تهيمن النقاشات حول المساواة في الميراث على مساحات واسعة من المنصات الاجتماعية ووسائل الإعلام في تونس.
واستثمرت منظمات فاعلة في المجتمع المدني العيد العالمي للمرأة، لتُصعد من مطالباتها بإقرار مساواة في الإرث بين الرجال والنساء، وقد خرجت مسيرات منادية بهذا المطلب بتونس، إلى جانب تنظيم ندوات وأيام دراسية.
وانطلق هذا النقاش، بشكل فعلي، بعد تشكيل الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، في أغسطس الماضي، لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة، وكلفها بإعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريّات الفردية والمساواة، استنادا إلى مقتضيات دستور 2014.
خطوة السبسي اعتبرها البعض انتصارا للقيم الحداثية، وانتهاجا لسياسات الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، الذي كان سببا في إقرار عدد من الحقوق الخاصة بالمرأة بتونس، فيما يعتبرها آخرون حملة انتخابية تهدف إلى استمالة أصوات طيف واسع من النساء.
اليحياوي: السبسي يخوض حملة انتخابية
ينظر جزء من الطبقة السياسية في تونس إلى خطوة الرئيس الباجي قايد السبسي، في اتجاه إقرار المساواة في الميراث بين الجنسين، على أنها حملة انتخابية سابقة لأوانها.
وفي هذا السياق، يقول عضو المكتب السياسي لحزب حراك تونس الإرادة، عبد الواحد اليحياوي، إن الباجي قايد السبسي كان دائما في صف التيار المحافظ داخل الحزب الدستوري، فيما لم تُعرف له مواقف ذات طابع تقدمي.
القيادي بحراك تونس الإرادة، الذي يتزعمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، يعتبر أن دعوة السبسي إلى المساواة في الميراث تندرج في إطار مساعي الرئيس الحالي إلى استعادة أصوات النساء اللاتي انتخبنه في استحقاق 2014.
وبالنسبة لليحياوي، فإن جزءا مهما من النساء اللاتي أعطين أصواتهن للسبسي في الانتخابات الماضية، استندن إلى موقفه وصراعه مع حركة النهضة والإسلام السياسي في ذلك الوقت، "قبل أن يقدم الرئيس السبسي على خيانة تلك الأصوات بإقامته تحالفا مع النهضة"، وفق تعبيره.
انطلاقا من هذه النقطة، فإن السبسي، وفقا لعضو المكتب السياسي لحراك تونس الإرادة، يعوّل على أصوات النساء كخزّان بشري من شأنه ترجيح كفته، وكفة نداء تونس الذي أسسه، في قادم المحطات الانتخابية.
عنصر آخر دفع الرئيس إلى طرح نقاش المساواة في الإرث، من منظور عبد الواحد اليحياوي، هو إسراع أحزاب انشقت على نداء تونس، على غرار مشروع تونس، إلى تبني خطاب مناصرة المرأة، ما يهدد بافتكاك وانتزاع ذلك الخطاب من حزب الرئيس.
"الدفع بهذا النقاش إلى الواجهة يهدف إلى التغطية على الفشل الذريع لمنظومة الحكم التي يقودها الباجي قايد السبسي على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدبلوماسية"، يردف القيادي بحزب حراك تونس الإرادة المعارض.
ويخلص المتحدث ذاته إلى القول إن السبسي يسعى من وراء هذا النقاش إلى "تحقيق مكاسب سياسية صغيرة، قد يضحّي من أجلها بوحدة وتماسك المجتمع المنقسم بشدة إزاء موضوع المساواة في الميراث، على الرغم من أن الرئيس، بمقتضى القانون، حام لوحدة التونسيين".
خميس: هدف السبسي تعزيز مكانة المرأة
في المقابل، يفنّد النائب البرلماني عن حزب نداء تونس، محمد رمزي خميس، الطرح الذي يتبناه السياسي المعارض عبد الواحد اليحياوي.
خميس يرد على اليحياوي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، قائلا إن للتونسيات من الكفاءة والوعي لانتخاب الأحزاب والشخصيات السياسية على أساس البرامج وليس على أساس مشاريع القوانين.
ويؤكد النائب البرلماني عن حزب الرئيس السبسي، إن الرئيس التونسي تقدّم بطرح هذه القضية بناء على طلبات قدمت إليه من قبل جمعيات فاعلة في مجال حقوق الإنسان، وقد شكّل لذلك لجنة لأعضائها تاريخ طويل في مجال الحرّيات، وفق قوله.
ويعتبر خميس أن سياق مقترح المساواة في الإرث يندرج ضمن جملة من القوانين التي أقرها نوّاب الشعب، من بينها القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، إلى جانب إقرار التناصف الأفقي والعمودي في تشكيل القائمات للانتخابات البلدية.
"هذا المقترح لا يزال قيد الدرس لدى لجنة الحريات برئاسة الجمهورية"، يشير محمد رمزي خميس، قاصدا مقترح المساواة في الإرث، مؤكدا على أن نواب الشعب سيتفاعلون مع مشروع القانون أو المبادرة التشريعية التي ستعرض عليهم في هذا الغرض.
ومن منظور النائب عن نداء تونس، وهو الحزب الذي يقود الائتلاف الحاكم، فإن المرأة التونسية افتكت واستحقت حقوقها التي اكتسبتها منذ خمسينيات القرن الماضي، إبان إصدار مجلة الأحوال الشخصية، مرورا بعدة محطات استطاعت تونس، على إثرها، أن تكون رائدة في هذا المجال، وفق طرح.
المصدر: أصوات مغاربية