ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في موريتانيا خلال اليومين الماضيين بدعوات كثيرة تطالب بالمساواة والتخلي عن التراتبية الاجتماعية، وذلك على إثر نشر فتوى لرجل دين بارز يدعو فيه لعدم الصلاة على المنتسبين لفئة الفنانين الذين وصفهم بـ"أهل المجون".
وتعود القضية لنشر الفنان الموريتاني عل سالم ولد علي، مقطعا تم تداوله مؤخرا، لناشط على منصات التواصل يتحدث عن فتوى لشيخ بارز يدعى محمد ولد سيدي يحي يحذر فيها من الصلاة على "أهل المجون من الفنانين أو الترحم عليهم".
واعتبر الفنان ولد علي أن نشر هذا المقطع بالتزامن مع وفاة الفنان الموريتاني المعروف محمد ولد حمبارة، يحمل إساءة كبيرة لمجتمع "يكاون" (فئة من المجتمع الموريتاني امتهنت الفن والشعر).
وأثار ذلك موجة تعاطف مع هذه الفئة من قبل عدد كبير من رواد منصات التواصل الاجتماعي بينهم الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل/إسلامي"، محمد جميل منصور الذي يقول مدافعا عن هذه الفئة من المجتمع الموريتاني: "جمال الصوت وانضباط الإيقاع ليسا جريمة أيها الأفاضل".
واعتبر الباحث في التاريخ الموريتاني محمد بودادية، أن فئة "يكاون" جالسهم علماء وفقهاء البلد وهم أنفسهم "كانوا نخبة القوم المثقفين الذين يفهمون في كل شيء ولديهم كل الأخبار"، كما أن خيمهم "كانت مؤسسة يرتادها الكل، الأمراء والفقهاء والعشاق أهل الفتوة والأدب".
وأضاف في منشور على صفحته بمنصة فيسبوك، إن هذه الفئة مثلت منذ القدم "مؤسسة إعلامية وثقافية" حفظت لموريتانيا تراثها وأخلاقها وقيمها.
كما استغرب الفقيه الموريتاني المعروف محمد الأمين ولد الشاه في تسجيل صوتي متداول على فيسبوك، هذه الهجمة على مجتمع يكاون وقال إنها "غير مفهومة وغير مبررة"، وتساءل: "ما للذي طرأ؟ (...) ففقهاء موريتانيا منذ القدم كانوا يحترمون الفنانين فهل نزل فقه جديد؟".
معاناة مستمرة
وفي حديث مع "أصوات مغاربية" تقول الناشطة الحقوقية فنفونة بوبة جدو إن معاناة المنتمين إلى شريحة الفنانين بموريتانيا باتت تتجدد بشكل "موسمي" رغم الموقف الرسمي المعلن من الدولة.
وأردفت بوبة جدو أن هذا النمط من التعامل "غير الإنساني" بات يهدد الفن الموريتاني التقليدي بشكل عام، إذ أن "العديد من الشباب ترك مواهبه وبات يسعى وراء مهن مقبولة اجتماعيا".
وشهدت موريتانيا في الآونة الأخيرة تزايدا ملحوظا للدعوات المطالبة بالمساواة والتخلي عن التمييز في هذا المجتمع المتشكل من قبائل وفئات مجتمعية مختلفة ما زاد من الحاجة لوجود جمعيات عاملة في هذا الإطار.
وفي نوفمبر الماضي أعلن في العاصمة نواكشوط، عن تأسيس منظمة حقوقية غير حكومية تحمل اسم "سياني" (سواسية)، وافتتحت أنشطتها بتنظيم منتدى حول مبدإ المساواة في "الشريعة الإسلامية والقانون الموريتاني.
وما زال المجتمع العربي في موريتانيا محافظا على هوياته التاريخية التي تنقسم إلى (لعرب) وهم من قبائل من المحاربين الذين شكلوا في السابق القوة العسكرية في البلاد، و(الزوايا) وهي المجموعات القبلية التي اهتمت بنشر العلم والتراث والأدب.
كما يتكون المجتمع العربي الموريتاني من مجموعات أخرى ترى نفسها تعرضت لظلم تاريخي من بينهم (لمعلمين) وهم الصناع التقليديون، و(يكاون) وهي الأسر الفنية التي اهتمت بالشعر والفن التقليدي.
المصدر: أصوات مغاربية