في تطور نادر لم يسجل منذ 2014، اتخذ حزبا نداء تونس وحركة النهضة، الشريكان في الحكم، مواقف متناقضة من التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، الأمر الذي صعّد من حدة اللهجة بين الحليفين، في أجواء تُذكّر بما عاشته البلاد من تجاذبات عميقة قبل انتخابات 2014، بين الإسلاميين والعلمانيين.
عاجل: بن سدرين تُعلن رسميا مواصلة مهام هيئة الحقيقة و الكرامة. برجولية وبرغم اختلافي معاها الا انها عندها ضربات معلمية وتبرد على القلب 😁😍😍
— sarah saidi (@sarahsaidi29) 28 mars 2018
ويرى محللون أن هذه الخلافات قد أحدثت شرخا عميقا في العلاقات بين الطرفين، فيما يرى آخرون أن التوافق القائم بينهما سيعود أقوى مما كان عليه، مشيرين إلى إمكانية حدوث انقسامات داخلية في الحزبين معا.
خلافات حول التمديد
انقسمت الطبقة السياسية بشدة، هذا الأسبوع، بسبب خلافات حول التمديد لعام إضافي لهيئة الحقيقة والكرامة التي ترأسها سهام بن سدرين، في ظل تشبث الهيئة بقرار التمديد لها بمبرر تلقي عدد كبير من ملفات انتهاكات مفترضة تحتاج معالجة، في ظل حديث عن امتناع إدارات عن تسليم ملفات تعود إلى زمن "البوليس السياسي".
وتختص الهيئة في كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة منذ الأول من يوليو 1955، أي بعد نحو شهر على حصول تونس على الاستقلال، وحتى 31 ديسمبر 2013، كما تشمل مهامها مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم.
سهام بن سدرين قسمت التوانسة وكرهتهم في بعضهم #عدالة_انتقامية #SBS#IVD
— Léna (@Lenounette) 27 mars 2018
وعلى الرغم من تحالفهما في الحكم، فإن حركتي نداء تونس والنهضة، قد كشفتا عن آراء متباينة إزاء هذه المسألة.
وانسحب نواب النهضة والمعارضة من جلسة التصويت على إمكانية التمديد في عمل الهيئة، فيما صوّت نواب نداء تونس لصالح عدم التمديد.
وتدور، في الوقت الراهن، نقاشات في تونس بشأن مدى قانونية تلك الجلسة ومدى استكمالها للنصاب القانوني، خاصة في ظل عدم وجود محكمة دستورية تفصل في هذا النزاع.
شرخ الحزبين
ويعتقد المحلل السياسي، مختار الدبابي، أن هيئة الحقيقة والكرامة، بقيادة سهام بن سدرين، قد أحدثت شرخا كبيرا في العلاقات بين حركة النهضة ونداء تونس.
ولن ينهي هذا الشرخ، بحسب المحلل ذاته، مرحلة التوافق بين الحزبين الحاكمين، مرجحا أن يضغط رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، ورئيس البلاد، الباجي قايد السبسي، على النواب بالبرلمان لتهدئة الخطاب، خاصة أن مجريات ما قبل جلسة التصويت على قرار التمديد أعطت إشارات سلبية للداخل والخارج، حسب تعبيره.
ومن منظور الدبابي، فإنه لا توجد خيارات أخرى في المرحلة الراهن سوى استمرار التوافق، في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي تعيشها البلاد.
من هذا المنطلق، فإن تونس، وفقا للدبابي، لا يمكن لها أن تحتمل حالة من الاستقطاب يمكن أن تعيد البلاد إلى أجواء 2013، التي تسلل من خلالها الإرهاب لتنفيذ عمليات اغتيال موجهة لمزيد من تعكير الوضع.
التقوي أم الانقسام؟
في المقابل، يعتقد محللون أن الخلافات الأخيرة بين الحزبين الحاكمين في البلاد، من شأنها أن تلقي بظلالها على التماسك الداخلي لتلك الأطراف السياسية.
الكاتب الصحفي، نزار مقني، يقول، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن تحالف نداء تونس مع حركة النهضة سيعود أقوى ممّا كان عليه الوضع قبل التطورات الأخيرة.
في المقابل، يرى مقني أن المسار الجديد الذي سيتم انتهاجه، في علاقة بملف العدالة الانتقالية، وضمنه إمكانية التوافق على قانون وقيادة جديدتين للهيئة المشرفة على الملف، سيخلف، بحسب مقني، انقسامات كبرى داخل الحزبين.
ففي داخل حركة النهضة، يؤكد المتحدث، يوجد أكثر من رأي حول هذه المسألة، بين من يدعم مسار العدالة الانتقالية وهيئة الحقيقة والكرامة بشكلها الحالي، وبين متشبث بالتوافق مع نداء تونس، خاصة على مستوى القيادات.
كما يوجد داخل نداء تونس، وفقا لمقني، شق رافض بشدّة للتوافق مع الإسلاميين، رغم تمسكهم بالبقاء في الحزب أثناء موجة الانشقاقات الكبيرة التي ضربت هذا الطرف السياسي في السنوات الأخيرة.
استثمار سياسي
وفي قراءة أخرى، يرى المحلل السياسي، معز الباي، أن حركة النهضة تهدف من خلال إعلانها التمسّك بمسار العدالة الانتقالية، إلى ضمان أصوات شق واسع من الضحايا والمتعاطفين معهم، الذي ينتظرون مسألة التعويضات المالية.
كما أن نداء تونس يهدف، من خلال مناهضته لهيئة بن سدرين، إلى إرضاء قواعد واسعة من أنصار حزب نداء تونس، والذين هم غير راضون عن مسار العدالة الانتقالية ككل، وفق الباي
ويتبنى المحلل السياسي، مختار الدبابي، هذا الطرح، مشيرا إلى أن الهجمة القوية لنداء تونس على العدالة الانتقالية هي "محاولة لتأكيد الولاء للخط البورقيبي والدولة الوطنية، ومغازلة لجمهور الدساترة والتجمعيين على المستوى المحلي، وهم جمهور مفصلي في الانتخابات"، حسب تعبيره.
ويرجح الدبابي أن تتم التضحية ببن سدرين وتعويضها بشخصية وصفها بـ"غير العدائية للجانبين"، أي النهضة والنداء، ما يحول دون محاولة التوظيف السياسي لنتائج الهيئة في الانتخابات.
المصدر: أصوات مغاربية