الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي
الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي

في تطور نادر لم يسجل منذ 2014، اتخذ حزبا نداء تونس وحركة النهضة، الشريكان في الحكم، مواقف متناقضة من التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، الأمر الذي صعّد من حدة اللهجة بين الحليفين، في أجواء تُذكّر بما عاشته البلاد من تجاذبات عميقة قبل انتخابات 2014، بين الإسلاميين والعلمانيين.

​​​ويرى محللون أن هذه الخلافات قد أحدثت شرخا عميقا في العلاقات بين الطرفين، فيما يرى آخرون أن التوافق القائم بينهما سيعود أقوى مما كان عليه، مشيرين إلى إمكانية حدوث انقسامات داخلية في الحزبين معا.

خلافات حول التمديد

انقسمت الطبقة السياسية بشدة، هذا الأسبوع، بسبب خلافات حول التمديد لعام إضافي لهيئة الحقيقة والكرامة التي ترأسها سهام بن سدرين، في ظل تشبث الهيئة بقرار التمديد لها بمبرر تلقي عدد كبير من ملفات انتهاكات مفترضة تحتاج معالجة، في ظل حديث عن امتناع إدارات عن تسليم ملفات تعود إلى زمن "البوليس السياسي".

وتختص الهيئة في كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة منذ الأول من يوليو 1955، أي بعد نحو شهر على حصول تونس على الاستقلال، وحتى 31 ديسمبر 2013، كما تشمل مهامها مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم.

​​وعلى الرغم من تحالفهما في الحكم، فإن حركتي نداء تونس والنهضة، قد كشفتا عن آراء متباينة إزاء هذه المسألة.

وانسحب نواب النهضة والمعارضة من جلسة التصويت على إمكانية التمديد في عمل الهيئة، فيما صوّت نواب نداء تونس لصالح عدم التمديد.

وتدور، في الوقت الراهن، نقاشات في تونس بشأن مدى قانونية تلك الجلسة ومدى استكمالها للنصاب القانوني، خاصة في ظل عدم وجود محكمة دستورية تفصل في هذا النزاع.

شرخ الحزبين

ويعتقد المحلل السياسي، مختار الدبابي، أن هيئة الحقيقة والكرامة، بقيادة سهام بن سدرين، قد أحدثت شرخا كبيرا في العلاقات بين حركة النهضة ونداء تونس.

ولن ينهي هذا الشرخ، بحسب المحلل ذاته، مرحلة التوافق بين الحزبين الحاكمين، مرجحا أن يضغط رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، ورئيس البلاد، الباجي قايد السبسي، على النواب بالبرلمان لتهدئة الخطاب، خاصة أن مجريات ما قبل جلسة التصويت على قرار التمديد أعطت إشارات سلبية للداخل والخارج، حسب تعبيره.

ومن منظور الدبابي، فإنه لا توجد خيارات أخرى في المرحلة الراهن سوى استمرار التوافق، في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي تعيشها البلاد.

من هذا المنطلق، فإن تونس، وفقا للدبابي، لا يمكن لها أن تحتمل حالة من الاستقطاب يمكن أن تعيد البلاد إلى أجواء 2013، التي تسلل من خلالها الإرهاب لتنفيذ عمليات اغتيال موجهة لمزيد من تعكير الوضع.​​

التقوي أم الانقسام؟

في المقابل، يعتقد محللون أن الخلافات الأخيرة بين الحزبين الحاكمين في البلاد، من شأنها أن تلقي بظلالها على التماسك الداخلي لتلك الأطراف السياسية.

الكاتب الصحفي، نزار مقني، يقول، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن تحالف نداء تونس مع حركة النهضة سيعود أقوى ممّا كان عليه الوضع قبل التطورات الأخيرة.

في المقابل، يرى مقني أن المسار الجديد الذي سيتم انتهاجه، في علاقة بملف العدالة الانتقالية، وضمنه إمكانية التوافق على قانون وقيادة جديدتين للهيئة المشرفة على الملف، سيخلف، بحسب مقني، انقسامات كبرى داخل الحزبين.

ففي داخل حركة النهضة، يؤكد المتحدث، يوجد أكثر من رأي حول هذه المسألة، بين من يدعم مسار العدالة الانتقالية وهيئة الحقيقة والكرامة بشكلها الحالي، وبين متشبث بالتوافق مع نداء تونس، خاصة على مستوى القيادات.

كما يوجد داخل نداء تونس، وفقا لمقني، شق رافض بشدّة للتوافق مع الإسلاميين، رغم تمسكهم بالبقاء في الحزب أثناء موجة الانشقاقات الكبيرة التي ضربت هذا الطرف السياسي في السنوات الأخيرة.​​

استثمار سياسي

وفي قراءة أخرى، يرى المحلل السياسي، معز الباي، أن حركة النهضة تهدف من خلال إعلانها التمسّك بمسار العدالة الانتقالية، إلى ضمان أصوات شق واسع من الضحايا والمتعاطفين معهم، الذي ينتظرون مسألة التعويضات المالية.

كما أن نداء تونس يهدف، من خلال مناهضته لهيئة بن سدرين، إلى إرضاء قواعد واسعة من أنصار حزب نداء تونس، والذين هم غير راضون عن مسار العدالة الانتقالية ككل، وفق الباي

ويتبنى المحلل السياسي، مختار الدبابي، هذا الطرح، مشيرا إلى أن الهجمة القوية لنداء تونس على العدالة الانتقالية هي "محاولة لتأكيد الولاء للخط البورقيبي والدولة الوطنية، ومغازلة لجمهور الدساترة والتجمعيين على المستوى المحلي، وهم جمهور مفصلي في الانتخابات"، حسب تعبيره.

ويرجح الدبابي أن تتم التضحية ببن سدرين وتعويضها بشخصية وصفها بـ"غير العدائية للجانبين"، أي النهضة والنداء، ما يحول دون محاولة التوظيف السياسي لنتائج الهيئة في الانتخابات.

​​

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

جانب من مظاهرة جديدة ضد سياسات الرئيس  التونسي قيس سعيّد
جانب من مظاهرة جديدة ضد سياسات الرئيس التونسي قيس سعيّد

تنظم الشبكة التونسية للحقوق والحريات (تضم منظمات وأحزاب سياسية)، اليوم الجمعة، مسيرة شعبية في تونس العاصمة، وذلك "دفاعا" عن الحقوق والحريات في تونس، تحت شعار "ماناش ساكتين (لن نصمت)".

وجاء في بيان الدعوة لهذه المسيرة أنّها تأتي من أجل "الدفاع عن دولة القانون والحقوق السياسية والمدنية، وإلغاء المراسيم القمعية، وضمان حق الجميع في حرية التعبير وحق المعارضة والمطالبة بإطلاق سراح مساجين الرأي والنشاط المدني والسياسي".

يأتي ذلك أسابيع قليلة قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 6 أكتوبر المقبل حيث تنطلق غدا السبت الحملة الانتخابية للمترشحين الثلاثة، وهم الرئيس الحالي قيس سعيد والأمين العام لـ "حركة الشعب" زهير المغزاوي، والأمين العام لـ"حركة عازمون" العياشي زمال.

وجددت هذه الاحتجاجات، التي تنطلق من محطة الجمهورية "البساج"  في اتجاه المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة ومرورا بشارع الحبيب ثامر، الجدل بشأن طبيعتها وما إذا كان لها دلالات بأن الشارع التونسي عاد ليقول "لا".

"لا لتواصل العبث"

تعليقا على هذا الموضوع، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري- (ديمقراطي/معارض) وسام الصغير إن عودة الاحتجاجات في تونس لها دلالات متعددة أبرزها أن التونسيين سئموا من انتهاك السلطة للحقوق والحريات وتردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد حيث خرجوا ليقولوا لا لتواصل هذا العبث.

وأضاف الصغير في تصريح لـ "أصوات مغاربية" أن خروج الأحزاب السياسية ومن ضمنها الحزب الجمهوري وكذلك المنظمات والجمعيات الحقوقية في مسيرة شعبية بتونس العاصمة يأتي للتنديد بما وصفها بحالة البؤس الاقتصادي والاجتماعي في البلاد وتواصل ضرب ونسف كل مقومات العيش المشترك عبر انتهاك الحقوق والحريات واعتقال السياسيين والصحفيين وكل صوت منتقد للسلطة.

وشدد المتحدث على أن رجوع الاحتجاجات إلى الشارع في تونس لها مدلول بارز وهو التنديد بحالة الفشل وانعدام الرؤية لمنظومة الحك وغياب الحلول والبرامج في دفع النمو الاقتصادي ومجابهة غلاء الأسعار وتراجع المقدرة الشرائية للتونسيين.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن الشبكة التونسية للحقوق والحريات تضم أكثر من 8 أحزاب سياسية ونحو 20 منظمة وجمعية حقوقية وذلك للدلالة على "وعي هذه المكونات بأن المصير أصبح مشتركا والخطر يهدد الجميع والشارع أصبح الملاذ الأخير لإيقاف حالة الانهيار والعبث".

توقيت غير بريء

من جانبه، يرى الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية/يوليو"( داعم للسلطة) محمود بن مبروك، أنه خلافا لما "تروجه" أحزاب المعارضة و المنظمات والجمعيات الحقوقية بشأن واقع الحقوق والحريات في تونس، أن ليس هناك أي تراجع في هذا المجال نافيا أن تكون هناك أزمة اقتصادية واجتماعية في البلاد.

وقال بن مبروك في حديث لـ"أصوات مغاربية" إن خروج الأحزاب المعارضة والحقوقيين إلى الشارع للاحتجاج في إطار القانون هو ظاهرة صحية تدل على أن السلطة لا تمنع حق التظاهر احتراما لما يكفله دستور البلاد لسنة 2022.

وتابع في علاقة بهذه الاحتجاجات بأن " آخر اهتمامات هذه الأحزاب هو الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تونس باعتبارها كانت شريكة في الحكم قبل مسار 25 يوليو 2021 ولم تكن تهتم بالوضع المعيشي للتونسيين، بل غايتها الوحيدة الاستمرار في السلطة" لافتا إلى أن السلطة الحالية فتحت الأبواب لجميع الأطياف السياسية للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية شرط احترام القوانين وذلك بعيدا عن المال السياسي المشبوه والفساد وغيره.

من جانب آخر، أكد المتحدث، أن "اختيار توقيت الاحتجاجات غير بريء لتزامنه مع انطلاق الحملات الانتخابية للمترشحين للرئاسيات، والغاية منه تأجيج الأوضاع والتأثير على الناخبين وجلب تعاطف دولي ممن يعارضون مسار 25 يوليو 2021".

المصدر: أصوات مغاربية