يعيش البرلمان التونسي في الأشهر الأخيرة على وقع خلافات واسعة بين نواب كتلة "حركة النهضة" من جهة، ونواب "الحزب الدستوري الحر" من جهة ثانية.
وأعادت هذه المعارك إلى الواجهة قضية "الاستقطاب الثنائي الحاد"، الذي عرفته تونس في السنوات التي أعقبت الثورة، بين العائلة الدستورية وعائلة الإسلام السياسي.
وفي الوقت الذي يرى فيه محللون أن الاستقطاب الحاد في الساحة السياسية من شأنه أن ينهي "مقولات التوافق المغشوش" ، فإن آخرين يشيرون إلى أن هذا الاستقطاب لن يسهم في حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
استقطاب حاد
يقود "الحزب الدستوري الحر" تحركات واسعة داخل البرلمان للإطاحة برئيس المجلس وزعيم "حركة النهضة"، راشد الغنوشي من منصبه.
ويتهم الدستوري الحر حركة النهضة بـ"الضلوع في ملفات إرهابية وبالسعي إلى أخونة المجتمع".
في المقابل، يوجه أعضاء في الحركة التي تقود الائتلاف الحاكم، الحزب الدستوري بـ"تمجيد الاستبداد والسعي إلى تقويض التجربة الديمقراطية".
وخيمت صراعات الحزبين على المشهد السياسي في تونس، وتعمقت أكثر في علاقة بالملفات الخارجية على غرار الأزمة الليبية.
ويعيد هذا الصراع إلى الأذهان، الاستقطاب الثنائي الحاد بين الذي قاد إلى أزمة سياسية خانقة في 2013، انتهت بإجراء حوار وطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة مهدي جمعة.
وانعكست خلافات القطبين الحزبيين على نتائج آخر سبر آراء نشرته، الجمعة، جريدة المغرب التونسية.
وأظهرت نوايا التصويت في هذا السبر، استقطابا ثنائيا حادا بحصول النهضة على 24.3 بالمئة من الأصوات مقابل 22.2 بالمئة للدستوري الحر، بعيدا عن بقية الأحزاب (قلب تونس 12.1 بالمئة والتيار الديمقراطي بـ8.3 بالمئة).
القاسمي: أهمية الفرز السياسي
واستبعد المحلل السياسي، الجمعي القاسمي، أن يمثل الاستقطاب الثنائي خطرا على التجربة الديمقراطية.
وقال في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إن "المطلوب اليوم هو حدوث فرز حقيقي على قاعدة المشاريع السياسية، وللناخب التونسي اختيار الأقدر على قيادة البلاد".
وأضاف أن "ما يجري الآن هو عملية فرز للقوى السياسية، وهو أمر مطلوب لتجاوز التوافق المغشوش الذي أبقى المشهد متداخلا بمشاريع متنافرة بما لا يخدم المسار الديمقراطي".
وخلص المصدر ذاته إلى أن "الاستقطاب بات أمرا مطلوبا في هذه المرحلة خاصة في ظل تعقيدات المشهد بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، التي تتطلب قدرا من المسؤولية".
وشدد القاسمي على "ضرورة إدخال تغييرات على القانون الانتخابي لمنح أغلبية مريحة للحزب الفائز في الانتخابات القادمة تسمح له بإدارة شؤون البلاد وتتيح للتونسيين تحميله مسؤولية النتائج التي سيتم تحقيقها".
العليبي: خلافات اليمين
وفي تعليقه على مجريات الأحداث في المشهد التونسي، قال المحلل السياسي، فريد العليبي، إن "الاستقطاب الثنائي الحاد بين أقطاب اليمين يعيد إنتاج نفسه بالصورة ذاتها التي كان عليها في عهد بورقيبة وبن علي والسنوات الأولى للثورة".
وأوضح بأن "الاستقطاب بين أقطاب اليمين الليبرالي وواجهته الحزب الدستوري واليمين الديني وتمثله النهضة، هو صراع تاريخي على حساب القوى السياسية ذات الخلفية الاجتماعية على غرار اليسار ".
من يدعي انه ربح المعركة بين الجانبين لم يفهم شيء ...
— مسلم 🖤 (@rabaouim1) June 4, 2020
تونس خسرت سياسيا بعودة الصراع الإيديولوجي و الاستقطاب الثنائي
تونس خسرت اقتصاديا و أخرجت من السوق الليبية و وقع تعويض السلع التونسية من الجانب الغربي بسلع تركية و من الجانب الشرقي بسلع مصرية
تونس خسرت اجتماعيا بآلاف المعطلين عن
وتابع، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، قائلا: "كلما ازدادت حدة الخلافات بين قطبي اليمين كلما ارتفعت خسائر اليسار خاصة في ظل حالة التشرذم والتشتت التي يعيش عليها منذ الانتخابات الأخيرة".
وخلص فريد العليبي إلى أن "الاشتغال على خطاب الهوية بما يحمله من صراعات يؤخر الاهتمام بالمسألة الاقتصادية والاجتماعية".
- المصدر: أصوات مغاربية