الرئيس قيس سعيد
الرئيس قيس سعيد

رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد الجمعة أي مزاعم عن معاداة الدولة للسامية في أعقاب الهجوم على محيط كنيس الغريبة اليهودي بجزيرة جربة، الذي أسفر قبل أيام عن مقتل ثلاثة عناصر أمن واثنين من زورا المعبد. 

وتأتي تصريحات  الرئيس سعيّد في أول رد رسمي على اتهامات غربية لتونس بمعاداة السامية غداة حادثة الغريبة التي وقعت الثلاثاء الماضي.

وقال الرئيس سعيد أثناء لقاء برئيسة الحكومة نجلاء بودن، ووزيرة العدل ليلى جفال، ووزير الدفاع الوطني عماد مميش، ووزير الداخلية كمال الفقي، ووزير الشؤون الخارجية نبيل عمار. "إنه من الغريب أننا في القرن الحادي والعشرين ما يزال البعض يتحدث على سام وحام إلا إذا كان هؤلاء يريدون الإبقاء على بذور التفرقة والاستفادة من هذا الخطاب"، وفق بيان للرئاسة.

وأعرب سعيد عن استغرابه للمواقف التي وردت فيها اتهامات لتونس بمعاداة السامية مجددا رفض بلاده  أي تدخل أجنبي لأن "سيادة تونس وسيادة الشعب داخل الوطن خطان ليس لأي جهة كانت أن تتجاوزها"، حسب المصدر ذاته.

وأضاف سعيد أن تونس ستبقى آمنة بالرغم من المحاولات اليائسة للمسّ من استقرارها، وأثنى، في هذا السياق، على الجهود التي بذلتها وتبذلها القوات المسلحة العسكرية والأمنية في إحباط كل المخططات التي تستهدف مؤسسات الدولة والسلم الأهلية.

وفي أعقاب هجوم جربة غرد  الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الهجوم على كنيس الغريبة يقلقنا...نفكر بألم بالضحايا، بالشعب التونسي، بأصدقائنا...نقف إلى جانب عائلة مواطننا الذي قتل".  وتابع ماكرون  القول "دائما، وبلا كلل، سنكافح معاداة السامية". 

كما أعلن المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا فتح تحقيق بتهمة "القتل بما يتصل بمجموعة إرهابية".

والثلاثاء الماضي، هاجم عنصر أمن تونسي محيط كنيس الغريبة حيث كانت تقام احتفالات الزيارات السنوية وقتل ثلاثة من عناصر أمن واثنين من زوار المعبد (تونسي وفرنسي) بعد ما أطلق النار بشكل عشوائي قبل أن تتصدى له الشرطة وترديه قتيلا.

وحسب الداخلية التونسية، فإن المهاجم قتل زميله بمركز أغير بجزيرة جربة له واستولى على ذخيرته قبل أن يتوجه إلى محيط المعبد حيث تبادل إطلاق النار مع الشرطة . 

رسائل للخارج

وتعليقا على تصريحات سعيد، قال المحلل طارق شندول "من الواضح أن موقف سعيد يأتي في شكل رسالة مضمون وقوية، ردا على بعض القوى الغربية التي اعتبرت أن هجوم جربة يعد "معاداة السامية".

وأضاف شندول في تصريحات لـ"أصوات مغاربية" أن الرئيس سعيد يعي جيدا أن  هذه القوى تريد أن تستثمر في عدم الاستقرار وذلك في إطار صراع المصالح بالمنطقة لذلك عبر بشكل واضح عن استغرابه من هذه المواقف.

وقال شندول "إن العملية أحرجت السلطات خاصة أن منفذ الهجوم عنصر من أجهزة الأمن لذلك أراد سعيد أن يدحض هذه الاتهامات الغربية بشكل قطعي وذلك من خلال تأكيده "أن تونس ستبقى آمنة بالرغم من المحاولات اليائسة للمس من استقراره".

وبخصوص تأكيده عن رفض التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي، أكد المحلل أن سعيد ظل وفيا لخياراته السياسية وخطابه الذي ينادي بالدفاع عن السيادة الوطنية ورفض التدخل الخارجي وذلك في إشارة منه لموقف الرئيس الفرنسي ماكرون الذي اعتبر ما حدث في جربة "معاداة للسامية".

المصدر : أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مظاهرة سابقة بتونس ضد العنف المسلط على النساء (أرشيف)
مظاهرة سابقة بتونس ضد العنف المسلط على النساء (أرشيف)

لم يمض على زواجها سوى بضعة أشهر حتى وجدت سالمة (اسم مستعار)، وهي من محافظة الكاف شمال غربي تونس، نفسها تواجه حياة زوجية مليئة بالعنف، حيث ينتهي كل خلاف مع زوجها بتعرضها للضرب والشتم، ولا تجد سبيلا أمامها سوى الفرار إلى بيت عائلتها.

تقول سالمة (27 سنة)، في حديثها لـ "أصوات مغاربية"، إن الحب الذي رفع سقف أحلامها بعيش حياة عائلية هادئة بعد الزواج سرعان ما تبخر بمجرد الوقوف على حقيقة زوجها.

فبسبب طباعه الحادة، تعطلت لغة الحوار بينهما وحل محلها العنف اللفظي والجسدي، وما ضاعف معاناتها هو أنها من بيئة محافظة ترفض اللجوء إلى القضاء لحل الخلافات الزوجية وتعتبر هذه الخطوة بمثابة عار سيلحق بالعائلة.

وتضيف سالمة أنها قررت مواجهة زوجها وأهلها بالذهاب إلى القضاء لطلب الطلاق ووضع حد لزواج تصفه بـ"الفاشل"، مشيرة إلى أن آثار العنف لاتزال بادية على جسدها.

وتشدد أن الطلاق هو الحل الوحيد للتخلص من كابوس العودة إلى بيت الزوجية، حتى وإن عارض الجميع هذه الخطوة.

ورغم القوانين التي سعت السلطات التونسية إلى إرسائها بهدف الحد من العنف المسلط على النساء فإن وتيرة التعنيف استمرت.

وكان تقرير صدر عن مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" صدر في أواخر سبتمبر 2024، كشف أن العنف النفسي هو أكثر انواع العنف المسلط على النساء في تونس.

وقد بلغت نسبته 44.4 % تلتها نسبة العنف اللفظي بـ26.7% ثم العنف الجنسي ب15.6 % والعنف الاقتصادي بـ11.4 % ثم العنف الجسدي بـ5.3 %، وفق تقرير المركز الحكومي.

وقدرت نسبة الزوجات المعنفات، وفق التقرير واستنادا إلى تصريحات المستجوبات، 41.8 % وهي نسبة مرتفعة يليها العنف في الأماكن العمومية بـ 28.1 %، فيما بلغت نسبة النساء المتعرضات للعنف في الوسطين العائلي والزوجي 58 % أي أكثر من النصف.

ارتفاع جرائم قتل النساء

في 9 سبتمبر 2024، أصدرت جمعية "أصوات نساء"(جمعية حقوقية نسوية) بيانا أكدت فيه تسجيل 20 جريمة قتل نساء منذ بداية 2024، مشيرة إلى أن ذلك "يعكس واقعا مأساويا يتفاقم يوما بعد يوم، حيث تزداد وتيرة هذه الجرائم بشكل يثير القلق".

وتؤكد الجمعية أنه تم تسجيل 25 جريمة قتل نساء على امتداد 2023، وأغلب ضحاياها من المتزوجات بنسبة تفوق 71٪.

في هذا الإطار، ترجع منسقة "مرصد الحق في الاختلاف" (جمعية حقوقية)، سلوى غريسة، أسباب تزايد وتيرة العنف المسلط على النساء إلى تنامي الفقر والبطالة في البلاد، وارتفاع الضغط الأسري في مجابهة تكاليف المعيشة، فضلا عن ازدياد خطاب الكراهية والتحريض على العنف داخل المجتمع وفي منصات التواصل الاجتماعي.

وتردف قائلة، لـ"أصوات مغاربية"، إن هناك عيوب عدة تشوب الإجراءات الأمنية والقضائية، وتتمثل في نقص الوسائل والإمكانيات لمجابهة الملفات المتعلقة بالعنف ضد المرأة.

وتلفت غريسة إلى أن الأرقام غير المعلنة عن حالات القتل والعنف ضد النساء أزيد من المعلنة، وذلك بالنظر إلى تحفظ بعض العائلات عن التبليغ عن مثل هذه الحالات.

وتتابع الناشطة الحقوقية، في سياق حديثها عن القوانين التي أقرتها تونس في هذا الخصوص، بأنه من الجيد إقرار قوانين لكن الإشكاليات تكمن في آليات التنفيذ، التي لاتزال دون المستوى المطلوب للحد من ظاهرة العنف ضد النساء.

وكان البرلمان التونسي قد تبنى في العام 2017 قانونا لمناهضة العنف ضد المرأة، وُصف بـ"الثوري" آنذاك، لكن طريقة تطبيقه تواجه انتقادات واسعة.

ففضلا عن العقوبات المادية والسجنية المشددة على المخالفين، يفرض هذا القانون على السلطات الحكومية تأمين الحماية للمعنفات، علاوة على توفير الرعاية الصحية والنفسية والقانونية في مواجهة ظاهرة العنف.

كما يلزم القانون السلطات بتوفير "الحماية القانونية المناسبة لطبيعة العنف الممارس ضد المرأة بما يكفل أمنها وسلامتها وحرمتها الجسدية والنفسية".

غياب الإرادة السياسية في تفعيل القوانين

تقول الناشطة الحقوقية، سوسن الجعدي، إنه مقارنة ببقية الدول العربية تتمتع النساء في تونس بترسانة من القوانين التي من شأنها حمايتها من كل أشكال العنف وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين في ظل دولة مدنية تضمن الحقوق وتحمي الحريات، غير أن هذه القوانين تبقى غير ناجعة ومعطلة في غياب الإرادة السياسية.

وتضيف، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أنه لا جدوى من هذه الأطر القانونية والاستراتيجيات الرامية لمناهضة العنف المسلط على النساء، إن لم تُخصّص لها الميزانيات اللازمة وإن لم يقع توفير التكوين والمتابعة لمختلف المتدخلين.

وتتابع الحقوقية بأنه إن كان القانون 58 لسنة 2017 والذي يرمي إلى مناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي مكسبا ضمن عديد القوانين التي وقع سنها بعد الثورة التي عززت حقوق النساء، إلا أن ارتفاع منسوب العنف ضد النساء والفتيات يشي بإخلالات مؤسسات الدولة في تطبيقه، وفي صعوبة ولوج النساء للعدالة وضعف الحماية والتوجيه يظهر قصور القانون في حمايتهن.

وتبعا لذلك، توصي المتحدثة، بأهمية أن تكون البرامج التعليمية والمحتوى الثقافي والإعلامي مناهضا للعنف ولكل أشكال التمييز ومرسخا لثقافة المساواة، مشددة على أن القوانين وحدها لا تكفي لمعالجة علاقات الهيمنة لـ "ذكورية متأزمة" ولمجتمع لم يستوعب كفاية قيم الحداثة وحقوق الإنسان ولايزال يطبّع مع العنف ضد النساء ويبرره، ويحدث أن تطبّع النساء مع العنف وذاك الأخطر، وفقها.

وجاءت تونس في المركز 115 عالميا من بين 146 دولة في تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في يونيو 2024.

وخلال السنوات الأخيرة كثفت السلطات التونسية، عبر خطة لمكافحة تنامي العنف ضد المرأة، من إحداث مراكز مختصة لإيواء النساء ضحايا العنف والأطفال المرافقين وذلك بمختلف محافظات البلاد. 

المصدر: أصوات مغاربية