لا تقتصر الأفواج المغادرة من تونس نحو الدول الأجنبية على من يلجؤون إلى قوارب الهجرة غير الشرعية من عاطلين عن العمل والمنقطعين عن الدراسة، وإنما تضم أيضا كفاءات وباحثين اختاروا الهجرة بحثا عن فرص أفضل.
وتعتبر هجرة الكفاءات التونسية من الملفات التي تضررت منها تونس اقتصاديا وتبحث لها عن حلول من أجل الاستفادة من هذه الخبرات.
وينعكس هذا التوجه في إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد، خلال افتتاح ندوة "الكفاءات التونسية بالخارج تونس 2030"، سعي الحكومة إلى إعداد استراتيجية كاملة لاستقطاب هذه الكفاءات.
أرقام مفزعة
وقد أفاد وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، في تصريح لإذاعة "موزاييك"، بأن "تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا على مستوى هجرة الكفاءات، وفق تقرير عربي صادر في هذا الشأن سنة 2009".
ووفق آخر استبيان أنجزه مركز تونس للبحوث الاستراتيجية، تحصلت "أصوات مغاربية" على نسخة منه، فإن 83 في المائة من الكفاءات التونسية ترغب في الهجرة، بحثا عن فرص أفضل.
وشارك في هذا الاستبيان، وفق ما ذكره رئيس المركز مختار زغدود حوالي 250 شخصا من الكفاءات التونسية في اختصاصات مختلفة.
زيدو كرهو الشعب في عيشتو هاو قريب يكمل يهج الكل ويخاليها واسعة وعريضة ... !! https://t.co/pEZjZatDMd
— Nadhir Mindfreak (@NadhirMindfreak) 16 août 2017
وأضاف زغدود، في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، أن "المركز سيواصل في إنجاز هذا الاستبيان ليشمل 3 آلاف تونسي يتواجدون خارج الوطن".
وبخصوص أبرز الاختصاصات التي ترغب في الهجرة، أكد محدثنا أن معظمهم من الأساتذة الجامعيين والأطباء والمهندسين.
وأضاف المصدر ذاته: "55 في المائة من الطلبة الذين يقررون إتمام دراستهم في الخارج لا يعودون إلى تونس، وإنما يستقرون للعمل هناك".
وانتقد رئيس مركز تونس للبحوث الاستراتيجية غياب البحوث المعمقة والدراسات حول موضوع هجرة الكفاءات، رغم أهميتها في إيجاد حلول لهذه المشكلة.
أسباب مادية
وفق استبيان مركز تونس، مثلت الأسباب المادية السبب الرئيسي لهجرة الكفاءات من تونس بنسبة 55 بالمائة من المستجوبين، الذين تتراوح أعمارهم بين 25 سنة و45 سنة وبنسبة 77 بالمائة للمستجوبين الذين تجاوزوا مرحلة الدكتوراه.
وفي تصريح لـ "أصوات مغاربية"، بيّن الباحث في القضايا الاجتماعية، أحمد الأبيض "أن تردي الوضع الاقتصادي وعدم قدرة الاقتصاد التونسي على توفير مواطن شغل دفع بخريجي الجامعات إلى الهجرة والبحث عن فرص أخرى في دول أجنبية".
ورأى الباحث أن "قلة مواطن الشغل المخصصة لخريجي الجامعات والعقول المفكرة سببها قلة الاستثمارات، وكذلك عدم مواكبة الإدارة التونسية للتقنيات الحديثة وهو ما يجعلها في غنى عن الكفاءات، إلى جانب اعتماد المحسوبية والرشوة في التوظيف".
كما أن التفاوت في الأجور بين تونس والدول الأخرى يدفع الكفاءات، وفق تقدير النائبة والباحثة حياة العمري إلى قبول عروض شغل مغرية في الدول الأوروبية ودول الخليج خاصة.
وقالت العمري، في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، إن "أجر الطبيب أو الباحث في تونس لا يمثل سوى عُشر أجره في دول الأخرى".
وأفاد رئيس مركز تونس بأن "55 بالمئة من الطلبة الذين يغادرون تونس من أجل طلب العمل لا يعودون إلى تونس عند إتمام الدراسة".
تهميش الكفاءات
أكدت المخترعة في مجال الكيمياء، حياة عمري، أن "أكبر "صادرات تونس" عبر التاريخ هي كفاءاتها بسبب عدم إعطاء مؤسسات الدولة أي قيمة لها وعدم تمكين أصحابها من فرصة لإثبات براعتهم، في حين ترحب دول أخرى باحتضانهم".
وقالت العمري: "من خلال تجربة عشتها، فإن هناك مشاكل كبيرة تعاني منها الإدارة التونسية، وللأسف لا يتم إعطاء فرصة للكفاءات من أجل تمكين تونس من استقلال حقيقي يغنيها عن استيراد عديد المواد والتكنولوجيات".
وفي السياق نفسه، بيّن الخبير الدولي في تقييم النظم التربوية وإصلاحها، الدكتور محمد بن فاطمة، أن "وزارة التربية في تونس لا تشجع الخبراء والكفاءات الوطنية".
وأفاد بن فاطمة بأن وزارة التربية كمثال "لا تستدعي الخبراء التونسيين في مجال التربية وتلجأ إلى الخبراء الأجانب، في حين تستنجد بهم الدول العربية الأخرى".
الاستثمار في الكفاءات
يعد مشكل هجرة الأدمغة، وفق الباحث أحمد الأبيض، من المشاكل المنتشرة في العالم العربي ويكلف مليارات الدولارات تصرفها الدول على تعليم الكفاءات وتخريجهم من الجامعات.
ودعا الأبيض إلى الابتعاد عن المناكفات والتجاذبات السياسية والبحث عن برامج تطور الاقتصاد التونسي وتفتح آفاق الاستثمار لجلب الكفاءات.
وتعتبر الكفاءات التونسية الموجودة في الخارج، وفق أحمد الأبيض، "قوة اقتراح وجب توظيفها لخدمة تونس في مجالات عدة من خلال نقل تجارب الدول التي يعملون فيها".
وأضاف الأبيض أن "أبناء تونس بالخارج يمكن استثمارهم من خلال تكوين شبكات ولوبيات تدعم تونس على مستوى اقتصادي وسياحي".
المصدر: أصوات مغاربية