خلافا للمعتاد، خلت شوارع العاصمة الليبية طرابلس من مظاهر الاحتفال بليلة المولد النبوي (عيد الميلود) وسط حالة من التضامن التي أظهرها الليبيون بعد الإعصار دانيال واستمرار محاربة الاحتفال بالذكرى من قبل بعض التيارات السلفية.
وعادة ما تكون ليلة المولد مليئة بالاحتفالات وصخب الألعاب النارية والمفرقعات خاصة في المدن الكبري مثل طرابلس وبنغازي ومصراتة وغيرها، إذ يعتبرها الليبيون مناسبة دينية واجتماعية هامة يتبادلون فيها المعايدات وتقام خلالها جلسات الذكر.
تضامن مع ضحايا درنة
غير أن الذكرى مرت هذا العام دون احتفالات ملحوظة، وسط حالة الحزن التي ما زالت تخيم على كافة المدن الليبية بحسب ما رصده نشطاء ومدونون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تداولت صفحات افتراضية أنباء عن منع بعض البلديات للاحتفال تضامناً مع ضحايا الفيضانات التي تسبب بها الإعصار دانيال وأسفرت عن آلاف الضحايا والمفقودين في مدن الجبل الأخضر شرق البلاد وعلى رأسها مدينة درنة.
فعلا الناس يغمرها الحزن و مأثرة فيهم الفاجعه بنغازي قبل يوم الميلود تقعد كلها مضيئة و الناس يزينو في الشوارع و تلقى جماعة الكشافه مع الأطفال و يبرمو في الشوارع غير أجواء العصيدة و كل حوش و سبرهم السنه هذي الجو امهبي
— إنزو العمامي (@enzoelomamy) September 27, 2023
وعبّر ليبيون عن شعورهم باختلاف أجواء "الميلود" هذا العام، وذلك عبر منشورات وتدوينات شاركوها على منصتي "إكس" وفيسبوك عكست الأجواء في مدن ليبية مختلفة.
وقال إنزو العمامي من مدينة بنغازي "فعلا الناس يغمرها الحزن و مأثرة فيهم الفاجعه"، مضيفاً أن بنغازي تكون كلها مضيئة في مثل هذا الوقت كل عام، "والناس يزينو في الشوارع وتلقى جماعة الكشافه مع الأطفال و يبرمو في الشوارع غير أجواء العصيدة (أكلة ليبية في يوم المولد).
💔مانكنتش نحساب ذكريات الميلود حايقعدن مؤلمات هكي
— زَيِنَبْ🕊 (@zoba_alnwesry) September 26, 2023
مش قادره نتخيل بعد ماترد درنه ان شالله عامره مش حايقعد في حوش جدي ومافيش عيت خالو ماعش فيه ميلود زي زمان https://t.co/XnkMY95Yja
أما زينب، من مدينة درنة، فأعادت نشر قصيدة متداولة يقول مطلعها "طافي يادرنة قنديلك، لو نحكيلك عالسيل الي شال عويلك (الذي حمل أبناءك)، وقالت إنها غير قادرة على تخيل فكرة اختفاء بيت جدها وأخوالها في مناسبة كهذه، حتى بعد أن ترجع درنة مدينة عامرة من جديد.
ولاحظت غيداء، من طرابلس، هدوء شوارع العاصمة وغياب الألعاب النارية في ليلة المولد هذا العام، وقالت في منشور عبر صفحتها "شكرا لكل ليبي أوقف الاحتفال حدادا على شهداء درنة، نحبكم وانتو حاسين ببعضكم.. ليبيا واحدة".
#طرابلس الدنيا مهفتة مفيش العاب نارية على الميلود
— مدونة مطبات_غيداء (@MdwntMtbat) September 26, 2023
اختفاء مظاهر الفرح
شكرا لكل ليبي وقف الاحتفال حدادا على شهداء #درنة
نحبكم وانتو حاسين ببعضكم
ليبيا واحدة🌹
ويحتفل الليبيون بذكرى المولد النبوي عبر عدة مظاهر من بينها القناديل التي يحملها الأطفال في ليلة "الميلود"، ويتجولون بها في أزقة وشوارع المدن مرددين أهازيج وأغان شعبية تعبر عن المناسبة. وفي السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة الألعاب النارية رغم التحذيرات المستمرة من خطورتها.
للعصيدة قصة أخرى
وبالتوازي مع مشاركة البعض مشاعر الحزن والتضامن مع درنة وأخواتها من المدن المنكوبة، استرجع آخرون نقاش "العصيدة بدعة"، الذي أصبح معتاداً في مناسبة المولد النبوي من كل عام.
"العصيدة" من عادات الليبيين في ذكرى المولد النبوي pic.twitter.com/vj0QX9WZcL
— شبكة الرائد الإعلامية (@arraedlgplus) September 26, 2023
والعصيدة أكلة ليبية محببة للكثيرين، تطهى من عجينة الدقيق الأبيض وتؤكل مع العسل أو الرب وزيت الزيتون أو الزبدة، وهي من العادات المتبعة في أغلب البيوت الليبية في صبيحة المولد، كما تؤكل في مناسبات أخرى منها "أسبوع" المولود الجديد وغيرها.
ويرفض بعض المنتمين للتيارات السلفية فكرة الاحتفال بالمولد النبوي باعتبارها "من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الدين الإسلامي". وغالباً ما تتصدر "العصيدة" النقاشات حول مظاهر الاحتفال بالمولد باعتبارها الأكلة التي توارث الليبيون عملها ويحرصون على طبخها في صبيحة يوم "الميلود".
الحاجة الوحيدة لي حانتريحو منها الميلود هذا العصيدة بدعه ولالا تهيالي فيش حد عنده نية ف عصيدة بعد العصيدة لي صارتلنا
— Tami almnfi (@TAlmnfi) September 22, 2023
وعن النقاش المعتاد قالت صاحبة حساب يحمل اسم تامي المنفي، إنه لن يكون هناك جدل هذا العام حول أن "العصيدة بدعة"، مضيفة أن لا أحد لديه رغبة في ذلك "بعد العصيدة التي صارلتنا"، في إشارة إلى كارثة درنة.
وضربت العاصفة دانيال أجزاء من شرق ليبيا قبل أكثر من أسبوعين ما تسبب في سيول وفيضانات عنيفة خلفت دماراً واسعا بعدة مدن وقرى في الجبل الأخضر لكن القدر الأكبر من الضحايا كان من نصيب مدينة درنة الساحلية حيث سجلت آلاف الوفيات فيما ما يزال آلاف آخرون في عداد المفقودين.
المصدر: أصوات مغاربية