تحتفظ ذاكرة المغاربة بأغاني أمازيغية حطّمت حواجز اللهجات المختلفة لتطبع الذاكرة الفلكلورية من الريف شمال البلاد إلى سوس بالجنوب.
ورغم اختلاف اللهجات الأمازيغية بين مختلف المناطق، إلا أن ملايين المغاربة دندنوا على الإيقاعات الحيّة والعميقة لهذه الأغاني الشعبية التي أضحت اليوم تراثية.
وارتبطت هذه الأغاني بفنانين طبعوا مرحلتهم وأسروا قلوب عشاق الموسيقى بالمملكة وخارجها.
وفي ما يلي أسماء ثلاثة من أشهر الأغاني الشعبية الأمازيغية:
من الريف.. "كاع كاع يا زبيدة"
تحوّلت أغنية "كاع كاع يا زبيدة" للفنان الشعبي، فريد الناظوري، إلى واحدة من أشهر الأغاني العالقة بذاكرة ليس فقط سكان منطقة الريف وإنما كل المغاربة الذين حضروا مناسبة عائلية أو حفلا موسيقيا.
ورغم أن الأغنية تراثية في الأصل، إلا أن الناظوري (1944 - 2020) نفخ فيها روحا جديدة في 1969، قبل أن يتلقّفها فنانون آخرون في السنوات الأخيرة ويمنحوها طابعا موسيقيا معاصرا وتتحول بعد ذلك إلى واحدة من أبرز الأغاني الطربيّة في المناسبات العائلية والحفلات الشعبية.
وكانت الفنانة الريفية الرائدة، ميمونت نسروان، أشارت إلى أنها أول من أدى هذه الأغنية، إلا أن "كاع كاع يا زبيدة" ظلت مرتبطة بالناظوري.
وكيفما كان الحال، فإن الأغنية التراثية، المستمدة من الشعر الأمازيغي لأهل الريف، لم تصل إلى الجمهور الواسع إلا في العقود الأخيرة بعد وضع روتشات موسيقية حديثة عليها لتناسب ذائقة جمهور التسعينات وما بعدها.
و"كعكع يا زبيدة" تعني "تباهي وتدلعي يا زبيدة".
أما المقطع الذي يخطف الروح بسرعة فهو "أيا رالا أيا رال أيا رالا بويا - أيا رالا أيا رال أيا رالا بويا"، وهو لازمة شعرية يبدأ بها البيت ويُختتم بها ويقابلها في العربية "يا ليل يا عين".
من الأطلس.. "إيناس إيناس"
تُعد الأغنية الشهيرة "إيناس إيناس" للفنان الأمازيغي، محمد رويشة، ربما أشهر أغنية "تامازيغت" لدى غير الناطقين بهذه اللغة.
فبكلماتها الروحية الحزينة أدخل رويشة (1950-2012)، الملقب بـ"ملك الوتار" (آلة موسيقية محلية شبيهة بالعود)، قلوب المغاربة.
رويشة - الذي يصفه البعض أيضا بـ"فريد الأطلس"- معروف بأغانيه الحزينة التي تلامس هموم ومعاناة الإنسان البسيط، وهي هموم مشتركة عابرة للغة والجغرافيا.
اشتهرت أغنية "إيناس إيناس" أكثر من غيرها لوصفها واقع العاشق الولهان الذي يحاول مراوغة الفقر من أجل توفير المال لإسعاد حبيبته، وما يكابده من أحزان نتيجة البعد وفراق الحبيب.
وتظل أشهر كلمات هذه الأغنية هي بدايتها:
ايناس ايناس مايريخ أداسيخ إزمان (قل له قل له ماذا عساي أفعل لهذا الزمان)
أونا وريوفين مغاس ايش إونا ذتمون (لم يمنحني ما أقدمه للحبيب)
أورذا يسناقاص كالدصارث غاس الجيب إخوان (لا ينقص من كبرياء المرء إلا الفقر وقلة ذات اليد).
تربّع رويشة على قمة الأغنية الأمازيغية بعد إتقانه لأغاني الوتار، وجعلت عشاق الموسيقى يتخطّفونه في الحفلات داخل المغرب وحتى بأوروبا حيث ظل دائماً مرافقا لمغاربة العالم في غربتهم.
من سوس.. "إمّي حنّا"
خرجت أغنية "إمّي حنّا" (والدتي) الخالدة إلى الوجود في نهاية التسعينات من القرن الماضي على يد فرقة إزنزارن بقيادة الفنان، إكوت عبد الهادي.
تسمى بأفضل أغنية تخلّد تضحيات لأم إذ تتغنى المجموعة الموسيقة، التي تأسست في عام 1972 بمدينة أكادير، بدور الأمهات كحاضنات في مجتمع ذكوري قاس، وأن هذا الدور لا يعرفه حق المعرفة سوى اليتيم.
تبدأ الأغنية الشعرية وتنتهي بهذا الشكل:
إيما يحنا كا فربيغ تاسى ولا وول (أمي الحنون، على حبها ترعرع القلب والكبد)
نتات أيتسون أفود أر فلا تي تنتال (هي التي ترخي ركبتيها وتحميني..)
س ودال نس أصميد، تسمسطر فلاغ (بمنديلها من ويلات البرد وتسترني)
تزدا تزدم تاكمد غ لحما ولا أصميد (طحنت القمح، حطبت، وجلبت الماء في الحر والقر)
تصبر إيتازيت ن بابا تش فلاس أكوراي (تحملت غضبات أبي، بل عُنفت مرارا)
أح أبابا إيغ تسوكيت إيمي توقرت اغ (آه يا أبتي! عندما تجد أمي بيننا تحترمنا)
أدوكان تفيغ إيميد نك تاسيت أكوراي (لكن عندما تغيب يظهر وجهك الحقيقي)
آح أيان يكان إكيكيل مي تموت إيناس (آه يا من أصبح يتيما فاقدا لأمه، وظل والده يركض وراء النساء)
يقاند أيدل س إيغربان إيسوك أياكال (لا بد وأن تكون يلتحف الجدران ويفترش الأرض)
الله أروح ملاذ إيسا توريت الميت (الله يا روح، يا ليتك تعود إلى الميت)
أد سول ينكر غ إيسمدال يالن أراو نس (كي ينهض من القبور ويرى حال أبنائه)
المصدر: أصوات مغاربية