أحيى التونسيون اليوم الذكرى 69 لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد الذي يعد أحد أبرز رموز مقاومة الاستعمار الفرنسي.
وتحظى مسيرة حشاد بإجماع كامل بين التونسيين على خلاف أسماء أخرى بارزة في الحركة الوطنية على غرار الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف.
مسيرة نقابية طويلة
ولد حشاد يوم 2 يناير 1914 في جزيرة قرقنة التابعة لعاصمة الجنوب صفاقس، وقد اضطر لترك المدرسة في مرحلة مبكرة بعد وفاة والده بهدف مساعدة عائلته التي تنتمي للأوساط الفقيرة.
بدأ سيرته المهنية من بوابة شركة متخصصة في مجال النقل البحري بمحافظة سوسة القريبة.
ودفع فاتورة انخراطه المبكر في العمل النقابي بعد أن طُرد من عمله لمشاركته تحركات مدافعة عن العمال ضمن منظمة عمالية تابعة لفرنسا.
قبل مشاركته في تأسيس للاتحاد العام التونسي للشغل أكبر نقابات البلاد إلى اليوم، حاول حشاد تكوين منظمات لم تصمد طويلا.
وأُسندت لحشاد مهمة قيادة المنظمة النقابية الأهم بالبلاد بين العامين 1946 و1952.
دور سياسي
لم يكتف حشاد بالعمل النقابي بل دعمه بأنشطة واسعة على المستوى السياسي للتعريف بقضية وطنه في وقت كانت فيه تونس تعيش السنوات الأخيرة من الاستعمار الفرنسي الذي استمر من العام 1881 إلى 1956.
يقول المؤرخ التونسي عبد اللطيف الحناشي إن "حشاد اشتغل في السياسة من بوابة النقابة دون أن يفصح عن ذلك وقد قاد إضرابا وطنيا عاما قبل أن يتزعم في مرحلة لاحقة الكفاح المسلح ضد فرنسا".
ويرى الحناشي أن "حشاد لم يكن ملتزما بالحزب الدستوري الحر بل كان كان ملتزما ببرنامج الحزب، فضلا عن مساهماته الكبيرة في التعريف بقضية تونس في الخارج".
وفي ما يتعلق بهذه المرحلة، أوضح الحناشي أن " الرجل استثمر شبكة علاقاته الدولية الواسعة داخل النقابات العالمية للتعريف بقضية بلاده في العالم فضلا عن مساعدته للحبيب بورقيبة أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية".
اغتيال حشاد
يوم الخامس من ديسمبر 1952 استفاق التونسيون على خبر اغتيال القائد النقابي في منطقة قريبة من العاصمة تونس.
واتهم رموز الحركة الوطنية فرنسا بالضلوع في هذه الجريمة، وقد اعترف عضو في منظمة "اليد الحمراء" الفرنسية في العام 1997 باغتيال حشاد.
وتُطرح الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي دفعت الفرنسيين إلى تصفية حشاد رغم وجود أسماء أخرى أكثر تأثيرا في ذلك الوقت.
يجيب أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية، علية عميرة الصغير، عن هذا السؤال بالقول إن "حشاد تحول بعد حملة الاعتقالات التي استهدفت زعماء الحركة الوطنية إلى القائد الفعلي والميداني لهذه لحركة بجناحيها السياسي و المسلح".
ويضيف الصغير في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "كان حشاد على رأس قائمة الزعماء الذين فتكت بهم اليد الحمراء لكنه لم يكن الوحيد الذي تم اغتياله فقد تلاه الهادي شاكر في 1954 فضلا عن أسماء أخرى".
ومن وجهة نظر المتحدث ذاته فقد "كانت عملية قابس التي قُتل فيها 4 جنود فرنسيين وأصيب آخرون القطرة التي أفاضت الكأس وقررت على إثرها المخابرات الفرنسية التخلص منه".
إجماع وطني
خلافا لقائمة طويلة من رموز الحركة الوطنية، يحظى حشاد بمكانة خاصة لدى التونسيين الذين يحرصون سنويا على إحياء ذكرى اغتياله.
ولهذا الإجماع الشعبي عدة تفسيرات وفق الباحث في التاريخ التونسي محمد ذويب الذي قال إن "للرجل شخصية وطنية جامعة بأبعادها النقابية والسياسية وقد كان بعيدا عن التجاذبات الأيديولوجية".
كما أشار ذويب في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إلى أن "حشاد عاش زمن المعارضة ومقاومة الاستعمار ولم يصعد إلى السلطة التي تكون مرتبطة عادة بمنطق الغنائم".
وأوضح أن "اغتيال الرجل من قبل فرنسا العدو الأول والأوحد للتونسيين في تلك الفترة جعله محل إجماع من طرف التونسيين الذين اعتبروا أن ذلك كان دليلا على وطنيته"، مشيرا أيضا إلى "إشعاعه الخارجي وانخراطه في الكونفدرالية العالمية للنقابات الحرة".
المصدر: أصوات مغاربية