى اليوم يرددونه بالقول: لَسْتُ غنيًا بِمَا يَكْفي لِأتَنَاوَلَ البُورَاك والبَاقْلاَوَة يوميًا".

ويورد أيضا، استناد إلى مصادر عثمانية وغربية، بأن البوراك "في أوْج ازدهار فن الطبخ العثماني خلال القرنين 16م و17م، كان يُحشى باللحم المفروم وبالأجبان وبالأنشوفة، أو الآنْشْوَا كما يُقال له باللغة الفرنسية، وبلحم الدجاج وبالبصل ومختلف الخضر، وحتى بالمشمش المُجفَّف والتَّمر والكسْتنَاء والتُّفَّاح، حتى بَلَغَتْ أنواعُ البُورَاك في مُختلف الأقاليم التركية المِئَات وفْقَ ما تَتَضَمَّنُهُ هذه الأُكلةُ في جوْفها وحسب أشكالها الهندسية وأساليب طهيها بالقلي أو في الفرن أو حتى بالتَّغلية في الماء".

ويذهب سعد الله بعيدا في أغوار التاريخ، عندما لا يستبعد أن يكون البوراك قاد عرف منذ بيزنطة وحتى الآشوريين، حيث يقول "ألا يُمكِن أن يكون شَهِدَ الميلادَ في فترةٍ أبْعد من عهدهما قبْل أكثر من 4 آلاف سنة من عَهْدِنَا ما دُمْنَا نَعرِف أن من بين أنواع البُورَاك السائد في العالم اليوم نوعٌ يُعْرَفُ بـ"البوراك الآشوري"؟

وختم صاحب المقال قائلا "هذا هو البوراك إذن. غذاء، تاريخ، حظوة في مجالس الحُكَّام والسلاطين، مُرونة وانفتاح على كل الطبقات وعلى جميع الأمم والثقافات، استيعاب لكل الحضارات، وتَشَبُّثٌ لا يتزعزع بالأصالة والذَّات...فالبوراك يبقى البوراك حيثما ما ارتحل عبْر القارات والأعراق والديانات".

 

  • المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

جانب من الاضرار التي خلفتها فيضانات نهر السنغال. المصدر: وزارة الزراعة الموريتانية
جانب من الاضرار التي خلفتها فيضانات نهر السنغال. المصدر: وزارة الزراعة الموريتانية

سادت حالة من الحزن على منصات التواصل في موريتانيا بعد إعلان وفاة ضابط صف شاب خلال مشاركته في إنقاذ وإغاثة المتضررين من فيضانات نهر السنغال في أقصى جنوب البلاد.

وقالت وسائل إعلام محلية إن الأمر يتعلق بضابط شاب في البحرية الموريتانية يدعى محمد بن عوف كان ضمن كتيبة مكلفة بمساعدة المتضررين من فيضانات النهر الذي يقع على الحدود بين موريتانيا وجارتها الجنوبية السنغال.

ووصف موقع "المنصة" المحلي الحادث بـ"المأسوي"، فيما عبر المتضررون من الفيضانات عن تقديرهم لتضحيات أفراد الجيش لإنقاذهم من السيول.

وبينما لم يصدر حتى الآن بيان رسمي بخصوص الواقعة من الجهات الرسمية، تفاعل موريتانيون على مواقع التواصل الاجتماعي مع خبر وفاة الضابط الشاب ووصفه بعضهم بـ"البطل".

وكتب مدون "انتقل إلى رحمة الله تعالى (محمد ولد بنعوف) أحد الأبطال من قواتنا البحرية الوطنية بعدما غرق قاربهم أثناء مهمة أمنية وإنسانية ووطنية لإنقاذ سكان الضفة".

وقال آخر "قواتنا البحرية تقوم بجهد هام في إنقاذ السكان وممتلكاتهم من مخاطر ارتفاع منسوب النهر وقد فقدت أمس أحد أبطالها وهو الشاب البطل محمد بن عوف الذي ضحى بحياته من أجل أن ينعم سكان الضفة بعيش رغيد".

أما السيد الشيخ فتساءل عن أسباب غياب نعي رسمي للشاب ودعا الجهات الرسمية لتقديم واجب العزاء لأسرته وتشييعه وفق المراسيم العسكرية.

كما فتحت وفاة الشاب النقاش من جديد حول آليات الإغاثة والانقاذ في موريتانيا، وطالب مدونون بتكوين فرق متخصصة في مواجهة الكوارث.

وأدت فيضانات نهر السنغال في الأيام الأخيرة إلى نزوح مئات الأسر الموريتانية المستقرة على ضفافه إلى مناطق أخرى، بعد أن حاصرت المياه أزيد من عشرين قرية وقطعت معظم الطرق المؤدية إلى هذه القرى.

ونهر السنغال هو أحد الأنهار الرئيسية في غرب إفريقيا، ويمتد بطول حوالي 1800 كيلومتر من مرتفعات غينيا حتى يصب في واجهة السنغال بالمحيط الأطلسي، عابرا الحدود مع موريتانيا التي تعتمد عليه بدورها في حاجاتها المائية.

وفي زيارة للمناطق المتضررة من ارتفاع منسوب النهر الأسبوع الماضي، قال وزير الزراعة والسيادة الغذائية، أمم ولد بيباته، إن الفيضانات خلفت "أضرارا كبيرة" بالمزارع والقرى المحاذية للنهر.

وأضاف في تصريحات صحفية أن السلطات استعانت بالجيش في الساعات الماضية لنقل المتضررين إلى أماكن آمنة "تفاديا للمزيد من الأضرار الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه النهر".

والأربعاء، قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية) إنها تشعر بـ"قلق عميق" إزاء الأضرار التي خلفتها الفيضانات الأخيرة لنهر السنغال، وقالت إن هذه الظواهر الطبيعية "تشكل تهديدا خطيرًا للسكان المقيمين على ضفاف النهر، ومن الضروري اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة ورفاهية هؤلاء السكان".

المصدر: أصوات مغاربية