تتواصل الاحتفالات في تونس بذكرى "تركيز مبادئ الجمهورية" عقب استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1956. هذا العرس السنوي الذي دأبت تونس على إحيائه تحول قبل أربع سنوات إلى يوم حزن وحداد، بعد اغتيال المعارض وعضو المجلس التأسيسي محمد البراهمي بالرصاص من قبل متشددين.
عملية اغتيال البراهمي التي جاءت بعد حوالي ستة أشهر من اغتيال المعارض شكري بلعيد في سيناريو مشابه ، دفعت بالآلاف من التونسيين إلى الخروج والتظاهر في الشوارع رفضا للغة السلاح، ما دفع الفرقاء السياسيين للجوء إلى الحوار الوطني .
فهل ساهم اغتيال البراهمي في خروج البلاد من نفق مظلم، وإنهاء حالة العنف السياسي التي كانت تميز المشهد التونسي عقب الثورة ؟
ذكرى الفاجعة
قبل أربع سنوات بينما كانت أنظار التونسيين مشدودة إلى المجلس التأسيسي الذي كان يحيي، وقتها، عيد الجمهورية وسط أزمة خانقة في البلاد، انحبست الأنفاس لبرهة من الزمن بسبب فاجعة اغتيال المعارض محمد البراهمي أمام منزله في محافظة أريانة في وضح النهار برصاصة استقرت في جسده .
وتعليقا على تلك الحادثة يتحدث ابنه عدنان لـ"أصوات مغاربية"، فيقول "كانت الساعة تشير إلى حوالي منتصف النهار في السادس عشر من رمضان، عندما استمعنا إلى وابل من الرصاص يخترق الهدوء الذي كان يخيم على المكان".
وأضاف عدنان البراهمي" لا يمكن أن أنسى صورة أبي وهو يسبح في بركة من الدماء"، قبل أن يستدرك " أنا فخور به، لقد علمنا جميعا معاني التضحية في سبيل البلاد، و دمه ليس أغلى من دم الذين اغتالتهم يد الغدر على غرار الفقيد شكري بلعيد وباقي الضحايا من أجهزة الأمن والجيش".
ويرى المتحدث ذاته "أن اغتيال والده لم يغير من الخارطة السياسية في تونس فقط، بل أثر على المنطقة بأسرها، بعد أن تراجع نفوذ الإخوان المسلمين في مصر و ليبيا، معتبرا أن عملية الاغتيال كانت منطلقا حقيقيا لمحاربة التشدد والعنف السياسي في تونس "
تحول نوعي
الكاتب الصحفي نور الدين المباركي الذي عايش تلك الفترة من تاريخ تونس يرى أن "اغتيال محمد البراهمي مثل تحولا نوعيا في المشهد االسياسي التونسي، وساهم في تأسيس جبهة الإنقاذ الوطني التي ضمت، وقتها، أحزابا سياسية وجمعيات ومنظمات مدنية".
و حسب تصريح المباركي لـ"أصوات مغاربية" فقد "ساهم تأسيس هذه الجبهة ومختلف التحركات الميدانية التي نظمتها، خاصة اعتصام باردو الشهير، تحولا في الخارطة السياسية التونسية".
وأردف المصدر ذاته " يمكن القول اليوم أن ما بعد اغتيال البراهمي صنع النموذج التونسي في إدارة الأزمات خلال عملية الانتقال الديمقراطي، عبر آلية الحوار الوطني".
وعي بخطورة المرحلة لكن ؟
يرى المحلل السياسي خليفة بن سالم أن "عملية الاغتيال دفعت في الظاهر النخب السياسية إلى الوعي بخطورة تحويل التنافس السياسي عبر الفكر إلى صراع دموي".
وأوضح في حديثه لـ"أصوات مغاربية" أن "اغتيال البراهمي أجبر جميع القوى الكبرى على التنديد بالتنظيمات الإرهابية والفكر التكفيري والسلوكيات الفوضية، ودفع بمكونات المشهد السياسي والحزبي إلى خيار التنافس الانتخابي ،وهذا في حد ذاته إيجابي"، قبل أن يستدرك "لكن هذا لا يعني أن فكر التطرف قد انتهى".
و تابع خليفة بن سالم "ذهنية التفرد و الإستئصال في معادلة العلاقة بين الخصوم السياسيين بالمشهد التونسي مازالت قائمة لدى البعض، ما يفرض التفكير في تطوير الحياة السياسية والنضال نحو فكرة القبول بالآخر والتسامح والحوار الهادئ ونبذ العنف السياسي بكل أشكاله".
المصدر : أصوات مغاربية