يعد الروائي الجزائري أمين الزاوي واحدا من الروائيين البارزين الذين تجاوز صدى كتاباتهم حدود الجزائر والمنطقة المغاربية، خصوصا أن له إصدارات باللغتين العربية والفرنسية.
في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية" يتحدث الزاوي عن روايته الأخيرة ومن خلالها عن العلاقات المغربية الجزائرية، وعن دور المثقف في حلحلة التوتر بين البلدين، إضافة إلى موضوع الإسلام السياسي وحضوره في المنطقة.
إليكم نص المقابلة:
تناولت في روايتك الأخيرة "جوع أبيض" جوانب من العلاقات المغربية الجزائرية، هل كان من السهل التطرق لهذا الموضوع؟
أولا أنا لم أكتب رواية "Faim Blache" أو "جوع أبيض" عن الأحداث الراهنة، لأنني كنت أشتغل عليها لحوالي أربع سنوات، وفيها كثير مما عشته في الجامعة نهاية السبعينيات، وبالتالي هذه الرواية لم تأتِ لا للرد عن الأوضاع ولا لنقدها، بل جاءت في إطار طبيعي لكتابة الرواية.
لكن، لحسن الصدف أو لسوء الصدف، الرواية نزلت للأسواق يوم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين.
هذه الرواية تتناول باختصار علاقة حب بين طالبة جزائرية وطالب مغربي ينتمي لمنطقة الريف، يأتي والده إلى الجزائر عشية الثورة الجزائرية ويصبح مجاهدا فيها، في حين يلتقي الابن بالفتاة في الجامعة ويعيشان مغامرة جميلة إلى أن تأتي قضية الصحراء الغربية ويقوم النظام في الجزائر بإجلاء بعض المغاربة ومن بينهم هذا الطالب الذي افترق عن هذه الفتاة، لكن النظام في المغرب سيتهم هذا الشاب بالعمل مع المخابرات الجزائرية، في حين سيتهم النظام في الجزائر الفتاة بالعمل مع المخابرات المغربية.
في نهاية الأمر، الرواية تبحث في مسألة الهوية لأن الطالب المغربي من منطقة الريف أي من الأمازيغ والطالبة أيضا أمازيغية وبالتالي يلتقيان في هذا التوجه.
العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب مقطوعة منذ فترة. في نظرك كيف يمكن للمثقف أن يساهم في حلحلة التوتر بين البلدين؟
دور المثقف أولا ألا يصب الزيت على النار، بل عليه أن يبحث عن الأشياء الإيجابية وتطويرها في اتجاه الدفع بالعلاقة إلى نوع من الهدوء والطمأنينة وتقوية الرغبة في الاستماع للآخر وتغيير بعض المفردات والخطابات. لكن ما يؤسفني بالفعل هو وجود بعض المثقفين الذين يلغطون كثيرا ويهاجمون هذا النظام أو ذاك ولا يزيدون عبر ذلك إلا نارا.
أعتقد أن المثقف الهادئ هو الذي يستطيع أن يخلق جزرا من المحبة بين المثقفين في كلا البلدين
أعتقد أن المثقف الهادئ هو الذي يستطيع أن يخلق جزرا من المحبة بين المثقفين في كلا البلدين، وهذه الجزر هي التي ستبقى بعد انتهاء هذه الزوبعة، وسيأتي يوم سيتعانق فيه السياسيون لكن جروح الثقافة ستبقى طويلا لذا أعتقد أن على المثقفين أن يناقشوا هذا الموضوع، لكن بشكل سليم وبمفاهيم سياسية وثقافية وأنثروبولوجية وهوياتية جديدة وألا يدخلوا بشكل غوغائي في لعبة الصراع السياسوي.
تُعد من أبرز الدعاة إلى الرفع من قيمة اللغة الأمازيغية وتفعيلها بشكل كامل، بالمقابل أنت تكتب باللغتين العربية والفرنسية، ألم تفكر في الكتابة باللغة الأمازيغية؟
صحيح أن الكتابة باللغة الأمازيغية ضرورية ولكنني أعتبر بأن جيلنا كان ضحية لأننا لم نتعلم هذه اللغة بطريقة أكاديمية، في الوقت نفسه أنا سعيد جدا اليوم بوجود جيل كامل من الكتاب الذين يكتبون باللغة الأمازيغية وهم في ريعان الشباب. إلى جانب ذلك، هناك عمل كبير في مجال الترجمة إلى اللغة الأمازيغية.
وبالنسبة لي، أنا أعتبر أن دوري في الدفاع عن هذه اللغة وهذه الثقافة يأتي أيضا من خلال الكتابة بالفرنسية والعربية، فضلا عن حضوري الدائم في المشهد الثقافي في الجزائر وربما أنا أكثر الكتاب في الجزائر الذين ينشطون ندوات في مختلف أرجاء البلاد.
كثيرا ما تثير مواقفك الجدل وتعرضك لانتقادات، كما اتهمت مرار بمعاداة العربية والإسلام، كيف ترد على هذه الاتهامات؟
اللغة العربية هي واحدة من أجمل اللغات في العالم، وهناك العديد من الكتاب والشعراء الذين يقدمون نصوصا جميلة بهذه اللغة، لكن تيار الإسلام السياسي حاول تحوير هذه اللغة لتصبح بمثابة ركن من أركان الإسلام وهذا هو المشكل.
تيار الإسلام السياسي حاول تحوير هذه اللغة (العربية) لتصبح بمثابة ركن من أركان الإسلام
اللغة العربية هي لغة استعملها العرب والمسلمون لكن الإسلام أيضا استعمله الأتراك بلغتهم والفُرس بلغتهم لذلك يجب التفريق بين اللغة والعقيدة، والتأكيد على أن احترام اللغة لا يتم بتقديسها بل بتحديثها ودفعها للأمام على مستوى التكنولوجيا، على مستوى الإبداع، على مستوى الخلق، ومن خلال علاقتها باللغات الأخرى، وهذا ما يجب القيام به من أجل تطوير اللغة العربية.
وماذا عمن يتهمونك بمعاداة الإسلام؟
مستحيل أن أعادي الإسلام أو أي ديانة أخرى، أولا لأنني ابن إمام وقرأت القرآن الكريم، ولكن ما أريده هو تصفية وتحرير الدين من السياسة، وأنا واحد ممن يدعون لفصل الدين عن الدولة والسياسة لأننا نسيء للإسلام حين نقحمه في لعبة السياسة والانتخابات، كما نسيء للأخلاق الإسلامية بذلك أكثر مما نخدمها.
بالتالي وجب التفريق بين الإسلام الذي أنتج حضارة كبيرة جدا، والإسلام السياسي الذي أهلك العرب والمسلمين والإسلام نفسه.
أنا واحد ممن يدعون لفصل الدين عن الدولة والسياسة لأننا نسيء للإسلام حينما نقحمه في لعبة السياسة والانتخابات
لطالما حذرت من الإسلام السياسي واعتبرت أن وصول الإسلاميين إلى الحكم قد يؤدي إلى تكرار "العشرية السوداء" التي تعرضت خلالها لمحاولات اغتيال. هل ترى اليوم أن "مشروع الإسلام السياسي" لا يزال بالقوة نفسها؟
كتبت أربع روايات باللغة الفرنسية عن الموضوع وهي Un incendie au Paradis، La boite noir de l'islam، Souffles de la raison، Allah n'habite pas la Mecque، وهي كلها حول الإسلام السياسي وما يحيط به من جاهزيات اجتماعية وآليات اقتصادية وآليات تربوية تعليمية وغير ذلك.
المؤكد أن الإسلام السياسي في انحصار الآن
المؤكد أن الإسلام السياسي في انحصار الآن، صحيح الأنفاس الأخيرة تكون أحيانا عنيفة وشرسة، لكن ما بقي منه له تأثير بالأساس على المدرسة، خصوصا أن الأحزاب السياسية الإسلامية الآن منهزمة ومنكسرة وهي الحال في العديد من بلدان المنطقة. لكن هؤلاء وخاصة تيار الإخوان المسلمين ومشتقاته اشتغل كثيرا على المدرسة، واليوم أسلمة المجتمع السياسي وذهنية الإسلام السياسي موجودة في الأجيال الجديدة ليس من خلال العمل السياسي والأحزاب، بل من خلال المدرسة والبرامج المدرسية.
أعتقد أن ما يمكن أن ينقذ الوضع الآن في المجتمعات العربية والإسلامية هو ما يتم حاليا في العربية السعودية، التي تقوم بعمل مهم جدا، وباعتبار المكانة الرمزية والمقدسة لهذه المنطقة، أعتقد أن كل هذه المشاريع الإصلاحية هناك سواء في المدرسة وتشجيع الثقافة والفنون وتحجيم الدعاة المتشددين الذين أفسدوا العالم العربي والإسلامي، قد يؤثر إيجابا على البلدان الأخرى حتى تتخذ مواقف جادة.
- المصدر: أصوات مغاربية