على غرار العديد من البلدان حول العالم، وبعد ما يقارب الشهرين على إعلان المغرب حالة الطوارئ الصحية، يسود القلق من التبعات الاقتصادية الناتجة عن جائحة فيروس كورونا المستجد.
فنتيجة لهذه الوضعية توقفت عدة أنشطة اقتصادية، بينما قلصت أخرى من حجم إنتاجها وبالتالي من حجم يدها العاملة، ما دفع المملكة إلى إطلاق حزمة من الإجراءات الهادفة إلى الحد من تداعيات هذه الأزمة سواء على المقاولات أو على الأجراء.
وفي هذا الإطار، رصد مشاركون في ندوة رقمية حول "تداعيات الجائحة على الاقتصادين الوطني والدولي وسبل معالجتها"، نظمتها "شبيبة العدالة والتنمية" أول أمس الخميس، عدة إشكالات وتحديات تواجه الاقتصاد المغربي في ظل هذه الظرفية غير المسبوقة، كما رصدوا في المقابل أيضا مجموعة من الفرص التي يرون أنها قد تمكن الاقتصاد المغربي من تجاوز محنته.

"فرص للخروج من الجائحة بإمكانات أكبر"
"حوالي 70% من المقاولات في المغرب تضررت وتوقفت أنشطتها كليا أو جزئيا" يقول المحلل الاقتصادي والأستاذ الجامعي، عبد النبي أبو العرب، مشيرا في السياق نفسه إلى أن "ما يقرب من المليون أجير توقفوا عن العمل".
كما أنه "من المتوقع أن تكون نسبة النمو في البلاد سالبة بنسبة 3% على أحسن تقدير" يقول أبو العرب، إذ "من الممكن أن تكون أكثر سوءا إذا طالت الجائحة".
في ظل هذا الوضع، يشدد الاقتصادي المغربي على أن الرهان يتمثل في "الحفاظ على الشركات من الإفلاس" و"الحفاظ على الرأسمال البشري"، مشيدا في السياق بالإجراءات والمبادرات التي أطلقها المغرب، من قبيل دعم الأسر والفئات الهشة.
في الوقت نفسه يؤكد المتحدث بأن "المغرب لديه فرص كبيرة للخروج من الجائحة بمقدرات وإمكانات أكبر".
إحدى تلك الفرص "التي يجب القفز عليها" وفق أبو العرب، تتمثل في "اقتناع أوروبا والاقتصاديات الكبرى أن الارتباط بالصين أصبح مشكلة وأزمة في حد ذاته" و"اقتناع الجميع بضرورة تنويع الفرقاء الاقتصاديين".
ويتابع المتحدث مشددا على أن للمغرب إمكانيات كبيرة في ذلك الإطار ستمكنه من "العودة إلى الساحة الاقتصادية الدولية".
الفرصة الأخرى تتمثل في "الاقتصاد الرقمي" الذي برزت أهميته في ظل هذه الأزمة، وهو ما يثبته كون "الشركات الوحيدة التي حققت أرقاما إضافية في معاملاتها، في هذه الظرفية، هي تلك التي كانت منخرطة كليا في هذا الاقتصاد".
تبعا لذلك يشدد المتحدث على ضرورة أن "يُحدث المغرب القفزة الرقمية اللازمة" التي "ستمكنه من دعم نسيجه الاقتصادي والإنتاجي بدعامات إضافية للتنافسية الدولية".

"ضد الاستدانة المفرطة ومع الحكامة التقشفية"
رغم أنه يرى بأن المغرب والعالم لم يصل بعد إلى مستوى "الأزمة الاقتصادية الكبيرة والشاملة" إلا أن الخبير الاقتصادي والباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، رشيد أوراز، يؤكد أن الأزمة الحالية تفرض ثلاثة تحديات آنية على الاقتصاد المغربي.
أولى تلك التحديات يتمثل في "حرمان ميزانية الدولة من جزء مهم من الموارد الضريبية نتيجة توقف نشاط عدد كبير من الشركات والمقاولات"، وثانيها يتمثل في "انخفاض ما يتم تحصيله من العملة الصعبة نتيجة انخفاض تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج" خصوصا وأن نسبة مهمة من مغاربة الخارج يوجدون في "البلدان التي تعاني من تأثيرات هذه الأزمة كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا".
ويؤكد المتحدث أن هذا الأمر سيكون له تأثير خصوصا في ظل "التوقف التام والكامل لقطاع السياحة" الذي يعتبر بدوه "موردا مهما للعملة الصعبة".
أما التحدي الثالث، فيتعلق بـ"سوق الشغل"، إذ يوضح أوراز أن "عددا كبيرا من المغاربة سيفقدون فرص العمل ليس فقط بسبب أزمة كورونا ولكن أيضا لأن جزءا كبيرا من اقتصادنا غير مهيكل" بالإضافة إلى أن "بعض الشركات ستجد صعوبة في أداء رواتب الأجراء غير المشتغلين"، الأمر الذي "سيؤدي إلى أن جزءا كبيرا من المغاربة سينزلقون تحت عتبة الفقر".
في هذا الإطار، أشاد أوراز بالإجراءات التي اتخذها المغرب للحد من تداعيات هذه الأزمة، خصوصا على الفئات الهشة.
وفي الوقت الذي تذهب آراء البعض نحو دعم الاستدانة لمواجهة تداعيات هذه الأزمة، فإن أوراز يعبر عن معارضته الشديدة لـ"الاستدانة المفرطة" ويحذر من تبعياتها السلبية، مؤكدا في المقابل أنه "من أنصار الحكامة التقشفية" بمعنى "وقف بعض النفقات المرتبطة بالأمور التي لا تعتبر أساسية".
من جهة أخرى، ينبه أوراز بدوره إلى أن العالم سيشهد بعد الأزمة "حركية كبيرة لرؤوس الأموال" مشددا على ضرورة أن "يهيئ المغرب نفسه للاستفادة من هذه الحركية".

"ضرورة تسريع تنفيذ الأوراش والبرامج"
الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية سابقا، والبرلماني حاليا، إدريس الأزمي الإدريسي، هو الآخر يقر أن "الواقع الاقتصادي للمغرب سيتأثر سلبا وبقوة بفعل هذه الجائحة"، قبل أن يستدرك مؤكدا على ما يعتبره إيجابيا بخصوص هذه الأزمة، والمتمثل في طريقة تدبيرها.
"المغرب اعتمد سياسة استباقية حكيمة وناجعة لم يقع من خلالها في المفاضلة التي وقعت فيها حتى بعض الدول العظمى" يقول الأزمي.
يتعلق الأمر حسب المتحدث بـ"المفاضلة بين الحفاظ على الأرواح والحفاظ على الأرزاق والتي أدت ببعض الدول إلى أن تتوه وتنسى أن الأساس في الاقتصاد هو العنصر البشري" وفق تعبيره.
وإذا كان الهدف من الإجراءات الصحية التي اتخذها المغرب "الحفاظ على الأرواح" فإن الإجراءات الاقتصادية سواء التي همت الأسر أو المقاولات، تهدف وفق الأزمي إلى "الحفاظ على النسيج الاقتصادي والاجتماعي الوطني والحفاظ على القدرات الإنتاجية البشرية والمادية".
أما عن مرحلة ما بعد الأزمة، فقد دعا المتحدث إلى ضرورة التنبه لجعل الجائحة "عامل تسريع وتحفيز لإنجاز مجموعة من السياسات والبرامج والمشاريع التي ما تزال مجرد مخططات".
في هذا الصدد، شدد الوزير السابق على ضرورة العناية بـ"القطاعات الاجتماعية الإنتاجية، التي توجد اليوم في الواجهة"، ويتعلق الأمر بالتعليم والصحة والبحث العلمي.
من بين "الأوراش ذات الأولوية" أيضا والتي يرى المتحدث ضرورة تسريع العمل عليها في المرحلة المقبلة "الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للقطاع غير المنظم" و"تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية".
من ثمة، يرى المتحدث إمكانية الاستفادة على نحو إيجابي من هذه الأزمة، إذ يؤكد أن "محنة الجائحة ستكون بردا وسلاما على المغرب إذا ما انتبهنا إلى أن الأساس هو أن نشمر عن سواعدنا ونغتنم القوة والدفعة التي أعطتها للمجتمع لإنجاز العديد من الأوراش".
المصدر: أصوات مغاربية