منسق مبادرة عودة الملكية إلى ليبيا: هذا هو الملك غير المتوّج القادر على إخراج البلاد من الأزمة
تتصاعد الدعوات في ليبيا للعودة إلى النظام الملكي كحل للأزمة السياسية العميقة التي تشهدها البلاد. ويعتقد مؤيدو هذه المبادرة أن أعطاب ليبيا السياسية لن يحلّها سوى عودة الملكية ودستور الخمسينات.
ومؤخرا، اتخذت هذه الدعوات طابعا ملحاً، خاصة بعد اجتماع ممثلي إقليم برقة (شرق ليبيا) بمجلس النواب والمجلس الأعلى لمناقشة المطالبات بعودة دستور الاستقلال (1951) الذي انبثق منه النظام الملكي قبل أن يعدل فيما بعد في عام 1963.
وفي يونيو الماضي، اقترح الأمير محمد الحسن الرضا المهدي السنوسي، ابن ولي العهد الليبي الحسن الرضا السنوسي (في الفترة من 1956 إلى 1969)، في مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، العودة إلى الملكية الدستورية كحل لإخراج بلاده من أزمتها السياسية.
لاحقا، كتب سامي العالم، منسق مبادرة عودة الملكية الدستورية إلى ليبيا، في مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، قائلا إن "الكثير من الليبيين يريدون اليوم عودة النظام الملكي والدستور القديم".
"أصوات مغاربية" تحاور سامي العالم، وهو أيضا خبير دستوري، حول المبادرة والانتقادات التي يوجهها "الملكيون الجدد"، بالإضافة إلى المشاكل التي قد تعيق تحقق هذا المسعى.
نص المقابلة:
مؤخرا، أصدر نحو 30 عضوا بمجلس النواب الليبي بيانا يطالبون فيه بالعودة إلى دستور 1951، هل هذا يعني أيضا العودة إلى النظام الملكي باعتبار أن الدستور يقر الملكية النيابية؟
نعم، يطالبون بالعودة إلى النظام الملكي بناء على دستور 1951 غير المعدل، وهذا الدستور أصدر في السابع من أكتوبر 1951 من قبل الجمعية التأسيسية.
المادة 44 من دستور 1951 تقول إن الملك محمد إدريس السنوسي هو ملك ليبيا، والمادة 45 تؤكد أن الملك يصدر أمرا بشأن تنظيم البيت المالك. وفي 1952، صدر أمر من الملك بتعيين أخيه محمد الرضا وريثاً، لكنه توفي سنة 1954، وعُيّن بديلا عنه ابنه الحسن الرضا.
بعد ذلك، صدر أمر ملكي ثان تم بموجبه تعيين السيد الحسن الرضا كولي للعهد، ونصّ هذا الأمر الملكي على أنه في حال مات الملك ولم ينجب ولدا، فإن المُلك يجب أن يعود إلى بيت الحسن الرضا ويصبح هو الأصل. وقد تم تضمين هذا المبدأ في المادة 45 من دستور 1963.
بعد تصاعد التيار الملكي وقبوله في الشارع الليبي، يحاول السياسيون الساعون للاستمرار في مناصبهم الالتفاف على هذا المشروع
عندما يطالب هؤلاء النواب بالعودة إلى النظام الملكي وبدون ولاية العهد للحسن الرضا وأبنائه من بعده، فهذه لعبة تتعاون فيها بعض الشخصيات بعينها مع دول لا ترغب باستقرار ليبيا لإرجاعنا إلى دستور بلا ولاية العهد ولا مَلك، والهدف من هذه اللعبة السياسية هو إضفاء الشرعية على الشخص المفضل لديهم.
الآن وبعد تصاعد التيار الملكي وقبوله في الشارع الليبي، يحاول هؤلاء السياسيون الساعين للاستمرار في مناصبهم الالتفاف على هذا المشروع وطرحه بالشكل الذي يرونه مناسباً لهم.
وفي سياق الحديث عن النواب الذين يطالبون الآن بالعودة لدستور 1951 غير المعدل، فإنه يجب الإشارة إلى أن لجنة الحوار الدستوري (ما بين المجلس الأعلى للدولة والبرلمان) التي عقدت في شهر يونيو الماضي دعت إلى الرجوع لهذا الدستور.
فقد أقروا بأن أفضل الحلول - مع وصولهم إلى الانسداد في الحوار الدستوري - هو تفعيل دستور 1951 غير المعدل، لأنه دستور جيد جدا، وذكروا عدة مزايا من ضمنها أن صلاحيات الرئيس في مسودة دستور 2017، التي أعدتها لجنة الستين، هي نفس صلاحيات الملك، هذا بالإضافة إلى أن هذا الدستور إرث تاريخي مؤسس للدولة الليبية.
البعض يقول إن مبادرتكم دعوة للرجوع إِلى الوراء وأن العصر لم يعد يستوعب الملكيات والإمبراطوريات، ما رأيك؟
ليبيا خضعت لـ42 سنة من غسيل المخ وتزوير التاريخ. للأسف نظام القذافي اجتهد بكل ما أوتي من قوة لمسح التاريخ والذاكرة. لمّا نطرح موضوع المملكة، بعض الشباب الليبيين يستغربون أن بلادهم كانت مملكة. يظنون أن ليبيا استقلت في 1969.
من يقول إن الملكية بمثابة العودة إلى الوراء نقول لهم إن الذهاب إلى النظام الجمهوري هو أيضا عودة إلى الوراء
ومن يقول إن الملكية بمثابة العودة إلى الوراء نقول لهم إن الذهاب إلى النظام الجمهوري هو أيضا عودة إلى الوراء، لأن ليبيا حكمت بالنظام الجمهوري من سنة 1969 إلى سنة 1978. كانت نظاما جمهوريا لمدة تلك السنوات.
هناك من يشبّهون دعوة العودة إلى الملكية بدعوة جماعة "ليبيا الغد" لعودة آل القذافي، أي عودة سيف الإسلام لمواصلة إرث والده، ما رأيك؟
للأسف الشديد، هذه مغالطة كبيرة في حقنا نحن دعاة العودة إلى شرعية الملكية الدستورية. العودة إلى نظام "ليبيا الغد" أو نظام القذافي لا يستند إلى أي أساس قانوني. نحن لا نتشبث بشخوص بقدر ما نحن نتشبث بالدستور.
اليوم، ليبيا تائهة في المحيط وتتراطمها الأمواج ولدينا سفينة نجاة متمثلة في دستور لم يُلغ قانوناً، إنما عُطل تعطيلاً فقط، وأعاد القذافي تفعيله في الـ22 من فبراير 2011، أي الخطاب الشهير بـ"زنقة زنقة". وبالتالي، فهذا الدستور مُفعّل رسميا، لكن كل أولئك الموجودين في السلطة الآن تغاضوا عن العمل به.
ليبيا تائهة في المحيط وتتراطمها الأمواج ولدينا سفينة نجاة متمثلة في دستور لم يُلغ قانوناً
وبالنسبة لموضوع "ليبيا الغد"، صحيح أن هناك بعض الأصوات التي انضمت معهم في الجنوب تحديدا (والقليل جدا في طرابلس والشرق الليبي) كُرها في فبراير (الثورة)، إذ كان بعضهم يأمل في أن تنقل ليبيا من الحضيض إلى قمة الدول المتقدمة فحدث العكس تماماً. ظنوا أن الوضع سيكون أفضل، ولكن للأسف الشديد، كانت المؤامرات كبيرة جدا على ليبيا، وزدنا عمقا في القاع. بمعنى، خلال حقبة القذافي كنا "في القاع"، وبعد الثورة أصبحنا في "قاع القاع".
على خلاف "ليبيا الغد"، نحن نطرح العودة إلى المملكة لأن لدينا شرعية قانونية ودستورية، وفي الوقت نفسه ولي العهد وهو الملك غير المتوّج السيد محمد الرضا السنوسي لم يشارك في سفك الدماء، ولم يشارك في أي خصومات، ولم يشارك في أي حروب.
كان هذا سؤالي التالي، مؤخرا كتب الأمير مقالا في صحيفة "وول ستريت جورنال" يقترح فيه الملكية، هل تعتقد أنه قادر من إقناع الفرقاء بالشرق والغرب بجدوى هذا الطرح؟
نحن كمثقفين ليبيين لدينا العديد ممن نادى بهذا الحل، وبعضهم كان من أركان النظام السابق. هناك أيضا شخصيات وطنية موجودة في السلطة ترى أن الحل هو العودة إلى الملكية للخروج من هذه الفوضى. السبب في ذلك هو وجود دستور، والأهم من ذلك هو وجود الشخصية الضامنة. الآن، من سيضمن المصالحة الوطنية مثلا؟ هل سيف الإسلام سيضمن المصالحة الوطنية؟ سيف الإسلام إذا تمكن من السلطة في ليبيا سيقتل كل من ساهم في قتل والده وكل من ساهم في خراب سلطتهم المزعومة وهيمنتهم على الدولة. وبالتالي، ستكون هناك انتقامات ومجازر ومحاباة لفئة على فئة.
هناك شخصيات وطنية موجودة في السلطة ترى أن الحل هو العودة إلى الملكية للخروج من هذه الفوضى
أما سمو الأمير محمد الحسن الرضا فهو راق عن كل هذه المهاترات. لم يشارك في حروب ولا سفك الدماء ولا نهب المال العام، وأيضا نحن رأينا وصية الملك محمد إدريس السنوسي رحمه الله في تنازله للعرش إلى ولي عهد الحسن الرضا كيف كان أسلوبه أسلوب تسامح، وكيف أن الحسن الرضا تعذب عذابا شديدا في الأول من سبتمبر 1969 وكيف أجبر هو وعائلته على الإقامة لفترة سنوات في أماكن لا يرتضي الإنسان أن يبقى فيها ساعة زمن، ورغم ذلك كانت وصيته هو أنه مسامح كل من أخطأ في حقه.
ورأينا أن الأمير محمد الحسن الرضا منذ تسلمه لولاية العهد سنة 1993 إلى غاية الآن لم يطالب بالقوة بعرشه، بل دائما يقول إذا طالب بي الشعب فيشرفني أن أكون خادما له. إذن، هذه شخصية من الممكن أن تكون شخصية ضامنة وتمثل العفو والمصالحة الوطنية.
هل تعتقد أن الأجسام السياسية الحالية ستسمح بعودة الملكية وفقدان السلطة التي تتمتع بها حاليا حتى ولو كان مطلبكم شعبياً؟
هذه الأجسام في حد ذاتها أجسام هشة. إنها ليست أجساما حقيقة إنما شخوص. نحن نعتقد أن أكبر شخصيتين لا يمكن أن يقبلوا بعودة النظام الملكي هما عقيلة صالح وخالد المشري. وفي المجمل، هذا النوع من الشخصيات الجدلية لا تتعدى خمسة أفراد. ومن يوجد تحتهم من كتائب مسلحة وميليشيات لا يتوافقون معهم في استمرار الفوضى. ونحن فتحنا حوارات مع العديد من الميليشيات وكلها قبلت بدولة القانون ويؤكدون أنهم خرجوا في فبراير 2011 ضد القذافي من أجل دولة القانون، وأن عمق المشكل هو غياب الثقة بين الأطراف. فمثلا، عندما نسألهم لماذا لا تسلمون السلطة للدولة، يقولون أي دولة؟ هل تعتقد أن الميليشيات المعارضة لحكومة طرابلس ستسلم أسلحتها لحكومة غير معروفة الملامح مثل حكومة عبد الحميد الدبيبة؟ أم تعتقد أن أنصار حفتر أو باشاغا أو سيف الإسلام سيثقون في حكومات يدركون أنها ستنتقهم منهم حالما يطرحون أسلحتهم؟
الكثير من الكتائب ينظرون إلى الأمير محمد الحسن الرضا كشخصية مستقلة ولا ينتمي إلى طائفة، ويريدون تسليم الأسلحة لنظام يقوده مقابل العفو عنهم. وقد سمعنا هذا من أغلب قادة الميليشيات.
البعض يرى أن "ولي العهد" يفتقر إلى جيش أو ميليشيا موحدة قادرة على فرض قوة شخصيته لتوحيد ليبيا، كيف يمكن فرض هذا الواقع على الرافضين لمسعى عودة الملكية؟
لا يوجد جيش نظامي لا في الشرق ولا في الغرب. الميليشيات الموجودة تتحرك بدعم من قوات خارجية. في المنطقة الغربية، لولا الدعم العسكري التركي لما انتصرت في حربها على حفتر. وهذه الأخيرة لولا مساعدة الفاغنر (الروس) والإمارات ومصر والسعودية والأردن لما وصلت إلى أحياء طرابلس.
نحن كدعاة العودة إلى الملكية نرى أن الخارج هو من يُعرقل الوضع
إذن لولا مساعدات الخارج لما وصل المعسكران إلى ما وصلا إليه. وبالتالي، نحن كدعاة العودة إلى الملكية نرى أن الخارج هو من يُعرقل الوضع. إذا رفع الخارج يديه، فإن الوضع الداخلي بالإمكان أن يستقيم بسهولة.
هل هناك دول تدعم مبادرتكم، أي العودة إلى الملكية؟
بالشكل العلني لا، وإنما تصل إلى مسامعنا بعض الأقوال على أن بعض الدول بدأت تتحدث على هذا الطرح.
- المصدر: أصوات مغاربية