كشف تحقيق لصحيفة "الغارديان" البريطانية عن واقع مأساوي يقاسيه آلاف المهاجرين في تونس، مسلطا الضوء على تبعات الاتفاقية المثيرة للجدل مع الاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية، لكنها تواجه انتقادات شديدة بسبب تغاضيها لما يعتبر "انتهاكات جسيمة" لحقوق الإنسان.
ويرسم التحقيق صورة قاتمة عن معاناة المهاجرين بتونس وسط مزاعم بتعرض نسوة لـ"الاغتصاب والتعذيب" على أيدي عناصر من قوات الأمن التونسية، فيما تنفي الحكومة التونسية هذه الاتهامات بشدة، مؤكدة التزامها بالمعايير الدولية في التعامل مع المهاجرين.
شهادات صادمة
وأوردت الصحيفة البريطانية شهادات صادمة من مهاجرين، وبينهم، ماري (22 عاما)، وهي شابة من ساحل العاج (أبيدجان) تحدثت عن تعرضها لـ"اعتداء جنسي من قبل أربعة ضباط من الحرس الوطني التونسي".
وتحكي الشابة التي وصلت إلى تونس من أبيدجان، عن نجاتها بفضل صراخها الذي جذب انتباه لاجئين سودانيين مارّين، كاشفة أنها لجأت بعد ذلك، إلى مخيم مؤقت قرب صفاقس، في ظروف وصفت بأنها "مروعة".
وتحولت بساتين زيتون في منطقة العامرة، نواحي صفاقس، شرق البلاد ، إلى ملاذ قسري لآلاف المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ويعيش هؤلاء في ظروف إنسانية قاسية، محرومين من أبسط المرافق والحاجيات الأساسية. وتزيد من محنتهم الإجراءات الأمنية المشددة، حيث تفرض قوات الأمن طوقا محكما حولهم، لمنع تنقلهم إلى خارج هذه المخيمات.
وتحولت صفاقس إلى نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الطامحين في عبور البحر المتوسط وبلوغ السواحل الإيطالية.
موسى (28 عاما)، شاب غيني تحدث عن تجربته خلال محاولته الهجرة من المدينة، قائلا: "كنت على متن أحد أربعة قوارب تم اعتراضها قبالة سواحل صفاقس خلال ليلة 6 فبراير 2024".
وأضاف للغارديان أن القوارب الأربعة كانت تحمل ما مجموعه حوالي 150 شخصا، بينهم رجال ونساء وأطفال. وبعد اعتراض القوارب، بالقرب من السواحل الإيطالية تم إرجاع وإنزال جميع الركاب على الشاطئ في صفاقس، حيث تم تقييدهم بالأصفاد وإجبارهم على الصعود إلى حافلات.
وبحسب الشاب الغيني، جرى نقلهم بعد ذلك إلى قاعدة للحرس الوطني بالقرب من الحدود الجزائرية، حيث "كانت تؤخذ نسوة بشكل منتظم إلى منزل صغير للاعتداء عليهن، كل ساعة أو نحو ذلك كانوا يأخذون امرأتين أو ثلاث نساء من القاعدة ويغتصبوهن هناك. أخذوا الكثير من النساء".
وأضاف موسى: "كنا نسمعهن يصرخن، يبكين طلبا للمساعدة. لم يهتموا بوجود 100 شاهد"، مشيرا إلى أن بعض النساء بالكاد استطعن المشي، بعد الاعتداء عليهن.
وتحدثت ياسمين (اسم مستعار)، وهي مؤسسة منظمة رعاية صحية تعمل مع المهاجرات في صفاقس، بأن "مئات المهاجرات تعرضن للاغتصاب من قبل قوات الأمن التونسية خلال الـ 18 شهرًا الماضية".
وقدرت الناشطة التونسية أن "9 من كل 10" مهاجرات من دول أفريقيا جنوب الصحراء، تعرضن للعنف الجنسي أو التعذيب، مشيرة كذلك إلى انتشار الأمراض في المخيمات، بما في ذلك السل والإيدز والجرب والزهري.
بدوره، يكشف جوزيف (21 عاما)، من كينيا، عن تعرضه للضرب المبرح خلال مداهمة للحرس الوطني لمخيم العامرة، كما شهد على إطلاق قنبلة غاز مسيل للدموع في وجه صديقه، مما سبب له إصابات خطيرة.
الخبير التونسي في شؤون الهجرة، مجدي الكرباعي، يرى أن الانتهاكات الواردة في تقرير الغارديان والتي تحدثت عنها تقارير حقوقية أخرى، "مقلقة ومروعة"، مشيرا إلى أنها "وسيلة تعمد إليها السلطات من أجل دفع المهاجرين لطلب المغادرة وإعادتهم نحو بلدانهم".
ويضيف الخبير المقيم في إيطاليا، في تصريح لموقع "الحرة"، أنه في مقابل هذه المآسي، تتباهى الحكومة الإيطالية بـ"نتائجها الإيجابية في انخفاض أعداد المهاجرين الواصلين إلى سواحلها بنسبة 75 في المئة مقارنة بالعام الماضي".
وكشف التحقيق أن الحرس البحري التونسي نجح في منع أكثر من 50 ألف شخص من عبور البحر المتوسط خلال العام الحالي.
ويوضح المتحدث ذاته "الحقيقة أننا لسنا أمام انخفاض بل قمع وانتهاك المهاجرين لدفعهم للعودة من أين جاءوا أو ثنيهم أساسا عن الانطلاق من بلدان المنبع"، لافتا إلى "تصاعد هذه السلوكيات بعد صفقة قيس سعيد مع جورجيا ميلوني (رئيسة الحكومة الإيطالية)".
هناك انتهاكات، ولكن..
وتعد تونس نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير القانونيين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط بشكل محفوف بالمخاطر في محاولة للوصول إلى السواحل الإيطالية.
ومنذ الخطاب الذي ألقاه سعيّد مطلع العام الماضي والذي ندد فيه بما اعتبره "جحافل المهاجرين غير الشرعيين" و"تهديد ديمغرافي لتونس"، اندلعت أعمال عنف ضد المهاجرين وتم طرد المئات منهم من بعض مراكز المدن، كما فقد آلاف المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني في تونس مساكنهم ووظائفهم.
وتدهورت ظروفهم المعيشية أكثر عندما تم طردهم من المدن الكبرى مثل صفاقس، ليسكنوا داخل مخيمات مؤقتة غير صحية، وبدون أي موارد في انتظار النجاح في عبور البحر الأبيض المتوسط في اتجاه السواحل الإيطالية.
ومطلع العام الحالي، اتهمت هيومن رايتس ووتش القوات التونسية بارتكاب انتهاكات خطيرة ضدّ المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الأفارقة السود.
وشملت الانتهاكات التي وثّقتها "هيومن رايتس ووتش" استخدام القوّة المفرطة، وأحيانا التعذيب، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والطرد الجماعي، وأفعالا خطيرة في عرض البحر أثناء اعتراض المراكب، والإخلاء بالقوة، وسرقة الأموال والمقتنيات.
منطقة وسط البحر المتوسط تشهد واحدة من أعلى معدلات الوفاة بين المهاجرين في العالم
انتشال جثث 6 مهاجرات أفريقيات قبالة سواحل تونس
قال مسؤول قضائي تونسي، الخميس، إن خفر السواحل انتشل جثث ست مهاجرات أفريقيات بينهن طفلة رضيعة قبالة ساحل منطقة المنستير بتونس في أحدث واقعة غرق في البحر المتوسط.
رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، يقول إن المهاجرين في تونس "يواجهون صعوبات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي، وحتى حرية التنقل، حيث يتم منعهم من استعمال وسائل النقل العمومي في بعض الحالات".
لكن الناشط الحقوقي ينفي بالمقابل، "تسجيل أي حالات عنف جنسي ضدهم من قوات الأمن التونسية"، مشيرا إلى أن المنظمة "سجلت شكايات ومحاولات اعتداء وعنف جنسي وسط تجمعات المهاجرين فيما بينهم".
ويؤكد عبد الكبير في حديثه لموقع الحرة، بشكل قاطع، عدم "تسجيل ارتكاب مثل هذه الحالات من طرف أفراد وجهات إنفاذ القانون بتونس"، مؤكدا أن "مثل هذه السلوكات غريبة عن الشعب التونسي ومؤسساته".
وأضاف أن المرصد الحقوقي الذي يرأسه والذي يتابع ملف الهجرة بشكل حثيث "لم يتلق أي تبليغات أو شكايات في هذا الجانب".
ويشدد على أن "المسجل والحاصل هو تعرض هؤلاء المهاجرين لانتهاكات على مستوى أوضاعهم المعيشية والإنسانية، وأيضا جزء من سوء معاملة (..) وهو أمر نستنكره، وندعو لمعالجة ملف الهجرة بمقاربات أخرى".
وأكدت السلطات التونسية في بيان ردا على تقرير الغارديان، أن قواتها الأمنية تعمل "باحترافية لتطبيق سيادة القانون (...) مع الالتزام الكامل بالمبادئ والمعايير الدولية".
وشددت الحكومة على أنها "لم تدخر جهدا" في سبيل تلبية الاحتياجات الأساسية للمهاجرين، مؤكدة التزامها بمكافحة الشبكات الإجرامية التي "تستغل الضعف"، ومعالجة الهجرة غير النظامية من خلال الامتثال للقوانين الدولية.
الاتفاق "المشؤوم"
وأبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع تونس لتقديم مساعدات مالية مقابل الحدّ من محاولات انطلاق المهاجرين نحو أوروبا.
ولم تذكر التفاصيل المالية الدقيقة للاتفاق الذي تم الإقرار عليه في شهر يوليو الماضي. لكن تقارير كشفت أن المؤسسة الأوروبية، بدأت في صرف 105 ملايين دولار كمساعدة لمكافحة الهجرة غير القانونية.
وذكر تحقيق الغارديان، أن الاتحاد الأوروبي "يتجاهل" انتهاكات حقوق الإنسان. ونقل عما وصفه بمصادر عليا في بروكسل، بأن الاتحاد "على علم" بادعاءات الانتهاكات التي تحيط بقوات الأمن التونسية.
ورغم ذلك، "يغض" الاتحاد الطرف عن هذه التجاوزات ويواصل تمويل القوات التونسية، في محاولة تقودها إيطاليا، لتعهيد حماية الحدود الجنوبية لأوروبا إلى أفريقيا، بحسب المصدر ذاته، وتعليقا على الانتقادات الموجهة للجانب الأوروبي، يقول الكرباعي، إن "همّ السياسيين الأوروبيين الوحيد هو منع تدفق المهاجرين"، بعد أن أصبحت "الهجرة ورقة انتخابية رابحة بيدهم".
ويضيف أن "الأخلاقيات التي يتحدث عنها الأوروبيون، سواء من اليمين واليسار، تنتفي في تطرقهم للهجرة"، معتبرا أن "كل ما تقترفه حكومات دول شمال أفريقيا بحق المهاجرين، يتم بمباركة من الجانب الأوروبي"، رغم تقارير "إبداء القلق" التي يتم ترويجها بين الفينة والأخرى بسبب ضغوطات المنظمات الحقوقية غير الحكومية.
ويلفت الكرباعي، إلى أن ما يؤكد "لا مبالاة الأوروبيين بشأن الأوضاع الحقوقية"، مساعيهم من أجل توسيع الاتفاقية الموقعة مع تونس وإبرام تعهدات مماثلة مع دول أخرى بشمال أفريقيا.
المصدر: موقع الحرة