يحتدم الصراع بين أجنحة "حركة النهضة" التونسية الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بمستقبل القيادة الحزبية، ما سرّع في بروز مبادرات للحيلولة دون تفاقم خلافات قدتؤثر على وحدة هذا التنظيم.
"الوحدة والتجديد"
وطالبت قيادات بارزة في النهضة، في وثيقة نقلتها وكالة الأنباء الرسمية، بـ"ضمان التداول القيادي في الحركة بما يسمح بتجديد نخبها وذلك وفق مقتضيات نظامها الأساسي ".
وبمقتضى القوانين الداخلية للحركة لا يمكن لرئيس الحركة، راشد الغنوشي، الترشح لولاية جديدة على رأس الحزب في المؤتمر القادم، الذي كان من المنتظر تنظيمه بحر هذا العام.
ودعت هذه القيادات التي أطلقت على نفسها تسمية مجموعة "الوحدة والتجديد" إلى "ضرورة عقد المؤتمر الحادى عشر قبل موفى 2020، وإدارة حوار داخلي معمق حول مختلف القضايا التي تخص الحركة، وبناء توافقات صلبة، تحفظ وحدتها وتدعم مناخات الثقة بين النهضويين قبل الذهاب إلى المؤتمر".
وفي الوقت الذي تبنت فيه المجموعة مطلب "تجديد القيادة الحزبية"، فإنها شددت على "أهمية دور رئيس الحركة في المرافقة الفاعلة للوضع القيادي الجديد بعد المؤتمر".
ومن بين الموقعين على هذه الوثيقة، صهر الغنوشي، القيادي البارز بالنهضة، رفيق عبد السلام، ورئيس مجلس الشورى، عبد الكريم الهاروني، ورئيس مكتب الانتخابات، محسن النويشي، وعضو المكتب السياسي، عبد الله الخلفاوي.
زيود: مناورة الغنوشي
وتفاعلا مع هذه التطورات ، قال المحلل السياسي، معز زيود، إن الوثيقة "تكشف القدرة الكبيرة لرئيس الحركة على المناورة، بالاستعانة بالشقّ المناصر له والمحسوب عليه من قيادات الحركة، لاسيما رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني وصهر الغنوشي رفيق عبد السلام".
وأضاف زيود، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأنه، وبغض النظر عن هوية المبادر بهذه الدعوة، فهي بمثابة "مناورة معلنة ارتضاها الغنوشي لنفسه، وأراد أن يكشف عبرها أنّه صاحب الكلمة الأخيرة، وهو نفسه من قرّر عدم المسّ بالقانون الأساسي، أي التخلّي عن رئاسة الحركة من تلقاء نفسه".
ويهدف الغنوشي من وراء هذه الخطوة، وفقا للمحلل ذاته، إلى "إظهار نفسه في صورة الأكثر التزامًا بالقانون الأساسي للحركة، لسحب البساط من تحت أقدام مناوئيه".
ومن وجهة نظر معز زيود فإن الوثيقة تكشف أنّ "هذا التيّار الذي يُسمّي نفسه (مجموعة الوحدة والتجديد)، والذي يُشكّل الشقّ الذي يُسيّر الحركة اليوم، لم يتخلّ، على خلاف ما يدّعيه، عن فكر جماعة الإخوان المسلمين المنبني على التقيّة والغنيمة. من خلال التأكيد على ضرورة تجنّب إخراج الخلافات والتفاهمات الداخليّة إلى العلن، رغم أنّ النهضة أضحت حزب حكم وتوازناتها تهمّ عموم التونسيّين".
الأخضر: احتدام الصراع
وفي السياق ذاته، لفت المحلل السياسي، جلال الأخضر، إلى أن "حركة النهضة عاشت منذ عقود على وقع خلافات جهوية ومالية وسياسية حادة، نجحت في الخروج منها بأخف الأضرار والتكتم عنها على عكس الصراعات الأخيرة التي برزت إلى العلن".
وشدد الأخضر في تصريح لـ"أصوات مغاربية" على أن "للغنوشي صراعات تاريخية مع قيادات بارزة على غرار صالح كركر ثم في مرحلة لاحقة مع الصادق شورو والحبيب اللوز قبل استقالة الأمين العام السابق، حمادي الجبالي وصولا إلى خروج الوجه التاريخي البارز عبد الحميد الجلاصي وقيادات شبابية من بينها هشام العريض".
وتابع: "وصول النهضة إلى الحكم وتوسع علاقاتها الخارجية وتكوينها لشبكة تمويلات ضخمة، صعّب من مهمة الغنوشي في السيطرة على المعارك الداخلية التي برزت للعيان".
ويستبعد الأخضر "تسليم الغنوشي مفاتيح قيادة الحركة إلى مجموعة جديدة لا تأتمر بأوامره"، مرجحا "إمكانية إجراء ترتيبات في الفترة القادمة لتمكين وجوه جديدة من تسيير الحركة ظاهريا مع تأمين موقع يسمح للغنوشي بالحكم من خلف الستار".
- المصدر: أصوات مغاربية