البوابة الليبية لمعبر راس جدير
معبر راس جدير بين تونس وليبيا

فتحي مارس، وقد بدت عليه علامات اليأس، في متجره الصغير بين مناضد تكدست عليها قمصان زاهية الألوان وسراويل جينز.

يقول فتحي إنه إذا استمرت الحرب في ليبيا فسيغلق المحل.

وتتردد هذه العبارة كثيرا في بنقردان التونسية. فعلى مدى عشرات السنين ظلت هذه البلدة الواقعة على مسافة 35 كيلومترا من الحدود مع ليبيا في جنوب تونس مستودعا للبضائع، سواء المهربة أو المستوردة.

غير أنه منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011، قضى الصراع في ليبيا على حركة التجارة.

فخلال السنوات الثماني الماضية أغلق نحو 700 متجر أبوابه مع تضاؤل الإمدادات وارتفاع الأسعار بشدة وفق ما تقوله جمعية محلية للتجار.

ولا تزال هياكل الأكشاك تنتشر في شوارع المدينة وقد علا الصدأ الهياكل المعدنية الملتوية التي كانت تمتلئ في وقت من الأوقات بالبضائع المعروضة للبيع.

سوق ليبيا

منذ سنوات تتعرض "سوق ليبيا" في مدينة بنقردان لضغوط. والسوق عبارة عن شبكة من المتاجر المنخفضة تباع فيها الملابس وأجهزة التلفزيون والمايكروويف ولا يزال بعضها في صناديق عليها أسماء الشركات الليبية المستوردة.

بنزين مهرب يباع على الحدود التونسية الليبية (2016)
بنزين مهرب يباع على الحدود التونسية الليبية (2016)

​​وازدادت مشاكل السوق بعد أن شن خليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا، هجوما في أوائل أبريل لانتزاع السيطرة على العاصمة طرابلس من أيدي جنود موالين للحكومة المعترف بها دوليا.

وقال تجار ومسؤولون في بنقردان إن القتال أوقف اتفاقا تجاريا بين تونس وليبيا كان من شأنه السماح للمسافرين باستيراد السلع الاستهلاكية بما قيمته 10 آلاف دينار ليبي (7140 دولارا) بما يلغي القيود والحظر الذي كانت تفرضه فيما سبق جماعات مسلحة ومسؤولون يمثلون الدولة الليبية على الواردات.

ففي الوقت الذي كان المسؤولون يعكفون فيه على وضع تفاصيل الاتفاق تفجرت حرب طرابلس الأمر الذي أدى إلى جمود المحادثات مع تركز الاهتمام في التجمعات السكانية التي تسيطر على طرق التجارة في غرب ليبيا على المعارك.

وقال رئيس مجلس المدينة، فتحي عبعاب، الذي شارك في المفاوضات التجارية، إن سكان بنقردان يعتمدون على ما يحدث على الطرف الآخر من الحدود، موضحا أنه تم التوصل إلى صفقة جديدة لكن الحرب تفجرت، ولم تنفذ الصفقة.

ويقول اتحاد محلي للعمال إن أغلب البالغين في البلدة التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة ليس لديهم وظائف منتظمة، قائلا إن التوترات تتزايد مع توقف دخل التجارة.

موضة قديمة

على المستوى الإقليمي، يهدد تجدد الصراع في ليبيا بتعطيل إمدادات النفط وزيادة حركة الهجرة عبر البحر المتوسط إلى أوروبا وإفساد خطط الأمم المتحدة لإجراء انتخابات بما ينهي التنافس بين حكومتين متوازيتين في ليبيا.

وليست تونس الدولة الوحيدة التي تضررت اقتصاديا. فقد اعتادت مصر إرسال العمال إلى ليبيا، كما يقول رجال أعمال ليبيون إن تشاد والنيجر في الجنوب استفادتا في الماضي من حركة التجارة والتهريب.

واعتاد التجار التونسيون الاستفادة من الفجوة بين الأسعار المرتفعة في السوق المحلية حيث رفعت الحكومة الضرائب والأسعار المنخفضة في ليبيا التي لا تفرض فيها رسوم استيراد أو ضرائب على البضائع، كما أن أسعار الغذاء والوقود فيها مدعمة بشكل كبير.

غير أن الواردات السلعية إلى تونس تتراجع منذ أكثر من ثلاث سنوات مع سعي الفصائل المتنافسة في ليبيا لكي تكون لها اليد العليا.

طابور في معبر راس جدير الحدودي بين تونس وليبيا
طابور في معبر راس جدير الحدودي بين تونس وليبيا

​​وفرضت جماعات مسلحة تسيطر على الحدود وطرق التجارة رسوما من جانبها أو فرضت حظرا على الإمدادات.

وفي 2017، انخفض الدينار الليبي الذي يتعرض لضغوط من جراء الصراع الأمر الذي أدى لارتفاع الأسعار ودفع البنك المركزي لتخفيض سعر صرف العملة في المعاملات التجارية والخاصة في السنة التالية.

وقال متعاملون في بنقردان إن كلفة استيراد السلع، مثل السجاد التركي والسراويل المصنوعة في الصين، من ليبيا تضاعفت في السنوات الثلاث الماضية.

كما تأثرت شبكات تهريب البنزين بتشديد الرقابة على الحدود التونسية بهدف إبعاد المتطرفين وبحملة شنتها شركة النفط الوطنية الليبية لوقف التجارة غير المشروعة في الوقود.

وانخفضت الواردات برا من ليبيا إلى تونس لتصل إلى 3500 طن في أبريل هذا العام، مقابل 4188 طنا في أبريل 2010، وفق البيانات الجمركية التونسية.

ولا تشمل هذه الأرقام حجم السلع المهربة عبر الحدود.

وتوضح إحصاءات تونسية أن من المقاييس الأخرى لانخفاض حركة التجارة هبوط عدد المسافرين عبر الحدود إلى النصف تقريبا ليصل إلى 101978 مسافرا في أبريل 2019 مقارنة بالشهر نفسه في 2010.

وفي كثير من الأحيان يسافر تجار من تونس لمدة يوم واحد إلى ليبيا لإبرام الصفقات.

وفي بنقردان، حاول فتحي مارس، تاجر الملابس إحلال سلع من تركيا والصين ودول أخرى في شرق آسيا محل السلع الليبية، لكنها كانت أغلى ثمنا ولا تصلح لنموذج "سوق ليبيا".

وقال مارس إن آخر مرة حصل فيها على بضائع من ليبيا كانت قبل عامين، مشيرا إلى بعض سراويل "الجينز" على منضدة.

 

المصدر: وكالة رويترز للأنباء

مواضيع ذات صلة

شيوخ من مدينة جربة التونسية - أرشيف
شيوخ من مدينة جربة التونسية - أرشيف

تشهد تونس تناميا ملحوظا لظاهرة التهرم السكاني، حيث تعرف نسبة كبار السن ارتفاعا متصاعدا ببلوغها 14.2 بالمائة سنة 2021 من امجموع السكان، ومن المتوقع أن تتجاوز نسبتهم 17% بحلول سنة 2029 وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول تداعياتها المحتملة على اقتصاد البلاد.

وزاد الاهتمام بهذه المؤشرات الرسمية في سياق الاحتفال باليوم العالمي للمسنين، (1 أكتوبر)، حيث أعلنت الحكومة التونسية عن خطة تنفيذية استراتيجية متعددة القطاعات لكبار السن في أفق 2030، تحت شعار "شيخوخة نشيطة وحياة كريمة".

وتتوقع السلطات التونسية أن تتغير التركيبة العمرية للمجتمع التونسي من مجتمع فتي إلى مجتمع في بداية التهرم، تبلغ فيه نسبة كبار السن قرابة خمس السكان بحلول سنة 2036 وفق ما أكدته وزيرة الأسرة والمرأة السابقة آمال بلحاج موسى.

يأتي ذلك في ظرف تشهد فيه البلاد صعوبات اقتصادية واجتماعية ما تزال تلقي بثقلها على الحياة اليومية للتونسيين، وتتصاعد معها وتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.

وتثير هذه الإحصائيات بشأن التركيبة العمرية للمجتمع التونسي تساؤلات حول أسباب  ظاهرة التهرم السكاني وتداعياتها المحتملة على بلد يعد نحو 12 مليون ساكن.

تراجع الخصوبة

في هذا الإطار، يقول أستاذ الديموغرافيا والعلوم الاجتماعية بالجامعة التونسية، حسان قصّار، إن تصاعد نسبة كبار السن هو نتيجة طبيعية لعدة عوامل من ضمنها تأخر سن الزواج من 24 سنة إلى 30 سنة، وارتفاع نسبة التعليم لدى المرأة التونسية الذي خفض في نسبة الإقبال على الزواج.

ويضيف قصّار لـ "أصوات مغاربية" أن معدل سن الزواج في تونس يناهز 31 سنة للإناث و33 سنة للذكور، ويصل إلى 34 سنة لأصحاب الشهادات الأكاديمية العليا، فضلا عن تراجع المؤشر التأليفي للخصوبة (معدل عدد الأطفال الذين يمكن أن تنجبهم امرأة طيلة حياتها) إلى مستوى 1.75 طفل وهي نسبة أقل من المستوى الذي يسمح بتجدد الأجيال والمقدّ.ر بـ 2.1 طفل كحد أدنى.

وبخصوص طبيعة هذه الظاهرة، يؤكد قصار أنها ظاهرة طبيعية للحداثة، إذ تعد تونس من أول بلدان الجنوب الذي يشهد هذه الظاهرة بعد أن شهدتها الدول الأوروبية المصنعة منذ القرن التاسع عشر.

ويتوقع الأكاديمي التونسي أن يتجاوز عدد المسنين في تونس 3 ملايين، في أفق 2036، مشددا على أن التهرم السكاني لن يتسبب في أزمة للبلاد إذا ما تم إعداد العدة من تغيير القوانين تماشيا مع الهيكلة الجديدة للمجتمع.

وفي مارس الماضي، كشف المدير العام السابق للمعهد الوطني للإحصاء، عدنان الأسود، عن تراجع حجم الأسرة التونسية من 5 أفراد في منتصف التسعينات إلى 4 أفراد في السنوات الأخيرة، لافتا إلى وجود تراجع ملحوظ لنسبة الولادات من 225 ألف إلى 160 ألف ولادة في 2023.

نتاج سياسة تنظيم النسل

من جانبه، يرى المختص في علم الاجتماع، أحمد الأبيض أن تصاعد وتيرة التهرم السكاني بتونس هو نتاج لسياسة تنظيم النسل المعتمدة منذ ما يناهز 60 سنة والتي شجعت على الاكتفاء بثلاثة أطفال كحد أقصى، وذلك بهدف تخفيف التكاليف الأسرية.

ويردف قائلا لـ "أصوات مغاربية" إنه وقع إغفال تبعات هذه السياسة على المجتمع التونسي على امتداد فترات طويلة من الزمن، من ذلك ارتفاع نسبة العنوسة حيث يوجد في البلاد نحو مليوني امرأة "عانس" ولم يسبق لها الزواج أصلا، فضلا عن غلق عدد من محاضن الأطفال جراء ضعف الإنجاب، وإثقال كاهل الصناديق الاجتماعية المتعلقة بتأمين جرايات التقاعد.

وتبعا لذلك، توقع المختص في علم الاجتماع، أن تلجأ الدولة إلى إعادة الترفيع في سن التقاعد إلى مستوى 65 سنة كمرحلة أولى لتصل إلى 70 سنة بعد عشرات السنين.

وفي ظل غياب إحصائيات رسمية، تشير تقارير إعلامية محلية إلى أن عدد المتقاعدين في تونس يناهز مليون و200 ألف متقاعد، يتوزعون بين 800 ألف في القطاع الخاص، و400 ألف في القطاع العمومي.

تزايد نفقات الدولة

في تشخيصه لتداعيات التهرم السكاني، يؤكد الخبير في الحماية الاجتماعية بدر السماوي، أن هذه الظاهرة ستزيد في نفقات الدولة خاصة في الجانب المتعلق بجرايات التقاعد، في ظل ارتفاع أمل الحياة عند الولادة وارتفاع نسبة من هم فوق سن 60 سنة، وهذا ما يدفع للتفكير في مراجعة أنظمة التقاعد بما يراعي التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية.

ويوضح لـ "أصوات مغاربية" أن تكاليف التغطية الصحية سترتفع مع مرور الزمن، وهو ما يستوجب توفير خدمات للشيوخ والتكفل بهم، مثلما ذهبت إلى ذلك البلدان الغربية وخاصة الدول الأوروبية.

وتابع في سياق متصل، بأن تواصل نزيف هجرة الأدمغة في تونس بحثا عن تحسين الظروف الاجتماعية، سيقابله نقص في اليد العاملة الكفؤة، لافتا إلى أن معدل سن العاملين في القطاع الفلاحي يتجاوز أربعين سنة.

وختم بالقول "إن تشيّخ المجتمع التونسي يحتّم ضرورة التفكير في تغيير السياسات العمومية بما يتلاءم مع التركيبة الجديدة".

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الأسرة والمرأة، أنها بصدد استكمال مراجعة كراس شروط إحداث وتسيير مؤسسات رعاية المسنين والتوجه لإحداث إقامات خاصة بالمتقاعدين ووحدات عيش خاصة بكبار السن ذوي الإعاقة والمصابين بالزهايمر.

وذكرت الوزارة في بلاغ لها بتاريخ 1 أكتوبر 2024، أنه تمّ الترفيع في منحة برنامج الإيداع العائلي لكبار السنّ من نحو 70 دولارا إلى ما يناهز 120 دولارا، وفي عدد الفرق المتنقّلة لتقديم الخدمات الاجتماعيّة والصحيّة لكبار السن والتي بلغ عددها 42.

المصدر: أصوات مغاربية