عاد موضوع خفض التأشيرات الفرنسية الممنوحة لرعايا البلدان المغاربية (المغرب والجزائر وتونس) إلى الواجهة هذا الأسبوع، إثر تحرك جديد لمنظمات غير حكومية أوروبية ومغاربية لدفع فرنسا للتراجع عن قرارها.
وأطلقت هذه المنظمات عريضة تدين ما تصفه بـ"السياسات التمييزية" و"غير العادلة" للسلطات الفرنسية، "بحجة محاربة الهجرة غير النظامية" على حد قولها.
وتضرر الآلاف من مواطني الدول المغاربية - بينهم مسؤولون وشخصيات عامة - من قرار باريس الساعي إلى "الضغط" على الحكومات المغاربية "غير الراغبة" في إصدار تصاريح قنصلية لاستقبال المهاجرين غير النظاميين الذين تريد ترحيلهم.
تعامل كل بلد مع قرار باريس
وعند بداية إعلان القرار قبل عام ونصف، استقبل المغرب والجزائر وتونس الخطوة الفرنسية بالاحتجاج، إذ اعتبرت الرباط الإجراء "غير مبرر"، وفق ما جاء وقتها على لسان وزير الخارجية، ناصر بوريطة.
ومنذ ذلك الحين، تعالت أصوات سياسيين ومثقفين ومنظمات غير حكومية لدعوة الرباط إلى فتح الموضوع بشكل ملحّ مع السلطات الفرنسية، خاصة إثر رفض منح الفيزا لشخصيات عامة وأطر كبيرة ومشاهير.
ووصلت هذه المشاكل إلى البرلمان المغربي، إذ وجّهت المعارضة أسئلة حول الموضوع إلى وزير الخارجية، وسط دعوات إلى المعاملة بالمثل بالنسبة للفرنسيين المتجهين إلى المغرب.
بدورها، استقبلت الجزائر، آنذاك، قرار باريس بالاحتجاج. وجاء القرار الفرنسي حينها في خضم تصريحات مثيرة أطلقها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول الماضي الاستعماري، ما دفع الجزائر إلى استدعاء سفيرها في باريس "للتشاور".
ومنذ ذلك الحين، تجاوزت الجزائر مرحلة التوتر الشديد مع باريس، ليتكلل ذلك بزيارة ماكرون إلى هذا البلد المغاربي.
ولم يصدر أي بيان من الجانبين حول قضية التأشيرات رغم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات في مجالات مختلفة لـ "تعزيز التعاون المشترك" بين البلدين.
في المقابل، أعلنت باريس وتونس، مطلع الشهر الحالي، عودة إصدار التأشيرات الفرنسية للتونسيين إلى مستواه الطبيعي.
وقال وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، ونظيره التونسي، توفيق شرف الدين، في بيان مشترك، صدر في أعقاب مكالمة هاتفية بينهما، إنّ قرار عودة إصدار التأشيرات إلى المستوى الطبيعي صدر "بأثر فوري".
تحركات لدفع باريس للتراجع
وعلاوة على التحركات الرسمية المغاربية، فقد أطلقت مئات المنظمات غير الحكومية من فرنسا وأوروبا والدول الثلاث عريضة، الأسبوع الماضي، تدين فيها سياسات باريس بشأن الهجرة، بحسب ما أورده موقع "تيل كيل" المغربي الناطق بالفرنسية.
وبحسب هذه المنظمات، فإن إجراءات باريس "عقوبة جماعية غير عادلة تستهدف بشكل عشوائي" سكان هذه البلدان الثلاثة.
وحذرت الحكومة الفرنسية من التأثير المعاكس لقرارها، مشيرة إلى أن "هذه الإجراءات (...) تنتج آثارا معاكسة من خلال دفع الآلاف من الشباب والكبار إلى العبور في البحر الأبيض المتوسط للمخاطرة بحياتهم".
وتركزت انتقادات هذه المنظمات غير الحكومية على ما اعتبرته "ابتزازا" يستهدف مبدأ المساواة في المواطنة في فرنسا نفسها، إذ يتم حرمان الفرنسيين من أصول مغاربية من إحضار ذويهم للزيارات أو للعمل أو لأسباب صحية.
وليست المنظمات الحقوقية وحدها من حذر من تداعيات الإجراء الفرنسي الأحادي، إذ قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، نهاية الأسبوع الماضي، إن وضع فرنسا لقيود على منح التأشيرات لدخول المغاربة يسمم العلاقات بين البلدين.
وقالت إن ما تقوم به باريس يثير سخطا متزايدا داخل المجتمع المغربي وسط دعوات إلى المعاملة بالمثل بالنسبة للفرنسيين المتجهين إلى المملكة.
معاناة باقي المغاربيين
وليس المغاربة وحدهم من يعانون من تدني نسب التأشيرات الممنوحة من الخدمات القنصلية التابعة للسفارات الفرنسية في بلدان المنطقة المغاربية.
فقد رفضت باريس عشرات آلاف من طلبات مواطني الجزائر وتونس، للحصول على فيزا شنغن، قبل الاتفاقات الأخيرة.
فبحسب معطيات 2021 الأخيرة، فقد جاءت الجزائر في المرتبة الأولى مغاربياً في معدل الطلبات الملغاة، إذ رفضت فرنسا منح نحو 32 ألف جزائري تأشيرة شنغن.
وحصل نحو 28 ألف تونسي على التأشيرة، في حين تم رفض طلبات حوالي تسعة آلاف آخرين.
وتقدّم 58 ألف مغربي بطلبات الفيزا، وحصل عليها ما يزيد عن 34 ألفاً، بينما تم رفض حوالي 20 ألف طلب.
وتفيد وزارة الداخلية الفرنسية بأن ضغوطا مماثلة مورست عام 2018 على حكومات البلدان المغاربية بدون الإعلان عنها، أدت إلى "زيادة ملحوظة في عدد التصاريح القنصلية الصادرة" من أجل ترحيل مهاجرين غير نظاميين قادمين من تلك البلدان.
وشهدت عمليات الترحيل إثر ذلك "ارتفاعا كبيرا" بنسبة 65 بالمئة نحو الجزائر في 2019 مقارنة بعام 2017، وبنسبة 57 بالمئة نحو المغرب و61 بالمئة نحو تونس خلال الفترة نفسها، وفق الوزارة.
المصدر: أصوات مغاربية/ أ ف ب/ موقع "تل كيل" المغربي